في إطار أنشطتها الثقافية والفنية، تنظم النقابة المغربية للفنون التشكيلية، من فاتح إلى 17 دجنبر الجاري، معرضا نموذجيا برواق معارض الفنون بالمكتبة الوسائطية التابعة لمؤسسة مسجد الحسن الثاني بالدارالبيضاء. مندوب المعرض عفيف بناني رفقة الناقد دانييل كوتريي وبعض الفنانين المشاركين في المعرض (خاص) ويندرج هذا المعرض الأول من نوعه في المغرب، ضمن الاحتفاء بالحجابات الهوائية أو الستائر الفنية، وهي في الأصل تشكيلات فنية في ملكية الفنان والناقد الفرنسي، دانييل كوتريي، الذي حاول أن ينشر هذا الفن، ويعرف به في سائر بلاد المعمور. قال بوشعيب فوقار، محافظ مؤسسة مسجد الحسن الثاني بالدارالبيضاء، في كلمة ألقاها خلال افتتاح المعرض، إن هذا الحدث الفني يرسخ لثقافة عالمية، باحتفائه ب" مدارس فنية متعددة وأشكال وألوان مختلفة يستشف من خلالها مواضيع ومضامين متباينة، لكنها في نهاية المطاف تشكل في مجموعها حقلا فنيا غنيا يسمح له بالتنقل، ليس فقط بين اهتمامات المبدعين، لكن كذلك بالوقوف على الدلالات الفنية المرتبطة بمواطن الإبداع، وبالأزمنة التي تطبع خصوصياتها"، مشيرا إلى أن فنانين مغاربة يسهمون في هذا العرس الجمالي ب21 قطعة فنية من أصل 55 عملا، مبرزا أن هذه المجموعة تلغي الفوارق الجغرافية والجنسية والعرقية لتعبر عن قيم إنسانية مجردة وخالصة. ويعد المعرض، الذي ينتقل من الدارالبيضاء، إلى الرباط ومكناس، تجربة أولى في العالم العربي والإفريقي، التي تنطلق من المغرب، حسب فوقار. اعتبر الفنان التشكيلي، عفيف بناني، بصفته مندوبا للمعرض الدولي ل"الحجابات الهوائية" les paravants، أن الهدف من هذا المعرض الدال، خلق فضاء فني مفتوح تتحاور من خلاله كل الاتجاهات الفنية لتنمية وإنعاش الفن في المغرب، مشيرا في حديث ل "لمغربية" إلى أن المعرض سيعرف مشاركة حوالي 55 فنانا منهم 40 فنانا أجنبيا من أمريكا، وأوروبا، وآسيا، و15 فنانا مغربيا من الدارالبيضاء، ومكناس، وأزمور، والرباط. مؤكدا في السياق ذاته، أن المعرض، الذي ينظم بتنسيق مع الناقد الجمالي الفرنسي دانييل كوتيريي، وبتعاون مع مؤسسة مسجد الحسن الثاني، ووزارة الثقافة، يهدف إلى إعادة الاعتبار للحجابات الهوائية، من خلال منحها شكلا فنيا يجعل منها تحفة فنية، كما يرمي إلى نشر الفن التشكيلي بشكل واسع في المغرب، وتقريبه من المتلقي، مشيرا إلى أن المعرض لا يهدف إلى الربح المادي، بقدر ما يرمي إلى نشر الثقافة البصرية، وجعلها جزءا من المعيش اليومي. من جهة أخرى، قال عفيف بناني إن المعرض الدولي للحجابات الهوائية يحتفي، أيضا، بأربعة أعمال اختارت لتؤرخ لحوليات بريد المغرب بإصدار أربعة طوابع بريدية تحمل أعمالا تعرض لأول مرة بالمغرب والعالم العربي، ما يعد التفاتة شجاعة من مؤسسة بريد المغرب، التي دأبت منذ تأسيسها على الاحتفاء بكبار الفنانين المغاربة والأجانب. وتعود قصة الحجابات الهوائية، حسب الناقد الجمالي الفرنسي، دانييل كوتريي، إلى دجنبر 1998، حينما دخل عليه زوجان فرنسيان، وهو منهمك في عمله برواقه "أنجرس" بفرنسا، حيث استقر كوتريي هناك لأزيد من 10 سنوات، وأثارت الزوجة إحدى لوحات الرواق، وقالت لكوتريي إنني أبحث عن اللوحة الضرورية والفريدة. وثمة تفتقت الفكرة الأولى لاعتماد الحجابة الهوائية كمحمول فني وسند تشكيلي، بعدما ظهر إلى حيز الوجود في الصين سنة 260 قبل ميلاد المسيح. وقال كوتريي، في حديث ل"المغربية"، إن الزوجين اندهشا في افتتاح أول معرض لهذا النوع من الأسندة، الذي شاركت فيه أسماء لها مكانتها في الساحة الفنية الفرنسية، ويتعلق الأمر ب12 فنانا معروفا، ينتمون إلى مدارس متنوعة. وأبرز دانييل كوتيريي، أن معرض الحجابات الهوائية، الذي ينظم لأول مرة في المغرب والعالم العربي يحتفي ب 55 حجابا هوائيا منها 40 حجابا لفنانين أجانب، و15 لفنانين مغاربة معروفين من أمثال عفيف بناني، وعبدالله يعقوبي، وجاكي بلحاج، وحسن بوهيا، وسعيد مسك، وسعيد الغبراوي، ومحمد الشوفاني، إلى جانب كل من الفنانات المغربيات، سعاد بياض، وسناء السرغيني، وسلوى جانا، ورجاء أغزادي، ونجاة الباز، وبشرى التادلي، وعائشة أحرضان، لافتا إلى أن الأعمال المعروضة هي المجموعة الوحيدة المتوفرة حاليا في العالم. من جهة أخرى، أكد كوتيريي أن الفضل في تنظيم هذا المعرض العالمي يعود إلى الفنان عفيف بناني، الذي وصفه بالفنان الكبير، مشيرا إلى أن بناني هو من تحمل أعباء إنجاز المجموعة المغربية. وأشاد، في الوقت ذاته، بجميع الفنانين المغاربة الذين شاركوا في المعرض، واصفا بعض الأعمال بالقيمة. جماليا، ارتبط المعرض الحالي بإبداعات فنانين أجانب أكدوا حضورهم الفني على المستوى العالمي، وما يميز هذه التجربة مشاركة فنانين وفنانات مغاربة، إذ تتقاطع تعبيراتهم الفنية، واتجاهاتهم التشكيلية، فبين التعبيري والتجريدي والتشخيصي والرمزي تنتصب هذه الحجابات الهوائية منشدة التوحد والتفرد. ويقف المهتم بالحركة الفنية المغربية مندهشا أمام تجارب فنانين مرموقين، من أمثال عبد الله يعقوبي، وعفيف بناني، وجاكي بلحاج، وحسن بوهيا، الذي انفتح على الحجابات الهوائية، بعد تجارب فنية جمعت بين الأشكال الهندسية والخطوط والضوء واللون، فأعماله، كما يقول الناقد الجمالي عبد الرحمن بنحمزة، فضاء لمسرحة الحساسية الانفعالية، التي يعبر من خلالها عن دلالة الأشياء الجوهرية الثابتة، مستعملا أشكالا تحتفي بالفراغ والممتلئ، والمرئي واللامرئي، وفق هندسة ذهنية بليغة وهيكلة بنائية، دون تحطيم الشكل المألوف والواقع. تشارك الفنانة سعاد بياض بحجابة هوائية، تحمل عنوان "ستينيا". وقالت إن "فكرة إنجاز عمل على محمول جديد، تعد إبداعا مضاعفا". وأضافت، في تصريح ل"المغربية"، أن المعرض الجديد فرصة للفنانين المغاربة ونظرائهم الأجانب لتعميق النقاش حول جديد الفن الصباغي العالمي والمحلي، مبرزة أنها تعيش للفن ومن أجله، وأنها مهووسة بالتشكيل والرسم والإبداع. وعلى مستوى التشخيص، يبرز عمل الفنانة المغربية، بشرى التادلي، التي قدمت لوحة تنتصر ل"بائع الماء" كمنعطف جديد على مستوى الإدراك الجمالي، فالفن، هاهنا، ليس تكرارا للماضي أو محاكاة حرفية للواقع. إنه رمز وأثر وعلامة على الذاكرة الفردية والجماعية، إذ يظل الرهان النوعي هو تقديم لغة بصرية لا تحنط الماضي، ولا تجعل منه تحفة ميتة. تولي تادلي اهتماما خاصا لملكة الخيال، لأن الإبداع، من منظورها الخاص، تعبير رمزي حر عما اختمر في العقل والوجدان، بأسلوب جريء وتلقائي يختزل عناصره الجوهرية المنسابة. من جانبها، استطاعت نادية الصقلي أن تتفرد بأسلوب مغاير ومبتكر، منحها بصمة خاصة، وامتيازا فنيا. عن هذه المغامرة، التي خاضتها منذ زمن حديث، تقول الصقلي في حديث ل "المغربية" إن "مدينة تطوان التي تتحدر منها، تماهت بها ومعها، علما أن هذه المدينة تحكي تاريخا أندلسيا، انعكس على أعمال الفنانة من خلال الفسيفساء الأندلسية، والعلامات التي تجاور الحرف العربي، وكأنها تحرسه وتخشى عليه من أن تلمسه نسمات الريح. وأبرزت أن انفتاحها على عالم الحجابات، تكمن قوته في التنوع والمنافسة في تقديم عمل يثير حفيظة النقاد من جهة، ومن جهة أخرى، إبراز ما يخالج النفس من مواضيع فنية تجد أرضية خصبة في هذا السند الجديد القديم، باعتباره محمولا يتميز عن غيره من الأسندة المعروفة. الدرس الجمالي الذي يمكن استخلاصه من هذا الحدث الفني البارز والنموذجي، هو حضور أعمال رسخت وجودها الرمزي، من خلال، توثيق بالريشة والألوان لذاكرة بريد المغرب، والأمر يتعلق بتجارب أجنبية لكل من الفنان التشكيلي المتحدر من صربيا، ميكي تيكا، الذي اشتغل في حجابه الهوائي على الهندسة والإيقاع، فالدائرة والمثلث يحيلان على أفق رحب، خصوصا أن الفنان الصربي ميكا تيكا، لا يؤمن بالحدود والفوارق، ويقول" لا وجود للحدود بين ولادة الفن وموته، الحياة ملتقى التناقضات والتنوع، وهذا ما نجده في عالمنا المتميز أيضا، بالانسجام". في ألوانه يبدو العمل منسجما وفق هندسة وإيقاع وحركية الألوان، إذ يعتمد على ثلاثية الأخضر والأحمر، والأزرق، فضلا عن اللون الأصفر البارد، وعلى الخلفية يتبدى الأبيض والأسود لخلق ذلك التقاطع الهندسي، ويحتفي حجابها الهوائي، بنموذج من كرسي بألوان طبيعية وخالصة. في عمل الفنانة التشكيلية الأرجنتينية، باولا كاردوزا، انبهار بتقاليد الهنود، بعيدا عن كل اختزال فلكلوري. إبداع تجريدي يحتفي بالرمز والهندسة البسيطة. وتصور أعمال الفنانة اليابانية يوكاكوفيكودا أوتا، طريقة عيشها في الحياة، فبعد تجارب صباغية دالة عرضتها برواق "دار وأشياء" بفرنسا، وتحديدا باريس، آثرت الانطباعية الجديدة كلون فني جديد، اعتمدت فيها على لعبة التخفي والجلاء، والامتلاء والفراغ، لتكشف عن مكنوناتها الداخلية والنفسية والروحية معا.