عبر أعضاء جمعية كازاميموار عن غضبهم جراء أعمال الهدم، التي نفذتها سلطات مجلس مدينة الدارالبيضاء في حق مبنى بيوتومبوليي التاريخي المجاور لفندق لنكولن الشهير، من خلال وقفتين احتجاجيتين شارك فيهما يومي السبت والأحد الماضيين، العديد من فعاليات المجتمع المدني. فندق لنكولن ومبنى بيوتومبوليي سنة 1926 (خاص) وأجمع المحتجون على أن قرار هدم بناية بيو تومبوليي التي شيدت سنة 1925 على يدي المهندس الفرنسي، بيير أسييل، كان مفاجئا، خصوصا أنه جرى الاحتفاء بها في اليوم العالمي للعمران والتراث، ورشحت من طرف وزارة الثقافة لتكون ضمن قائمة أحسن المآثر التاريخية، واصفين عملية الهدم بالمؤامرة، خصوصا أن السلطات استغلت عطلة الصيف ونهاية الأسبوع للقيام بهذا العمل الشنيع، حسب كريم الرويسي، عضو جمعية كازاميموار، الذي اعتبر قرار المجلس عشوائيا، مؤكدا أن طريقة الهدم بدأت من داخل المبنى، منذ أسبوع في سرية تامة، وبنية مبيتة من السلطات، التي تعمدت ترك هدم الواجهة إلى عطلة نهاية الأسبوع لتفادي أي تصادم مع الجمعية ومع كل الغيورين على التراث المعماري الوطني. وفي سياق متصل، أكد مصدر مطلع أن قرار الهدم، الذي وقعه عمدة المدينة محمد ساجد، استند إلى حكم قضائي أصدرته المحكمة الإدارية للدارالبيضاء بداية السنة الجارية، باعتبار النيابة المذكورة لم تكن مصنفة من طرف وزارة الثقافة، ضمن المآثر التاريخية، فضلا عن أن هناك اتفاقا مع المالك على أساس تشييد واجهة مشابهة. من جهة أخرى، ندد المتظاهرون بعمليات الهدم التي مست العديد من المباني المماثلة، التي تعود إلى العهد الكولونيالي، منها المبنى المكون من طابقين والممتد على مساحة 683 مترا مربعا، والذي ظل منتصبا طيلة 80 سنة في زاوية شارع ليبورن وطريق اولاد زيان، مطالبين بضرورة التصدي لمثل هذه الأعمال التخريبية، التي تغتال التراث المعماري المغربي. كما حذروا من خطورة زحف معاول الهدم في اتجاه المعالم المجاورة، خصوصا فندق لنكولن، الذي أصبح قاب قوسين أو أدنى من معاول الهدم، رغم إدراجه، منذ مارس 2000 ضمن المباني التاريخية والمواقع والمناطق المرتبة في عداد الآثار بولاية الدارالبيضاء، طبقا لقرار رقم 411.00 الصادر عن وزارة الثقافة، حسب ما ورد بالجريدة الرسمية رقم 4795 في 15 ماي 2000. ويتحدث عدد ممن عايشوا المبنى في فترة ازدهاره عن معلمة كانت تدب فيها الحياة، إذ كانت جميع المحلات الموجودة بالبناية تعمل دون انقطاع، خصوصا مطعم نجمة مراكش الشهير بطرازه الأندلسي، لكن بعد إغلاق الشارع، بسبب انهيار أجزاء مهمة من فندق لنكولن المجاور، حول المكان إلى مرتع للقطط، والكلاب الضالة، والمشردين، الذين اتخذوه مأوى لهم، بعدما أغلقت المتاجر أبوابها، وغادر القاطنون بجانبه إلى غير رجعة، كما أن المطاعم والملاهي القريبة منه، اضطرت بدورها إلى إعلان إفلاسها. وحسب مصادر تاريخية، فإن فندق لنكولن الموجود بشارع محمد الخامس، الذي كان يعرف بشارع المحطة، بني سنة 1916 من قبل المهندس الفرنسي هوبير بريد، واعتبر الفندق، الذي بني في الجهة المقابلة للسوق المركزي معلمة تاريخية، إذ ما زالت السلطات بمدينة الدارالبيضاء ترفض هدمه، أو بمعنى أوضح إنهاء مرحلة من تاريخ المدينة، خصوصا بعدما جرى تصنيفه تراثا إنسانيا. ورغم أن الوكالة الحضرية تعهدت بوضع خطة لإعادة ترميم الفندق وفق التصميم الأصلي له، الذي حصلت عليه من حفدة المهندس الفرنسي هوبير بريد، في انتظار أن يجري تحويله إلى فندق يحمل اسم "بلاص كازا"، ستسهر على تسييره شركة عمومية، إلا أن دار لقمان بقيت على حالها. يذكر أن فندق لنكولن العتيق، أصبح منذ سنة 2009 ملكا للوكالة الحضرية للدارالبيضاء بعد المصادقة على مرسوم يقضي بنزع ملكيته لفائدة المصلحة العامة، حسب المرسوم رقم 2.08.093 الصادر بالجريدة الرسمية عدد (13 يناير 2009)، "تقضي المنفعة العامة بإعادة تهيئة وتجديد فندق لنكولن الواقع بشارع محمد الخامس من طرف الوكالة، وبنزع ملكية القطعة الأرضية والبنايات المشيدة فوقها اللازمة لهذا الغرض ذات الرسم العقاري رقم ك/2959، الممتدة على مساحة 2468 مترا مربعا، بناء على القانون رقم 7.18 المتعلق بنزع الملكية لأجل المنفعة العامة وبالاحتلال المؤقت، وبناء على نتائج البحث الإداري عن المنافع والمضار، الذي أجري في هذا الشأن من 25 أبريل إلى 26 يونيو2007. وعهد في ذلك إلى وزير الداخلية والعامل مدير الوكالة الحضرية للدارالبيضاء بتنفيذ ما جاء بهذا المرسوم". ولا تختلف هندسة الفندق، عن الهندسة المعمارية لكل مباني الشارع، الذي بني على الطراز الفرنسي، ورغم المحاولات التي ما فتئ يقوم بها عدد من المهتمين والباحثين من أجل ترميم الفندق، وإعادة الحياة إلى جوانبه، إلا أن كل جهودهم باءت بالفشل، رغم أن البعض ما زالوا يتحدثون عن مشروع لإنقاذ الفندق من الضياع، خصوصا أنه يمثل ذاكرة مدينة بأكملها. تجهل السنة التي توقف فيها الفندق عن استقبال زبنائه، لكن الكثير من المعطيات تؤكد أن نبض الفندق توقف منذ سنة 1989، ومنذ سنوات تحركت السلطات من أجل هدمه وبناء مشاريع سكنية، لكن جمعيات المجتمع المدني دقت ناقوس الخطر، خصوصا بعد هدم فندق آنفا والمسرح البلدي، وهي كلها معالم، شهدت فترات مشعة من تاريخ المدينة. واليوم، فإن فندق لنكولن الذي أوقف الحركة في واحد من أشهر شوارع وسط المدينة، ينتظر قرارا صارما من أجل حفظ ذاكرته، وإن لم يتبق منه سوى بعض الأطلال، التي تشهد على أنه في عهد الحماية الفرنسية، كانت مدينة الدارالبيضاء تنبض بالحياة.