أكد نبيل العتيبي، رئيس قسم الإنتاج بالجزيرة الوثائقية، في الندوة التي نظمتها جمعية المهرجان الدولي للفيلم الوثائقي، تحت عنوان" الهجرة في الفيلم الوثائقي"، بقاعة العروض، بأحد الفنادق، الخميس المنصرم أن "الحديث عن صورة المهاجر في الفيلم الوثائقي بشكل علمي دقيق، فلا بد من تفكيك هذا العنوان وتحليله، والحديث عن أنواع الهجرة، فضلا عن تعريف المهاجر ومن الذي ينطبق عليه هذا المصطلح، وعن أسباب الهجرة المختلفة ومن ثمة التطرق إلى الحديث عن الفيلم الوثائقي وتعريفاته ومدارسه. وشدد العتيبي، في مداخلته، على أن "صورة الهجرة في الفيلم الوثائقي" تعتمد أساسا على قيمة وسائل الإعلام، في صناعة الصورة الذهنية، مؤكدا على أن الغاية النهائية للإعلام هي صناعة صورة ذهنية، والتأثير على الرأي العام. وركز رئيس قسم الإنتاج بالجزيرة الوثائقية، في عرضه، على أهمية الصورة المتحركة، التي يرافقها صوت ومؤثرات بصرية وسمعية وجرافيكية، والتي تعد أكثر تأثيرا من صناعة الصورة الذهنية لدى الإنسان حول موضوع ما. وأضاف العتيبي، الذي كرم في افتتاح الدورة، التي اختتمت فعالياتها السبت الماضي، في عرضه أن الفيلم الوثائقي هو أكثر تأثيرا من الفيلم الروائي في صناعة الصورة الذهنية، على اعتبار أن الروائي يعتمد على الخيال في معالجته، بينما الوثائقي يعتمد على الواقع والحقائق، ويتجنب كل ما هو خيالي وغير موثق. كما تناول في عرضه صورة المهاجر في إنتاجات الجزيرة الوثائقية كنموذج، والتي تنتج معدله 250 ساعة سنويا، باعتبار الجزيرة الوثائقية، تعد مدخلا متميزا لتغيير الصورة، وكوسيط إعلامي مؤثر وتثقيفي فاعل، يهتم بالقضايا الإنسانية والثقافية والاجتماعية، وكذا باعتبارها تنقل صورة الآخر من خلال الانفتاح على الآخر، ومن خلال طرح قضية المهاجر العربي، كقضية إنسانية وكونية. وطرح في مداخلته سؤالا عريضا حول المطلوب من صناع الفيلم الوثائقي، حيث شدد على أهمية مسألة الدعم والتمويل، وبالتالي على المؤسسات السينمائية والتلفزيونية في العالم العربي، تحمل مسؤولياتها وان تعترف بالفيلم الوثائقي كصناعة سينمائية تحتاج إلى دعم، فضلا عن التنسيق بين هذه المؤسسات لإنتاج أفلام عالية الجودة عن مواضيع الهجرة للتمكن من تسويقيها في الدول الغربية. كما دعا إلى مخاطبة الغرب بلغتهم وبمخرجيهم، بالتعامل مع بعض المخرجين الموهوبين في صناعة الفيلم الوثائقي، الذين لديهم مواقف والتزام سياسي وإنساني. من جهته، أكد الباحث والناقد سعيد يقطين، على أن وراء كل صورة حكاية، وأن التحليل السردي موجود في كل شي حتى في السينما الوثائقية، التي اعتبرها إبداعا من الإبداعات الجميلة التي تحقق الفرجة للمتلقي. وقال يقطين في مداخلته، "إن الدراسات السردية العالمية بدأت تتجاوز الأدبي إلى الصورة، مشددا على إمكانية انفتاح عالم السرديات على الصورة وعلى ثقافة الصورة بما لها من أشكال وأيقونات ورهانات". كما دعا إلى ضرورة جعل الصورة جزءا أساسيا من ثقافة الأبناء في المستقبل، وإلى الولوج إلى الصورة، كبداية من انطلاق الأدب اللفظي إلى الصورة. وتحدث يقطين بكثير من الدقة على الهجرة العربية والإسلامية في العصر الحديث كنتاج فعل تواصلي، وعلى ما تحقق من اندماج للمهاجرين، خاصة في المجتمع الأمريكي، موضحا أن المهاجرين حافظوا على هويتهم الثقافية والحضارية وهو ما أكسب السينما نوعا من التميز، موضحا أن الهجرة أصبحت صراعا بين الشرق والغرب. أما الباحث محمد بوحمالة، فقد تحدث بإسهاب عن موضوع الندوة، وركز بالخصوص على تفكيك فيلم "مسلمو فرنسا" لمخرجه كريم بيسكي، مؤكدا أن هذا الفيلم الوثائقي نقل إلى المشاهد ثقافة المهاجر المسلم في ديار الغربة، وعالج موضع الهوية والفشل الاجتماعي والاندماج، مؤكدا على أن تيمة الهجرة في الفيلم، تشكل رافدا من روافد التلاقح الثقافي ونقلة نوعية في كشف النقاب عن الهوامش والعديد من التمظهرات التي تخص بالدرجة الأولى الهوية الثقافية كعمل توثيقي. كما شارك في الندوة كل من المخرجة الإيطالية، الأستاذة جيوفانا تافياني، والباحثين عبد العزيز عايدي، وفضل الله عبد اللطيف، حيث لامسوا في تدخلاتهم الموضوع من وجهات نظر وزوايا مختلفة، لكنها تتقاطع عند العلاقة التي تربط الفيلم الوثائقي بالهجرة في الكثير من المحطات، وقيمة الفيلم الوثائقي في معالجته للهجرة كقضية ثقافية وإنسانية وحضارية مهما كانت سلبياتها ومواجعها.