بعد أن ظلت لسنوات، كاتبة مع وقف التنفيذ إلى أجل غير محدد، أصدرت الكاتبة المغربية لطيفة الرخاء شهم، بمناسبة تنظيم المعرض الدولي للكتاب، الذي أسدل ستائره أخيرا، باكورة أعمالها الإبداعية، عبارة عن رواية بعنوان "همسة في آذان الرجال"، الصادرة عن إفريقيا الشرق. تحتوي الرواية الواقعة في حوالي 247 صفحة، من الحجم الصغير، على تقديم للكاتبة لطيفة الرخاء، وثمانية فصول، تحوي بين طياتها، حكاية فتاة عاشت طفولتها في الصحراء، التي شحذت حواسها الخمس، ثم انتقلت لتعيش مع والدها في الغرب، وتحديدا في مدينة باريس، عاصمة الأنوار، حيث تربت بين أحضان ثقافتين وحضارتين، عمادهما الأب "بالحسين"، الذي خطفها من عالمها الضيق البدائي، وزوجة الأب "جاكي"، التي تحملت مسؤولية تكييفها مع عالم أوسع وأغرب بالنسبة إليها. نجحت الفتاة التي أعطتها الروائية لطيفة الرخاء، اسم "فاطنة، أو فاتي"، وتألقت. وبطبيعتها الحساسة نقلت لنا الحياة التي قابلتها، هنا وهناك، بإيجابياتها وسلبياتها، من خلال استعمال أسلوب المقارنة، بين ما تعيشه من تفتح مبالغ فيه، أدى إلى الانفلات، الذي أدى بدوره إلى سلسلة من المآسي، وبين الحياة والانغلاق المبالغ فيه، والذي أدى من جهته إلى أبشع كارثة يمكن أن يتصورها المرء. وبمعايشتها للأوضاع المتباينة، توصلت إلى النتيجة الحتمية، التي تؤكد ضرورة الانفتاح والتأقلم. وتبقى الرواية، رغم تفاصيلها الدقيقة، وعباراتها الواضحة، الزاخرة بالاستعارات الشعرية، والأسلوب الوصفي السلس المقدم على لسان بطلة الرواية، والذي يمنح المتعة والإثارة في القراءة، بمثابة لوحة تجريدية، يرى فيها كل قارئ على حدة ما يجيب عن تساؤلاته الحميمية، مستعملا أحاسيسه الباطنية لاكتشاف الرسالة التي تريد الكاتبة توجيهها إليه، فهي تتضمن صورا ومشاهد من مجتمعين متباينين، الأول طبع بالانغلاق واستعباد المرأة وتهميشها، ما لا يمكن أن يؤدي إلا إلى كوارث مجتمعية لا تحمد عقباها. والثاني طبَعَهُ التسيب المبالغ فيه، والذي لا يمكن أن ينتج عنه بدوره إلا الانفلات، والانزلاق إلى هاوية ما لها من قرار، وبين هذين القطبين المتنافرين، تولد علاقة حب بين شخصين من الطرفين النقيضين، يتقاربان بالتفاهم، والتسامح وقبول الآخر. في تقديمها للكتاب، تجيب الكاتبة لطيفة الرخاء شهم عن سؤال قد يتبادر إلى ذهن حامله، مستفسرا عن سبب تأخرها في طرح أول رواية لها وتقول، "حدثت واقعة مفجعة هزت كياني، وفجرت ما كان مكبوتا في وجداني، بعد أن ألزمتني بإفراغ ما في جعبتي من أحاسيس، فأطلقت العنان لخيالي لينسج هذه القصة حول الحادثة الأم". وتضيف الكاتبة، "كوني عنونت الكتاب بهمسة في آذان الرجال"، لا يعني أنه وقف عليهم، فما همست في آذان الرجال، إلا من أجل النساء، إذا فهو مهدي إليهن أيضا، فهنيئا لمن قرأه واستحسنه من القراء الأعزاء، الذين أرجو منهم ألا يبخلوا علي بآرائهم، وتعليقاتهم، حتى آخذ الدروس والعبر التي لا غنى لكل مبتدئ عنها". وكانت الكاتبة لطيفة الرخاء، أعلنت في حوار ستنشره "المغربية" لاحقا، استعدادها التام، للدفاع عن المرأة وقضاياها في ما ستحمله مسيرتها الإبداعية من إصدارات، قائلة "خِلفتي للبنات، جعلتني حساسة إلى أبعد الحدود تجاه ما تصادفه النساء في حياتهن من تمييز عنصري. كنت أشعر بأنني مستهدفة شخصيا في كل ما يلحق بهن من عنف".