أدى أمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس، أمس، صلاة الجمعة بمسجد السنة بالرباط. (ح م) وأكد الخطيب في مستهل خطبة الجمعة أن خطاب الإرشاد في الدين الموجه إلى كافة المؤمنين والمؤمنات، سواء في خطب الجمعة أو غيرها من منابر التبليغ والتوجيه، لابد أن يركز على الأولويات قبل الجزئيات، ويحذر الناس من الأخطاء الكبرى، قبل تناول ما هو أقل خطرا، مبرزا أن العلماء في مختلف أنحاء المملكة عملوا، خلال الأسابيع الأخيرة، بحكمة الأولويات هاته، إذ ركزوا، تلقائيا في خطبهم، ولاسيما أيام الجمعة، على جريمة الإرهاب، وبينوا بالحجج والدلائل من كتاب الله وسنة رسوله حكم هذا الفعل الشنيع. وأوضح أن كل الحجج والدلائل ظاهرة في أن الإرهاب مرفوض في جميع أشكاله، وأن الأفظع من الإرهاب أن يدعي من يقترفونه أنهم يرتكبونه، انطلاقا من الدين أو لتحقيق غايات لها علاقة بالدين، وكأنهم يدعون إمكان تحقيق الصلاح بما هو إفساد صراح. وقال إنه إذا كان الحكم الشرعي جليا واضحا في مسألة الإرهاب، فإن تكرار التذكير بهذا الحكم أمر مطلوب، حتى يستوعبه الناس ولا يقع أحد ضحية لدعايات الإرهابيين الكاذبة وحججهم الواهية، مؤكدا أن سفك الدم بغير حق هو من أكبر الكبائر وأفظع الجرائم، ولذلك قرن الحق سبحانه وتعالى هذا الذنب العظيم بالشرك. وأضاف الخطيب أن قتل النفس ظلما وعدوانا يهدد الحياة الاجتماعة الآمنة المطمئنة، وسفكها بغير حق يعد ذنبا كبيرا توعد الله مقترفه بعذاب عظيم، مذكرا بأن المجتمع المسلم، كما هو موصوف في القرآن والحديث، لا يمكن أن يكون إلا مجتمعا تصان فيه الدماء، وتحفظ فيه الأموال والأعراض، وتتوفر فيه الحوافز على الخير، وتضعف فيه الحوافز على الشر، وأنه لذلك جعل الإسلام جريمة قتل النفس الواحدة كبيرة تعدل جريمة قتل الناس جميعا، حيث قال تعالى "من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض، فكأنما قتل الناس جميعا، ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا". وقال الخطيب إن هذه الآية، التي نزلت قبل أربعة عشر قرنا، تؤسس لما يسمى اليوم في القانون الدولي بالجريمة ضد الإنسانية، وقد شرطتها بقتل نفس واحدة، فما بالك بقتل عدة أنفس، ذلك لأن الله هو واهب الحياة، وليس لأحد غير الله أن يسلبها إلا بإذنه وبالحق الذي أمر به. وأشار إلى أن الله سبحانه وتعالى كرم الإنسان أيما تكريم، وفضله على كثير ممن خلق تفضيلا، وسخر له الكون، وخصه بمزيد من التكريم لإيمانه فأعلى شأنه وحرم دمه، بحيث جعل الله سبحانه وتعالى زوال الدنيا أهون عنده من سفك دم امرئ مسلم، مؤكدا أن إرهاب المؤمنين، وترويع الآمنين، وقتل المستأمنين، واستباحة الدماء التي حرمها الله، والاستهانة بأرواح الآدميين، بغض النظر عن دينهم وجنسهم، هو من الإفساد الكبير والإجرام العظيم في الأرض، وهو أمارة شر وخذلان لمن أتاه. واعتبر الخطيب أن أهم سبل التحصن والتحصين ضد الإرهاب أمران، أولهما الإنصات إلى حكم الله فيه، وإشاعة هذا الحكم بين الناس صغيرهم وكبيرهم، وتمثل هذا الحكم، والخوف من الوقوع في ما يترتب عنه من مقت الله وغضبه وعذابه. أما ثانيهما فهو أن تكتسب الأمة قوة ومناعة ضد الإرهاب بالاستناد إلى الأحكام الشرعية في موضوعه فلا تتأثر بفعل المجرمين، لأن لهم غاية واضحة هي النيل من استقرار الأمة وسكينتها وعملها في البناء، بحيث إذا رأوا أن جرائمهم لا تصل إلى غاياتها لا بد أن يخافوا من الأمة بكاملها، لأنها لهم بالمرصاد تفضحهم، وتتعقبهم، وتستنكر ما يفعلونه من منكر. وأضاف الخطيب أن ما جاء في الآية الآنفة الذكر "فكأنما قتل الناس جميعا ..." فيه حث لجميع أفراد الأمة على تعقب قاتل النفس والامتناع عن إيوائه أو التستر عليه، وأن هذا الحث يشمل ولاة الأمور، كما يمتد إلى عامة الناس، على اعتبار أن قيام الأمة ضدهم سيؤدي لا محالة إلى أن ييأسوا في الأخير، مصداقا لقوله تعالى بمناسبة الفتح، وما أتى به من مناعة للمسلمين، "اليوم يئس الذين كفروا من دينكم فلا تخشوهم واخشون". وابتهل الخطيب في الختام إلى العلي القدير بأن ينصر أمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصرا عزيزا يعز به الدين، ويعلي به راية المسلمين، وبأن يبقيه ذخرا وملاذا لهذه الأمة المؤمنة بكتاب الله المتمسكة بسنة نبيه، يقود سفينة نهضتها وتقدمها نحو شط الأمان، وبأن يقر عينه بولي عهده صاحب السمو الملكي الأمير مولاي الحسن، ويشد عضد جلالته بشقيقه صاحب السمو الملكي الأمير مولاي رشيد، وسائر أفراد الأسرة الملكية الشريفة. كما تضرع إلى الله عز وجل بأن يتغمد برحمته الواسعة جلالة المغفور لهما محمد الخامس والحسن الثاني، وأن يكرم مثواهما.