تتواصل داخل المجلس التأسيسي التونسي, على مستوى اللجن المختصة, مناقشة قانون التنظيم المؤقت للسلطة خلال المرحلة الانتقالية أو ما يعرف بالدستور الصغيروكذا النظام الداخلي للمجلس وسط خلافات بين أطراف الأغلبية الحزبية، وبينها وبين فرق المعارضة بالمجلس. وأفادت مصادر حزبية من داخل المجلس التأسيسي , أن هذه الخلافات تؤخر التوصل إلى اتفاق حول مشروع القانون الذي سيتم بموجبه المصادقة على المرشحين لمنصبي الرئيس المؤقت ورئيس الوزراء في الحكومة المقبلة. وقالت هذه المصادر , في تصريحات أوردتها وسائل الاعلام التونسية, أن هذه الخلافات تهم على الخصوص طبيعة النظام السياسي (برلماني أو رئاسي) وصلاحيات كل من رئيس الجمهورية المؤقت ورئيس الحكومة, حيث يحتدم الجدل حول مشروع قانون اقترحته حركة النهضة، يركز جل الصلاحيات بيد رئيس الحكومة، المرشح له أمين عام الحركة حمادي الجبالي. كما تهم هذه الخلافات بنود النظام الداخلي للمجلس التأسيسي , خاصة ما يتعلق بطريقة التصويت (الأغلبية المطلقة أو أغلبية الثلثين) على القوانين وعلى بنود الدستور وأيضا على مسألة سحب الثقة من الحكومة. وتشهد لجنتا التنظيم المؤقت للسلطة والنظام الداخلي بالمجلس التأسيسي نقاشا متواصلا لانهاء أعمالهما , حتى يتسنى للمجلس مناقشة النصوص التي ستعرض عليها لاقرارها قبل نهاية الأسبوع الجاري، وذلك قبل أن يصل المجلس إلى المرحلة الحاسمة المتعلقة بالتصويت على المرشحين لمنصبي رئيس الجمهورية المؤقت ورئيس الحكومة. يذكر أنه طبقا لاتفاق التحالف الثلاثي , صاحب الأغلبية في المجلس, فإن رئاسة الجمهورية خلال المرحلة الانتقالية ستكون من نصيب زعيم حزب المؤتمر من أجل الجمهورية , منصف المرزوقي , فيما ستؤول مهمة تشكيل الحكومة المقبلة لأمين عام حركة النهضة، حمادي الجبالي . وكان زعيم حزب التكتل من أجل العمل والحريات، مصطفى بن جعفر قد انتخب يوم 22 نوفمبر الجاري، بموجب نفس الاتفاق، رئيسا للمجلس التأسيسي. وفي خضم النقاش الدائر داخل المجلس التأسيسي وخارجه وكذا الخلافات بين الفرقاء السياسيين حول تدبير المرحلة الانتقالية , انتقد عضو المجلس عن حزب التكتل الديمقراطي، خميس قسيلة، في تصريح أورده التلفزيون الرسمي، كون حركة النهضة جاءت بمشروع "جاهز" وتريد التصويت عليه ,مشيرا إلى أن المشروع يعطي صلاحيات واسعة للوزير الأول، فيما يمنح رئيس الجمهورية صلاحيات محدودة. وفي السياق ذاته ,قال الناطق الرسمي لنفس الحزب , محمد بنور, إن مشروع القانون المنظم للسلطة في المرحلة الانتقالية , قدمته النهضة ولم يكن مشروعا مشتركا بين التحالف الثلاثي، مشيرا، في تصريح نشرته صحيفة (الشروق) التونسية , إلى أن المشروع أثار حفيظة حزبه خاصة وأنه يمنح صلاحيات مطلقة لرئيس الحكومة, الذي يمكنه مثلا تعيين محافظ البنك المركزي أو عزله، معتبرا أن ذلك "غير مقبول على اعتبار أن محافظ البنك المركزي يجب أن يكون مستقلا". وبالنسبة لموقف المعارضة ، داخل المجلس التأسيسي , قال فاضل موسى ,عضو لجنة قانون تنظيم السلطة عن القطب الديموقراطي الحداثي ,إن هناك "نقاشات وخلافات حادة" داخل اللجنة,مشيرا إلى أن التوصل إلى اتفاق على مشروع قانون يتطلب مزيدا من الوقت. وأوضح أن النقاش يتركز حول "آليات نظام برلماني" كأساس للحكم خلال المرحلة الانتقالية الثانية، التي قد لا تتجاوز سنة, بالإضافة إلى صلاحيات الرئيس والوزير الأول . من جانبه، قال المهدي بن غريبة, عضو اللجنة عن المعارضة (الحزب الديموقراطي التقدمي) , إن بعض الأطراف السياسية في اللجنة ومن أهمها حركة النهضة تسعى إلى منح "صلاحيات واسعة ", مضيفا أن "كل صلاحيات الرئيس السابق تقريبا أسندت إلى الحكومة مثل تعيين الوزراء وإحداث الوزارات وتعيين المديرين العامين". وأشار أيضا إلى وجود اختلاف حول طريقة ونسبة الأصوات التي سيتم اعتمادها لإقرار الدستور, موضحا أن الاختلافات حول الصلاحيات وطريقة التصويت على الدستور قائمة حتى بين أحزاب الأغلبية , أي النهضة والمؤتمر والتكتل. على الجانب الآخر، أفاد حبيب خضر ,رئيس لجنة التنظيم المؤقت للسلطات العمومية , عن حركة النهضة, أن مشروع القانون الذي تجري مناقشته , ينص على أن تكون رئاسة الحكومة , هي مركز السلطة التنفيذية وليست رئاسة الجمهورية, مشيرا إلى أن المشروع سيحال على المجلس للمصادقة عليه في اجل لا يتعدى نهاية الأسبوع الجاري . وقال حبيب في تصريح أوردته وكالة الأنباء التونسية إن "ما يؤسس له حاليا ليس بنظام رئاسي ولا برلماني وانما هي صيغة تم في إطارها توزيع السلطات على الرئاسات الثلاث بشكل متوازن يراه البعض اقرب للنظام البرلماني ويراه آخرون اقرب للنظام الرئاسي المعدل". واستبعد في ذات السياق أن تكون صلاحيات رئاسة الجمهورية شكلية على غرار ما هو معمول به في الأنظمة البرلمانية المطلقة, وإن كان قد أقر بوجود خلافات داخل اللجنة حول العلاقات بين الرئاسات الثلاث (رئيس الدولة ورئيس الحكومة ورئيس المجلس التأسيسي) وصلاحياتها. وفي السياق ذاته، نقلت يومية (الصباح) عن حمادي الجبالي,عضو المجلس الوطني التاسيسي عن حركة النهضة والمرشح لمنصب رئيس الحكومة, قوله ردا على سؤال حول نوعية نظام الحكم القادم في تونس إن حزبه "سيدافع عن رؤيته المتمثلة في إرساء نظام برلماني", مشيرا إلى أنه إذا لم يحصل توافق في المجلس التأسيسي حول هذا الموضوع , فسيتم اللجوء إلى التصويت. وانطلاق من هذه المواقف المتباينة , سجلت الصحيفة وجود جملة من التباينات بين البرامج السياسية للهيئات السياسية الثلاث المشكلة للإتلاف الحكومي , التي لم تتوصل إلى رؤية مشتركة في ما يتعلق خاصة ب "طبيعة النظام السياسي المستقبلي لجمهورية التونسية الثانية بما يعنيه ذلك من توازن بين السلطات الثلاث, وصلاحيات كل منها, وعلاقتها ببعضها البعض, فضلا عن اختلاف الرؤى بشأن صلاحيات الرئيس والسلطة التشريعية, والسلطة التنفيذية".