انتشر عدد كبير من المهاجرين الأفارقة، في السنوات الأخيرة، في طرقات وشوارع، المدن المغربية الكبرى، في السنوات الأخيرة، ولم يعد منظرهم، وهم يتسولون، بعدما تبخر حلم عبورهم نحو أوروبا، تثير الفضول. وجوههم أصبحت مألوفة، أمام المراكز التجارية والمطاعم الفاخرة، وفي محطات القطار وحافلات النقل العمومية.. بعض الإفريقيات تعففن عن طلب الصدقة في الشوارع، واخترن فضاء "الكرة الأرضية" لتقديم خدماتهن في ميدان الحلاقة. تختص الإفريقيات، اللواتي يمارسن مهنة الحلاقة على قارعة الطريق، في تسريحة "الراسطا"، وهي تسريحة افريقية الأصل، يعشقها الشباب ومتتبعو الموضة، والمتأثرون بالمشاهير من الممثلين والرياضيين الأجانب. التسريحة لم تكن غربية عن المغرب، بل تمارس في الصالونات، وعلى رؤوس الفتيات الصغيرات، والشابات، لكنها أصبحت اليوم تعرض على المارة في الشارع، من طرف حلاقات إفريقيات يتقن تشكيلها على شعر ورأس المعجبين بها من المغاربة، والسياح الأجانب الموجودين في المغرب في هذه الفترة الصيفية. يقول جون كروي، سائح فرنسي، ل"المغربية"، إنه كان دائما معجبا بهذه التسريحة، وبما أنه في عطلة، لم يتردد في مد شعره الطويل الأشقر، لحلاقة افريقية وسط الطريق وأمام المارة، لتشكل منه ضفائر رقيقة ومتميزة، على الطريقة الإفريقية. ويضيف أنها المرة الأولى التي يشاهد فيها حلاقات يصففن الشعر على قارعة الطريق، يمشطن شعر الزبناء وسط الشارع وأمام أنظار المارة، وفي أجواء مناخية حارة، وبأدوات متواضعة مستعملة للتصفيف، دون أن يراعين أي اهتمام للنظافة، ودون تخوف من نقل الأمراض المعدية للزبناء". دفع 150 درهما للتسريحة يقبل الشباب على هذا النوع من الحلاقة الإفريقية بعدما ملوا من التسريحات الأوروبية، التي عشقوها وهم يشاهدون الممثلين أو لاعبي الكرة. بعض المهاجرين المغاربة، التقتهم "المغربية"، بدا على محياهم الفرح والدهشة، مدوا بدورهم رؤوسهم لحلاقات إفريقيات، من مختلف الأعمار. يقول هشام ل"المغربية"، إنه "يكفي اختيار نوع التسريحة، عبر ألبوم الصور الذي تتوفر عليه "الكوافورة"، الذي يحتوي على أنواع عديدة من تسريحات " الراسطا"، ثم التفاهم على الثمن، الذي يبدأ من 150 درهما، والذي يحدد حسب نوع الشعر الطويل أو القصير، والتسريحة المطلوبة، وتشرع الحلاقة في تشكيل ضفائر "الراسطا"، التي لا تتطلب إلى دقائق معينة، لأنها متدربة على إنجازها". الأمر يعتبر عاديا بالنسبة ل"مريم"، شابة إفريقية في مقتبل العمر، التي قالت إنها ليست خلاقة لكنها تتقن تسريحة "الراسطا"، فبالنسبة لها تسريحة عادية تتقنها نساء إفريقيا بسهولة دون أدنى عناء، إذ يضفرن شعور بناتهن، بالطريقة نفسها، مشيرة أن أغلب الإفريقيات الموجودات بالمكان لسن متخرجات من معاهد أو مدارس للحلاقة، لكن تلقينها عن طريق الجدات والأمهات". موضحة أن "الراسطا"، هي طريقة إفريقية لتصفيف وضفر الشعر بطريقة دقيقة، وهي موروث شعبي واجتماعي، ومن عادات وتقاليد المرأة الإفريقية التي اعتادت على تسريح شعرها بهذه الطريقة، التي تعتبرها مصدر تباه وفخر، مضيفة أن هناك حتى بعض التسريحات الخاصة التي يعرف بها أبناء القبيلة، أو العشيرة الواحدة". وقالت " لتشكيل هذه التسريحة لا يهم أن يكون الشعر قصيرا، لأن لديها خصلات شعر اصطناعية، تشتريها من المراكز التجارية القريبة، وبتقنياتها الخاصة تثبتها مع الشعر الأصلي، إلى أن تصبح مركزة، ومن ثمة يمكن أن تشكل بها الضفائر الرقيقة، والأشكال الفنية لتسريحة "الراسطا"". الساحة لا تقتصر على مصففات العشر فقط، بل هناك تاجرات المواد المركبة من الأعشاب الطبيعية، ومراهيم لعلاج أمراض الجلد، وأسماك جافة على الطريقة الإفريقية، وفواكه جافة يخال للمرء عند رؤيتها للوهلة الأولى أنها طرية لكنها يابسة، فضلا عن بائعات الحلي والقلائد والملابس الإفريقية. مرغمون لا أبطال هؤلاء الأفارقة يوجدون بكل مكان في المغرب، خاصة بالأحياء الشعبية والأماكن التي تعرف حركة ورواجا تجاريين. فبمنطقة درب عمر يعرض بعض الأفارقة بضاعتهم بجوار التجار المغاربة المتنقلين، والذين نسجوا معهم علاقة طيبة، بحكم المكان الذي يلتقون به بشكل يوميا، كما هو الحال بالنسبة لأمادو، شاب إفريقي في الثلاثينات من العمر، معروف عند الجميع بأنه يتحدر من السينغال. يتكلم في الغالب بالفرنسية، وبالكاد ينطق بعض الكلمات بالدارجة المغربية، إذ صرح أنه "يوجد بالمغرب منذ 8 سنوات، أتى من أجل الالتقاء بأحد أبناء جلدته الذي وعده بأن يتدبر أمر انتقاله لإسبانيا. لكن عندما تأخر عن الموعد المحدد الذي أبرمه مع صديقه، رحل هذا الأخير إلى وجهة يجهلها، وبقي هو يتخبط في مشاكل عدة، ضمنها مسألة التعايش في مجتمع غريب عنه، وبين مشاكل تدبر أمره، ما أرغمه على أن يجرب كل المهن إلى حين التقائه ببعض الطلبة من أبناء بلده، والذين شجعوه على الاتجار في السلع، التي يجلبها أصدقاؤه من موطنهم الأصلي. تخذ من منطقة درب عمر مكانا لعرض تجارته المجلوبة من السينغال، عبارة عن أثواب بألوان مختلفة، وبعض الحلي التقليدية والقليل من المراهم، التي يزعم أنها تصلح لعلاج بعض الأمراض الجلدية أو أمراض الروماتيزم، مضيفا أنه من المشاكل الأساسية التي يعاني منها "مشكل الهوية. فليس من السهل الحصول على الوثائق الرسمية، مشيرا في سياق حديثه ل "المغربية" أنه لا يجد صعوبة في التحاور مع المتبضعين، لأنه يتكلم الفرنسية، ويفهم اللهجة المغربية". غير بعيد عن المكان، توجد فتاة إفريقية يناديها أصدقاؤها بفاطماتو، والتي صرحت ل"المغربية" أنها "توجد بالمغرب منذ 6 سنوات. كان هدفها العبور للضفة الأخرى، وهو حلم بعض الأفارقة، لتحقيق رغبة دفينة تراودها منذ الصبا المتمثلة في إنقاذ أفراد أسرتها من براثين الفقر، الذي تتخبط فيه"، مؤكدة أن " الرحلة لم تكن سهلة، حيث تطلب منها الأمر عدة شهور، قطعت أغلب مراحلها مشيا على الأقدام، إلى حين حلولها بالمغرب، حيث اصطدمت بواقع صرامة الحراسة على المهاجرين السريين، ما أرغمها على البقاء، في هذا البلد، وبداية رحلة البحث عن العمل"، مؤكدة أنه " ليس سهلا العيش في بلد غريب، أمام الظروف الصعبة التي لا تعد ولا تحصى، حيث دفعتها إلى التسول، إلى أن ساعدتها بعض النساء في الحصول عن عمل في بعض البيوت، مشيرة إلى أن الأمر لم يكن بالهين في البداية، لأن الأسر المغربية لا تتق في تشغيل إفريقيات، لاعتبارات أمنية، لأنها لا تعرف أي شيء عن هوياتهن"، مضيفة أن " العديد من الفتيات الإفريقيات اللواتي يوجدن بالمغرب تصادفهن مشاكل لا تحصى، رغم أن البعض منهن تزوجن، وأنجبن أطفالا لا يتوفرون على وثائق رسمية تثبت نسبهم، خاصة أن هؤلاء الأطفال بدأوا يكبرون، مما سيتسبب لهم لا محالة في مشاكل عدة في المستقبل".