سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
ثقافة دفاتر التحملات تقطع الطريق على الريع والفساد المختبئ وراء الرخص ضيف المغربية إدريس الأزمي الإدريسي، الوزير المنتدب لدى وزير الاقتصاد والمالية المكلف بالميزانية
ونحن نعد لإجراء الحوار في فندق بالرباط، همست في أذني الزميلة نادية البوكيلي، أو "الحاجة" كما يسميها أغلب الزملاء الصحافيين "شوف، راه السي الأزمي إنسان طيب وبسيط وجدي، خوذ راحتك معاه في الحوار، وراه يجاوبك على جميع الأسئلة بصراحة". استمعت بإمعان إلى كلمات الحاجة، التي اختارت أن تبتعد قليلا عن هموم العمل الصحافي، لتستقر بديوان الوزير المنتدب لدى وزير الاقتصاد والمالية المكلف بالميزانية، دون أن أبدي أي تعليق على توجيهاتها، التي ساعدتني على رسم صورة تقريبية لضيف "المغربية"، إدريس الأزمي الإدريسي، الذي ولد بفاس سنة 1966، إلا أنه عاش طفولته بمدينة تاونات، التي انتقلت إليها أسرته، والتي تابع فيها دراسته الابتدائية بمدرسة أولاد أزم، التابعة لمجموعة مدارس بوعادل، بقيادة بني وليد بإقليم تاونات، ورجع إلى فاس بعد حصوله على شهادة الباكلوريا، شعبة العلوم التجريبية، ليستكمل دراسته الجامعية في شعبة الكيمياء بكلية العلوم بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس، ثم حصل، سنة 1990، على دبلوم الدراسات المعمقة، ثم شهادة الدكتوراه من جامعة بواتيي بفرنسا سنة 1994. المقربون من الأزمي يعرفون أنه رجل زاهد، يتفادى كثرة الأضواء، ويعتبر أن هدف استوزاره هو خدمة الصالح العام، وأن يعيش المواطن المغربي كرامته من خلال توفير الظروف المناسبة لذلك. ويحن الوزير كثيرا إلى قبيلته أولاد أزم بضواحي تاونات، التي تربى فيها وترعرع، وحافظ على ذكريات الطفولة وبداياته التعليمية، كما يحن إلى زيارة ثانوية الوحدة، التي أسست لمساره الدراسي والجامعي. يلاحظ من يحاور إدريس الأزمي ملامح الجدية الصارمة من خلال تقاسيم وجهه، من أين تملكت كل هذه الجدية؟ - الجدية الصارمة تملكتها من عند الوالد، رحمه الله، الذي كان جديا، لا أقول حد القسوة، لكن كان جديا في تحمل مسؤولية إعالة عائلة كبيرة من حيث العدد، وفي الوقت نفسه، بحكم أنه أوقف دراسته في وقت مبكر بحكم قسوة العيش، لذلك كان حريصا على نجاح المسار الدراسي لكل أفراد الأسرة، وبالتالي كانت تطبعه ملامح الجدية. وبطبيعة الحالة فهي ملامح مأخوذة كذلك من مظاهر الاستقامة التي كانت والدتي رحمها الله حريصة عليها، ورغم أنها لم تكن تقرأ ولا تكتب، كانت مشبعة بالأخلاق وبقيم الشعب المغربي الأصيل، وكانت دائما حريصة على الاستقامة، وربما هذا الخليط هو الذي أعطى هذه الشخصية. كانت في البداية وزارة واحدة وقسمتموها إلى ثلاث، هل هناك تنسيق بينكم وبين نجيب بوليف، الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بالشؤون العامة والحكامة، ونزار البركة، وزير المالية؟ - بطبيعة الحال، هناك تنسيق بين الوزارات الثلاث داخل الحكومة، التي جاءت في إطار دستور جديد، وأؤكد أن العمل الحكومي، رغم التقسيم، يطبعه التضامن والمسؤولية والاندماج والتشارك وبالتالي، فهذا التقسيم في الاختصاصات هو تنظيم للعمل في الحكومة، وهو منضبط لأولويات البرنامج الحكومي، وللنقاشات والقرارات، التي تتخذ في المجلس الحكومي. وأريد أن أشير هنا إلى أن كل الوزراء، من خلال البرنامج الحكومي والنقاشات، التي تجرى بينهم داخل المجلس الحكومي، يعملون على تنزيل القرارات الحكومية كل من زاويته الخاصة، وفي إطار اختصاصاته. وهذا ما يبين أنه ليس هناك أي تعارض بين الوزارات، بل هناك تنسيق في العمل، وتشارك وتناغم، وهذا هو أساس العمل داخل الحكومة ككل، علما أن مسؤوليتها هي العمل بتنسيق محكم، لأنها مسؤولة أمام الناخبين، إضافة إلى أن المبدأ الدستوري، الذي يطبع عملها في إطار ربط المسؤولية بالمحاسبة، يفرض عليها وحدة العمل في فريق حكومي منسجم ومندمج في العمل. هذا هو الهاجس الكبير الذي يحكم كل اختصاصات مختلف الوزارات، وليس فقط شأن الوزارات المكلفة بالشق الاقتصادي والمالي، مع العلم أن الشأن الاقتصادي هو اختصاص يتجاوز وزارة الاقتصاد والمالية، ويتجاوز وزارة الشؤون العامة، إذ أنه يشمل حتى وزارة الصناعة والتجارة والتكنولوجيات الحديثة، والوزارات الأخرى، التي تشتغل في البنيات التحتية، التي تؤسس للبنيات التي من شأنها أن تساعد على التزويد أو التسويق والإنتاج. لماذا لم تستعينوا في إعداد مشروع قانون المالية، الذي جاء متأخرا بتقارير المجلس الاقتصادي والاجتماعي في مواضيع تشغيل الشباب والحوار الاجتماعي، وقضايا أخرى، يعتبر المجلس أنها قابلة للإنجاز من طرف الحكومة؟ - أريد أن أشير هنا إلى أن التعامل مع المؤسسات الاستشارية كان في صلب البرنامج الحكومي في جانبه الاجتماعي والسياسات الاجتماعية. وفي الجانب الاقتصادي، لابد من التعامل والتفاعل بإيجابية مع المؤسسات الاستشارية، لأنها مؤسسات مهمة، تجمع الخبرات والكفاءات والفاعلين، وبالتالي يصاغ فيها الرأي بالتشاور وبالتداول، وهو رأي له قيمته. ونحن في الحكومة تفاعلنا بإيجابية مع تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي بخصوص قضية التشغيل، وسجلنا أن هناك تطابقا بخصوص الآليات الموجود لتشجيع التشغيل، وهناك تطابق كذلك حتى في الحلول. وفي السياسة الحكومية، في باب التنزيل الصحيح للدستور، هناك نية قوية للتعامل مع هذه المؤسسات الاستشارية ومؤسسات الحكامة. ومن الأهداف الأساسية للحكومة، تحسين الحكامة وتحسين أداء السياسات العمومية والبرامج بصفة عامة. وأؤكد أن التعاون قائم بين الحكومة وبين هذه المؤسسات الاستشارية، التي وضعها الدستور رهن إشارة الحكومة، لما لها من دور في تقييم السياسات العمومية، وبالتالي، فهذه المؤسسات لها دور في تنوير وتحسين السياسات العامة، ولا يمكن تجاهلها بفعل القيمة الدستورية التي تمتلكها. وخلاصة هذه المؤسسات لها دورها، الذي نعتبره ونعتمد عليه، سواء في ما يتعلق بالآراء التنويرية، أو بعملها في إجراء التقييم للسياسات والبرامج العمومية. أحدثت الحكومة مفاجآت من خلال الكشف عن لائحة المستفيدين من رخص النقل الطرقي، ما أبان عن عزمها في تنفيذ الهدف العام الذي أطر عملها منذ بدايته، المتمثل في محاربة الفساد. هل يمكن للحكومة، في المستقبل القريب، أن تقدم على مبادرات أكثر جرأة من السابقة، بكشف رخص الصيد في أعالي البحار ورخص المقالع؟ - إن سياسة الحكومة في هذا الباب واضحة، وتعتمد على الشفافية، ونعتبر أن مبدأ الشفافية هو الخطوة الأولى لتأسيس سياسة عمومية مبنية على المنافسة الشريفة والحرة. وبالتالي، فإن ما قامت به الحكومة وما تعتزم القيام به هو بهدف تأسيس ثقافة دفاتر التحملات، إذ نريد ألا يكون في كل ميدان من الميادين الاقتصادية والإنتاجية إلا العارفون به والقادرون عليه، وألا يدخله أي كان تحت غطاء امتياز من الامتيازات، وبالتالي، فإن توسيع المجال للمبادرة الحرة، وفتح الباب أمام الكفاءات من أجل الاستثمار، يحتم على الحكومة المضي في مخططها إلى النهاية. وحين نقول دفتر التحملات، فمعناه أن الاستثمار في البلاد مفتوح للجميع وفق دفاتر التحملات، التي تعني أن الراغب في الاستثمار في المغرب يجب أن تكون له القدرة التقنية والمالية، والكفاءة التدبيرية، التي تجعله يبادر في الاستثمار في هذا الميدان. ودفتر التحملات يقطع الطريق على أصحاب الريع والفساد، الذين يختبئون وراء هذه الرخص، التي هي عبارة عن شهادات معطاة، وهي عبارة عن ريع وهبات لم تؤسس على أي أساس تقني أو أي كفاءة علمية، أو أي كفاءة تقنية ومالية. إن الهدف من محاربة اقتصاد الريع هو تحرير القطاعات، وتحرير مناخ مجال العمل، وأن يقع التحرير وفق أسس علمية وتقنية وتدبيرية. بمعنى أن التحرير لا يعني الفوضى، بل يعني الانضباط للقواعد الموضوعة من طرف السلطة المختصة، التي تقوم بدورها في التقنين والمراقبة، وفي السهر على حسن سير الخدمات العمومية، وعلى حسن المنتوجات التي تقدم للعموم، لأن حماية المستهلك من أهم مقتضيات حماية النظام العام، ولابد من احترام هذه القواعد. هناك اتفاق على نبل أهداف الحكومة، وهي في جزء كبير منها أهداف حاولت "حكومة التناوب" الأولى سنة 1998، بقيادة عبد الرحمان اليوسفي، ترجمتها على أرض الواقع، دون أن تتمكن من ذلك، بسبب ما سماه اليوسفي حينها جيوب المقاومة، الآن، سمعنا عبد الإله بنكيران يتحدث عن جيوب المقاومة هل ستعيد الحكومة الحالية خطاب 1998؟ - لا، ليس هناك مقارنة بين حكومة 1998 والحكومة الحالية، لأن الوضع مختلف تماما، لأمرين اثنين، أولا، من الناحية السياسية، لم يعد ممكنا الآن، بالنسبة للرأي العام الوطني وبالنسبة للفاعلين السياسيين، التساهل مع التسيب أو مع الفساد أو مع التسلط أو مع التحكم. وهذا يعني أن تلك المرحلة قطع معها المغاربة، أحب من أحب وكره من كره، الآن، انتهى عهد الفساد وعهد التحكم، وفي 1998 لم يكن نفس الجو يخيم، وبطبيعة الحال كانت هناك حكومة بإرادة قوية وبإرادة شعبية كذلك، لكن كان هناك هامش للتحكم في تلك الفترة. الآن، نحن نعيش ظرفية وطنية وإقليمية ودولية لا تسمح بهذا الأمر بتاتا، يعني أن نكون أو لا نكون، وأننا ملزمون بالحفاظ على أن نستمر كبلاد وأن نستمر كأمة في إطار الاستقرار. إن الإجماع الوطني يتطلب أن يكون أساسه مبني على قواعد سليمة، تتمثل في التنافس الشريف في الميدان السياسي، والتنافس الشريف في المجال الاقتصادي، والوصول إلى الحكم على أساس انتخابات نزيهة، تفرز الغث من السمين. وهذه أمور كانت في وقت حكومة التناوب الأولى تتملكها النخبة فقط، أما الآن فهي أمور أصبح يتملكها الشعب، والإرادة الشعبية هي التي تحث على أن المنافسة الشريفة والتنافس الشريف هما وحدهما اللذان يجب أن يحكما جميع الميادين. بطبيعة الحال، هذا المطلب تجاوز إرادة التعبير عنه، بل أصبح مؤسسا له في دستور صوت عليه المغاربة بقوة، وهم الذين صوتوا لهذه الحكومة في إطار انتخابات تشريعية شفافة ونزيهة. يعني هذا أننا نتوفر على حكومة منتخبة ونابعة من صناديق الاقتراع، لكن، في الوقت نفسه، حكومة تعمل على مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، وعلى أساس أن تكون قريبة من المغاربة وتستجيب لانتظاراتهم. والمغاربة صوتوا عليها بناء على التزامات محاربة الفساد، والمغاربة وهم واعون بالشعار المركزي الذي انطلقنا فيه في الانتخابات ألا وهو "صوتنا فرصتنا لمحاربة الفساد والاستبداد"، وهم الآن مستعدون للدفاع عنه، والآن في كل أجهزة الدولة هناك وعي بخصوصية المغرب الإيجابية في التفاعل الإيجابي مع التفاعلات والحراك الاجتماعي، ومن بين التحولات العميقة التي يعيشها المجتمع المغربي، هو أن الإرادة الشعبية تسعى إلى المنافسة والتنافس الشريف، وإلى التمكين للمنافسة الشريفة في جميع الميادين. يعني أن الحكومة ستذهب إلى الحلقة الأخيرة في ملف المتابعة الجنائية لمظاهر الفساد المالي الذي عاناه الصندوق العقاري والسياحي في عهد القيادي الاتحادي السابق، خالد عليوة، ثم ألا تتخوفون من أن تجلب لكم هذه المتابعة عداوة دائمة بين حزبكم العدالة والتنمية وحزب الاتحاد الاشتراكي؟ - لا أبدا، لأننا حين نتكلم عن الفساد فإننا نتكلم عنه في جميع أشكاله وتلاوينه، ولا يخص ملف "السياش" وحده، وتحريك الملفات ليس موجها ضد أي جهة كانت، وحزب الاتحاد الاشتراكي يعتبر أن تحريك المتابعة في ملف "السياش" ليس موجها ضده. إن الكل مجمع على محاربة الفساد، في البرنامج الحكومي، وفي رد الفرق البرلمانية في المعارضة عليه، الكل حبذ الفكرة ونوه بها وقال إننا "مستعدون للتصدي مع الحكومة لمحاربة الفساد والريع والاحتكار وستجدوننا معكم". هذا القول قاله الفريق الاشتراكي بمجلس النواب، وبالتالي لا يمكن لأي حزب أن يختبئ وراء هذه الملفات، والكل مجمع على محاربة الفساد أيا كان منبعه، وليست هناك حماية لأي شخص كان. إن محاربة الفساد تعني التصدي بمنهجية في إطار احترام القانون، واحترام حقوق الإنسان، واحترام حقوق الدفاع، وكما قلت سابقا، فإن محاربة الفساد لا تعني الفوضى، وهذه ليست هي منهجيتنا ولا مقاربتنا. لنبتعد قليلا عن الهم السياسي، نتطرق إلى الجانب الشخصي، هل المسؤولية الوزارية تترك لكم وقتا لتمارسوا أنشطة أخرى خارج العمل الحكومي؟ - لا، نتمناو من الله سبحانه وتعالى يبارك لينا فهاذ الوقت لي تانعملوه في الحكومة. لأن كل الوقت موجه للعمل الحكومي، لأنه جاء في ظرفية جديدة. والمنصب الوزاري هو تشريف في أن يختارك المواطنون لهذا المنصب، وأن تنال ثقة جلالة الملك، وثقة البرلمان، وثقة رئيس الحكومة، لكنه، في هذا الظرف الجديد تكليف وتكليف قوي جدا، لا سيما في إطار ربط المسؤولية بالمحاسبة والوفاء بالانتظارات الكبيرة للشعب المغربي، الذي ينتظر نتائج ملموسة، وله تطلعات وثقة كبيرة في هذه الحكومة. وبالتالي، إن كل الوقت وكل الجهد موجه للعمل الحكومي ولا أقوم بأي نشاط آخر خارج العمل الحكومي. لكن ليس على حساب الأسرة؟ - نعم، أراعي هذا التوازن، لأن الاهتمام بالأسرة مهم أيضا، لأنه يساعد على القيام بالعمل الحكومي في جو أكثر حماسا وأكثر نشاطا ومردودية، وأحاول قدر الإمكان أن أزاوج بين الاثنين.