عرف "الملتقى الدولي الأول حول العمل والتدبير الثقافي"، المنظم من طرف معهد سيرفانتيس بالرباط، خلال الأسبوع الماضي، حضورا كبيرا لمجموعة من الباحثين والمتخصصين في المجال الثقافي من المغاربة والإسبان جانب من الجلسة الافتتاحية للملتقى والمسؤولين عن المراكز الثقافية الأجنبية بالمغرب، ومسؤولو دور الثقافة بالمغرب، ونقاشا جديا حول المكانة، التي تحتلها الثقافة في المحيط المتوسطي، وأسباب اهتمام إسبانيا بالإسهام في التنمية الثقافية بالمغرب، وخلقها لمراكز ثقافية بالمغرب، ودعمها لمشاريع ثقافية وفنية لمؤسسات وأفراد بالمغرب، إما من طرف الوكالة الإسبانية للتعاون الدولي للتنمية "AECID"، أو من خلال برامج ثقافية تنموية مثل برنامجي: "ACERCA"، و"CUDEMA"، وغيرها من المشاريع، التي تهدف من خلالها المؤسسات الإسبانية بالدرجة الأولى إلى تمتين الروابط الثقافية بين المغرب وإسبانيا، ودعم المشتغلين في المجال الثقافي، وإخراج مشاريع ثقافية مهمة إلى الوجود. الثقافة والتربية، والتنمية، كانت هي المفاتيح السحرية، التي جرى تداولها في هذا "الملتقى الدولي الأول حول العمل والتدبير الثقافي" الموسيقى وفنون الخشبة"، الذي تواصلت أشغاله من 24 إلى 28 أكتوبر الجاري، والذي جرى التحضير له منذ ثلاث سنوات من طرف أنا فازكيز بارادو، المسؤولة عن الأنشطة الثقافية بمعهد سيرفانتيس بالرباط، وكريستينا كوتييريز هيرنانديز، المنسقة العامة للتعاون الإسباني بالمغرب، اللتين قدمتا في افتتاح الملتقى هذا المشروع، وأوضحتا أن الاهتمام بالمغرب يدخل ضمن أولويات السياسة الخارجية الإسبانية، خاصة على الصعيد الثقافي، لأنها أداة أساسية للتنمية، ومطلب إنساني مهم. وأوضحت المنسقة العامة للتعاون الإسباني بالمغرب أن الوكالة الإسبانية للتعاون تهدف إلى تشجيع القطاع الثقافي، وتشجيع التنمية الاجتماعية، ثم تشجيع الحقوق الإنسانية في مجال التنوع الثقافي، مشيرة إلى أن الوكالة وضعت استراتيجية أساسية لتحقيق تلك الأهداف، وهي التكوين. أما أنا فازكيز، المسؤولة عن الأنشطة الثقافية بمعهد سيرفانتيس بالرباط، فذكرت أنه بعد سنوات من التعاون الثقافي بين المغرب وإسبانيا، كان من الواجب التوقف للحظة لتقييم أشكال هذا التعاون، للوقوف على إيجابياته وسلبياته، وتجاوز كل الإشكالات والمعيقات، التي يمكن أن تحد من النهوض بالعمل الثقافي بين البلد، مشيرة إلى أن الملتقى يسعى بالأساس إلى خلق أرضية ثقافية متكاملة، وأرضية مهنية للمعرفة المتصلة بعالم التدبير الثقافي، وخلق مجال للتبادل المعرفي في هذا المجال بين بلدان ضفتي المتوسط، والإسهام في إبداع أعمال مشتركة ومساندة المبدعين والمهنيين والمسؤولين عن القطاع الثقافي، فضلا عن دعم الباحثين في هذا المضمار. وفي الجلسة الافتتاحية، التي شارك فيها سفير إسبانيا بالمغرب، ووزير التربية الإسباني، ووزير الثقافة المغربي، جرى التركيز على أهمية الثقافة والتربية كرافعتين أساسيتين للتنمية، وعلى الأدوار المهمة التي يمكن أن تلعبها الثقافة في التقريب بين الشعوب، وتعزيز التعاون فيم ا بينهم، وتغيير الصور النمطية، التي يمكن أن تكون تكرست بسبب الاستعمار أو ما شابهه. وفي هذا الإطار، تحدث أنخيل كابيلوندو بيجول، وزير التربية الإسباني، عن الثقافة والتربية كملكيات ذات أولوية، وأسلحة أساسية لمناهضة الفقر، والتهميش، واللامبالاة، وعن ضرورة تمثل المثقفين والمفكرين لتلك الثقافة، وانعكاسها بالدرجة الأولى على شخصهم، وعلاقاتهم الاجتماعية، قبل تدبيرهم لشؤون بلدانهم، مركزا على ضرورة الإنصات لبعضنا، واقتسام العديد من الأشياء وعلى رأسها الثقافة، لأنها بمثابة علاج للعديد من الأمراض والآفات، عاقدا مقارنة بينها وبين الزراعة. وأكد وزير التربية الإسباني أن المغرب، علاوة على كونه فضاء للتفاعل بين الثقافات، يبلور على نحو أفضل التعاون مع إسبانيا في مجال التراث، مشيرا إلى أن الانفتاح الذي ينهجه المغرب، يجعل منه أرضا للاستقبال والتبادل الثقافي المتعدد. وأعرب عن ارتياحه للتعاون الدائم، الذي يجمع بين المغرب وإسبانيا، سيما في مجال المحافظة على التراث، ثم ركز على أهمية الاستثمار في التربية، التي لا تقف عند نقل المعارف، بل تشمل، أيضا، القيم التي تجعل من المبادلات الاجتماعية أمرا ممكنا. وكعادته، استعرض بنسالم حميش، وزير الثقافة المغربي معارفه، وتلا مقولات عدة لمجموعة من المفكرين والفلاسفة حول الثقافة، وتحدث عن أعماله التي ترجمها المستعرب الإسباني فيديريكو أربوس أيوسو، مدير المعهد الثقافي الإسباني بالرباط، الذي كان يصر على الحديث باللغة العربية، على عكس وزير الثقافة، الذي لم يستطع إتمام حديثه بالإسبانية، رغم أنه اعترف بأن اللغة الإسبانية هي ثاني لغة محببة إليه بعد العربية. وذكر حميش باللغة الفرنسية في مداخلة بعنوان "الثقافة كرافعة للتنمية البشرية"، أن الثقافة مكون أساسي للهوية، وأنها هي ما يتبقى للإنسانية بعد زوال الشعوب، معبرا عن أسفه لاعتبار المنتوجات الثقافية منتوجات تجارية صرفة تخضع لمنطق السوق، خاصة مع زمن العولمة. وأوضح أنه لا يجب التعامل مع الثقافات بنوع من الانتقاء، لأن كل الثقافات مهمة، وتستحق أن تعالج على قدم المساواة. ولاحظ وزير الثقافة أن لقاءات مماثلة تشكل فرصة للاطلاع على دور الثقافة كرافعة للتنمية البشرية، علاوة على مؤهلاتها في مجال خلق فرص الشغل، وهو ما أثار استغراب الفاعلين في المجال من المغاربة، الذين لم يتوانوا في التعبير عن استنكارهم لطريقة تدبير وزير الثقافة للقطاع، ولسياسته التقشفية في المجال، خاصة أنه ركز في مداخلته على أهمية الثقافة وضرورة الاستثمار فيها، والدفع بها إلى الأمام. وتوزع برنامج هذا الملتقى، الموجه بالأساس إلى المهنيين والمتخصصين في القطاع الثقافي، إلى ستة محاور هي: العمل الثقافي الخارجي والتنمية الثقافية، والعمل الثقافي: المجتمع والهوية والنوع، والمراكز الثقافية، والثقافة والتجديد، والموسيقى وفنون الخشبة، ثم التدخل الثقافي والتواصل، إضافة إلى جلسة ختامية قدمت فيها مجموعة من المشاريع الثقافية، مثل مشروع RESAD بمدريد مع المعهد العالي للمسرح والتنشيط الثقافي بالرباط، ومسرح بيكولو بميلانو الإيطالية، ومجموع التوصيات، التي خرج بها المشاركون في هذا الملتقى، المرفقة أشغاله بحلقة سينمائية مكرسة لفنون الخشبة، وأخرى مكرسة للموسيقات الحديثة مبرمجة على هامش هذه التظاهرة. شارك في هذا الملتقى الدولي، المخصص للعمل والتدبير الثقافي مجموعة من الفاعلين في القطاع من المغرب وإسبانيا، نذكر من بينهم: إدريس خروز، مدير المكتبة الوطنية للمملكة المغربية، وجيرمنال جيل، من مؤسسة الثقافات الثلاث، والمسؤول عن مشروع CUDEMA، والباحث المغربي حسن أوريد، ومنة بنشقرون، رئيسة جمعية "كان يا ما كان"، والباحثة المسرحية المغربية نوال بن إبراهيم، ووروسيو دو لافيلا، رئيسة جمعية "المرأة في الفنون البصرية"، وفهر كتاني، المدير العام ل "استوديو الفنون الحية" بالدارالبيضاء، وجورج فيرنانديز، صاحب كتاب "المراكز الثقافية الجديدة في القرن الواحد والعشرين"، وإدريس كسيكس، رئيس فرقة "دابا للمسرح"، وفوزي الصقلي، مدير مهرجان فاس للموسيقى العريقة.