عبد اللطيف سينا، فنان من العيار الثقيل، عاصر الجيل الأول من رواد الأغنية المغربية، والشرقية، معروف في الساحة الفنية، بتقليده لصوت الراحل، محمد عبد الوهاب وأداء أغانيه الرائعة كما يعد من أبرز الموثقين للأغاني القديمة، ولأعمال هذا الموسيقار الخالد، والمطربين القدامى في المعرب، كما في الشرق، كأغاني أم كلثوم، وعبد الحليم حافظ، وزكرية أحمد، وغيرهم. جعل من بيته، متحفا خاصا به، وأرشيفا لأمهات الأغاني النادرة، من أسطوانات، وتسجيلات، لا يبخل بها على كل من قصده للاستفادة منها، ففضلا عن تقليده لأغاني مشاهير الطرب الأصيل، لديه العديد من الأغاني الخاصة، ضمنها أغنية "قال مرحا"، و"شوف الربيع وجماله"، وأغنية "فكري احتار"، وأخرى في طريق الإنجاز، لم يسعى سلينا يوما للشهرة، همه الوحيد حاليا، العمل على نشر الأغنية المغربية، من خلال تشجيع الفنانين الشباب، إذ لا يتوانى في توجيههم، وعلى إنشاء فضاء خاص يلتقي فيه فنانو مدينة الدارالبيضاء عوض اجتماعهم في المقاهي. هل لك أن تقربنا من الفنان عبد اللطيف سلينا؟ عبداللطيف سينا فنان أصيل، يتحدر من عائلة فنية محافظة، سميعة، وملوعة بالطرب العربي الأصيل، فعندما فتحت عيني، وجدت ببيتنا جهاز "الفونو اكراف بشكله القديم"، وهو راديو كبير، واسطوانات لمشاهير كبار، إذ تأثرت كثيرا بأخي الكبير الذي كان فنانا، وذواقا للفن بمعنى الكلمة، كان يردد أغاني محمد عبد الوهاب، الذي كان يحبه كثيرا، وعباقرة الطرب الشرقي، ولعت بالفن، والطرب المغربي والشرقي في وقت مبكر جدا، وتحول هذا الحب إلى موهبة، صقلتها، بدراستي للموسيقى، ففي سنة 1968 درست في المعهد البلدي للموسيقى بالدارالبيضاء، الذي تعلمت فيه أبجذبات الموسيقى بشكل دقيق، على يدي أساتذة كبار، كما درست بقسم الموشحات على أيدي الأستاذ بنعابد، ودلال قدري الذي كان أستاذا للعود، وهو الآن عازف عود ورئيس الفرقة الصوفية "أمية"، التي تزور المغرب باستمرار، ولعي بالفن لم يتوقف عند هذا الحد، بل دفعني ومجموعة من الأصدقاء إلى الاستفادة من خبرة بعض المطربين العصاميين، الذين اكتسبوا شهرة أنذلك، في بعض الأحياء آنذاك. إعجابي بالطرب والموسيقى دفعاني، إلى جمع كل ما هو فني، سواء كانت أغاني غربية أو شرقية، أو مغربية وحتى ، كأغنى بوشعيب البيضاوي، الذي كان يؤدي أغاني شعبية راقية، وتمثيليات المرحوم البشير لعلج، والحبيب القدميري، وأغاني احمد البيضاوي، و أم كلثوم، وفريد الأطرش، ومحمد عبد الوهاب، وشيوخ الطرب الشرقي، كصلاح عبد الحي، ومنيرة المهدية، ونور الهدى، ما جعلني أتوفر على أكبر خزانة فنية لا تقدر بثمن، اجمع فيها أمهات الأغاني القديمة، والتي شاركت بالبعض منها، في موقع "سماعي" على الانترنيت، الذي يوجد به مشاركون من كل الأقطار العربية والأوروبية، يزودون الموقع بأغان أو صور نادرة، إذ منحني هذا الموقع جائزتين، على أغنية تعود لأم فريد الأطرش وليست لأخته، وسهرة لفريد الأطرش، وأم كلثوم وهي تغني في حفل، بالإضافة إلى هذه الأغاني النادرة، التي شاركت بها، أتوفر على أغاني أخرى جد نادرة، كأغنية لعبد الحليم حافظ وهو يغني "كتعجبتي" لعبد الوهاب الدكالي، وأخرى لزكريا احمد يغني أغنية لأم كلثوم لم يكتب لها أن تؤديها، بالإضافة إلى بعض التسجيلات النادرة جدا، ضمنها، تسجيل لمحمد عبد الوهاب، وهو يتحدث مع عبد الحليم حافظة. ممن اكتسبت موهبة جمع الأعمال الفنية النادرة؟ جمع الأغاني والموسيقى النادرة، هي موهبة راقية وشاقة، لا تلقن في معاهد، بل هي ميول، اكتسبته من أخي الكبير رحمه الله، الذي ألازمته في كل خطواته، وأصبحت في ما بعد نسخة منه، موهبة جمع الأعمال الفنية القديمة ليست سهلة، لأنها تطلبت مني التنازل على الكثير من الأشياء في حياتي الخاصة، وتكريس لها مجهودا مادية ومعنويا كبيرا، لجمعها خصوصا في وقت، لم تكن فيه الآلات الموسيقية، أو التسجيلية متطورة جدا، كما أنني كنت رهين الاستماع إلى الإذاعات القديمة، التي كنت أسجل منها كل ما هو رائع وجميل، كإذاعة لندن، والقاهرة، ولا أنسى إذاعة طنجة، والإذاعة الوطنية في السينيات وأواخر السبعينيات. هل يوجد من يطلب منك بعض التسجيلات القديمة؟ عدد كبير من الفنانين المغاربة الذين هم أصدقائي يطلبونها، ولا أبخل على كل من طرق بابي، سواء من المطربين، أو السينمائيين، أو الباحثين على أرشيفات بعض الأغاني أو التسجيلات القديمة، لموسيقى أو أفلام، التي لا يجدونها في أي مكان آخر، وحتى لا تضيع هذه الخزانة الفنية، أنا الآن اسهر على تدوينها، وتسجيلها في سيديات، وأضعها في جهاز الكمبيوتر، كما أنني أتمنى أن يصبح لدي متحف حتى تتسنى للكل الاستفادة من هذا المورث الثقافي الغنائي، وحتى تستنفذ منه أيضا الأجيال اللاحقة، من الفنانين الشباب، والمهتمين. عبد اللطيف سلينا معروف بتقليد أغاني محمد عبد الوهاب أكثر من أداء أغانيه الخاصة؟ أردد كل ما هو جميل، وتربيت على الاستماع إلى أغاني الموسيقار محمد عبد الوهاب، وباقي عباقرة الطرب القدامى، كعبد المطلب، وزكريا أحمد، أم كلثوم، وفريد الأطرش، وليلى مراد ، إسماعيل أحمد، أحمد البيضاوي، وعبد القادر الراشدي، وعبد الوهاب الدكالي الذي هو صديق عزيز، عبد الهادي بلحياط، فمنذ صغري كنت أردد أغانيهم، وأحاول منافستهم عن طريق الغناء، لكن شهرتي بتقليد أغاني محمد عبد الوهاب تعود، للجمهور، الذي يطلب مني أداء هذه الأغاني، والتقليد ليس عيبا، لكن يجب على كل من أراد أن يقلد أن يستعمل صوته، وأن يحافظ على الجمل الموسيقية، ويغني بهدوء حتى لا يميع الأغنية، لكن لدي العديد من الأغاني الخاصة، من بينها أغنية "قال لي مرحا"، وأغنية "شوف الربيع وجماله"، وأغنية "فكري احتار"، التي شاركت بها في مهرجان في تونس، وقطعة أخرى دينية، بالإضافة إلى قطع في طريق الإنجاز. باعتبارك من الرواد ما هو الدرس الذي تقدمه للجيل الحالي؟ كلما زارني شباب مهتم، أوجههم، وأساعدهم، ولقد زارني أخيرا شابان، قبل أن يدخلا مباراة أستوديو "2 م"، ونصحتهما بعد أن سمعت صوتهما، بأن يؤديا أغاني مغربية، وفعلا سمعا النصيحة ووفقا، كما يجب على الجهات المسؤولة، والإذاعة والتلفزيون، الإكثار من الأغاني المغربية حتى القديمة التي حقق بعضها شهرة كبيرة، مثل أغنية "أعلاش ياغزالي"، التي أسميها أغنية المليون، حيث بيعت منها مليون أسطوانة، ورددها العديد من الأشخاص، وأن تخصص برامج خاصة للأغاني القديمة، حتى نزرع هذه الأغاني في الجيل الجديد، ونعيد للأغنية المغربية صيتها القديم.