دوي انفجار فجائي يخدش المسامع ويثير بعضا من الهلع، فيما يركض الأطفال بصخب، لتمتزج أصواتهم مع ما أحدثته الانفجارات المتكررة من ضجة، والمارة يمضون بحذر في الأزقة التي تدوي فيها هذه الانفجارات بعدما انتشرت على نحو مثير للقلق، إنها "اللعب النارية" التي يجدها الأطفال سهلة المنال من سوق "درب عمر" في الدارالبيضاء قبل موعد عاشوراء، فيكفي أن يدفع الطفل، بغض النظر عن سنه، بعض الدراهم، حتى يتأتى له اقتناء "علبة متفجرات"، خاصة أن هناك أصنافا مختلفة تغري على تجربتها بدافع الفضول الطفولي، والرغبة في المشاركة بلعبة موسمية. الدخان المنبعث من التفجيرات والصوت الحاد الذي يصدح في دروب وأزقة حي سيدي عثمان، بالدارالبيضاء، في غفلة من سكانها، هو مبعث بهجة الأطفال، حين يتجمهرون في محاولة منهم إشعال فتيل "المتفجر"، ولأن المسألة تتطلب سرعة ودقة، ففي لحظة من الزمن، يتفرق الأطفال في كل الاتجاهات وهم ينأون بأنفسهم عن تجليات الانفجار، وهنا مكمن المتعة التي تقودهم إلى صرف دراهم في "دخان يتلاشى، مخلفا وراءه رائحة مواد كيماوية". اقتناء "ولاعة" بدرهم والنصف درهم، كاف لإثارة مرح الأطفال، فكلما توفرت لديهم "المتفجرات"، كلما تسابقوا على استعمال هذه الأداة، للاستماع بأصوات إن كان يراها الكبار إزعاجا، فهي بالنسبة للأطفال نتيجة مسلية. يتطوع أحد الأطفال، حسب شهاداتهم ل"المغربية، إلى النزول لسوق درب عمر، واقتناء علبة ب25 درهما كأقلها تكلفة، ليعود أدراجه حاملا معه هذه "المتفجرات"، بحماس في إحداث دوي صاخب، كثيرا ما كان يثير توتر سكان الحي، إذ أن المحاولات المتكررة في تفجير "الألعاب النارية" وبشكل مباغث يخلق في نفوسهم الفزع في لحظة من اللحظات. للأطفال رأي غير رأي الكبار، فحسب إفاداتهم ل"المغربية"، "المتعة تتجلى في إثارة انتباه الآخرين، بقدر ما يثيرهم صوت الانفجار والدخان المنبعث منه، لهذا يجرؤ بعضهم على إلقاء "متفجر" على أحد المارة، خاصة الفتيات، عن قصد، وإن عبروا بتلقائية طفولية أن "سلوكهم هو تهور، لكن اللعب والتسلية مبرران يشفعان لهم ذلك"، حسب اعتقادهم. الحاجة أم الاختراع شراء بعض الأطفال لعلب "المتفجرات" وإعادة الاتجار فيها في ما بينهم، هو أيضا مدعاة للشعور بنوع من الاستقلالية وفق ما لمحوا له، في حديثهم مع "المغربية"، إذ أن تكليف واحد منهم بهذه المهمة، يخول للبعض الآخر شراءها منه بالتقسيط، حسب نوع "المتفجر"، الذي ذكر الأطفال أن أصنافه متعددة ليكون لهم حظ في استخدامها وتجربتها كلما توفرت لديهم الإمكانيات المادية، فبأسلوب ينم عن اطلاع كبير ب"اللعب النارية"، يذكر بعض الأطفال أن الأكثر استعمالا من لدنهم، هو النوع الأرخص ثمنا، والمتمثل في "قنبلة زيدان" ب 50 سنتيما للواحدة، التي بمجرد إشعالها تنفجر مرة واحدة، شأنها شأن "قنبلة الفرخ"، وهي "قنابل" دون فتيل، يشعلها الأطفال بجرأة كبيرة لتنفجر بين يديهم، في حين جربوا "قنبلة بوكيمون" التي يقدر ثمنها ب 3 دراهم للواحدة، قالوا إنها تنفجر محدثة ثلاث طلقات، بينما جربوا في أحيان نادرة تفجير "قنبلة كراندة" ب6 دراهم للواحدة، مستمتعين بانفجارها على مرحلتين، الأولى في الأرض والثانية في الأعلى، لكنهم لم يغفلوا الإشارة إلى خطورة هذا النوع من "اللعب النارية"، بينما ذكروا أن هناك قنبلة تدعى "البوطة" وهي نوع خطير حسب قولهم، ثمنها 5 دراهم للواحدة، تنفجر مرة واحدة مخلفة دخان، إضافة إلى لعبة "الصاروخ"، ثمن حجمه الصغير 3 دراهم، فيما ثمن الحجم الكبير 6 دراهم، ومن شأنه أن يحدث صوتا يعلن عن انطلاقه في الهواء لينفجر على علو يتعدى الأطفال. بينما يسترسل بعض الأطفال في تقديم المعلومات عن "اللعب اليدوية"، بشكل عفوي، كان البعض الآخر يحاول عرض تلك الأصناف، ليضيفوا أنهم في حالات نادرة جدا، يستطيعون اقتناء "ما يسمى ب"البراشيت" لأن ثمنها يصل إلى 20 درهما للواحدة وهي غير قابلة للانفجار، لكنها تطير في الهواء على نحو يثير إعجابهم ومرحهم، كما أن لعبة "النحلة" التي ثمنها 3 دراهم للواحدة، يمكن معها الاستمتاع بإشعال فتيلها دون انفجار، لتحلق في الهواء بما يشبه النحلة الحقيقة. كما يجد الأطفال في الألوان التي تحدثها لعبة "الطيارة" والتي ثمنها 5 دراهم للواحدة، فرصة للنظر في ألوان متعددة تتشعب منها في صورة وصفوها ب"المثيرة"، إلى جانب لعبة "السيغار" وثمنها درهمين والنصف الدرهم، تخول للأطفال الاستمتاع بتلك النجوم التي تتطاير على شكل شرارات مجرد إشعالها. ولأن ثمن بعض هذه الألعاب النارية يفوق قدرة الأطفال الشرائية، فغالبا ما كانوا يستخدمون أرخصها، رغم أن دويها كثيرا ما جر عليهم ويلات التأنيب والوعيد من قبل بعض سكان الحي، لكن حاجتهم إلى اللعب حسب اعتقادهم، تدفعهم إلى تجربة كل شيء، ماداموا لا يملكون محفزات أخرى تغنيهم عن ذلك كولوج نوادي رياضية وثقافية، خاصة أنهم يقطنون أحياء شعبية تفتقد حتى للمساحات الخضراء، هكذا عبر بعض الأطفال بنبرة ساخرة، ومن ثمة أصبحوا يبتكرون ما يلهيهم عن الفراغ.