في حديثهم عن موضوع انعكاس وتأثير العلاقة بين مؤسستي الأسرة والمدرسة على المستقبل الدراسي للطفل ومستوى تحصيله، يرى باحثون في علم التربية أن "طبيعة هذه العلاقة لها تأثير عميق في توجيه وتحديد مسار تعلم الطفل وتشكيل شخصيته المستقبلية". وأبرزوا في حديثهم مع "المغربية"، أنه رغم الأهمية التربوية لهذه العلاقة فهي في واقعنا التعليمي الراهن "مازالت لم تنل حظها من الاهتمام، من أجل فهم وضعية الطفل المتمدرس سيكولوجيا واجتماعيا وتربويا". فالطفل في الأسرة، تقول المصادر ذاتها، "هو تلميذ، والتلميذ في المدرسة هو طفل، لذلك فالتوافق الدراسي ذو طبيعة مركبة، إطارها المرجعي هو الأسرة وإطارها المستقبلي هو المدرسة، من أجل ذلك وجب دراسة العلاقة بين الجانبين". وبهذا الخصوص، أكد ميلود بكريم، أستاذ باحث، أن فهم الكثير من سلوكات التلاميذ في المدرسة "يقتضي الرجوع إلى أسرهم التي نشأووا فيها، باعتبارها الخلية الاجتماعية الأولى التي اكتسبوا منها مختلف الخصائص النفسية والاجتماعية التي طبعت شخصيتهم، والتي تنعكس سلبا أو إيجابا على مسارهم الدراسي". وأبرز محدثنا في حديثه مع "المغربية" أن مد جسور التعاون بين المدرسة والأسرة يمكن أن "يساعد المربين في فهم شخصية التلميذ وسلوكاته وميولاته وانفعالاته وقدراته التحصيلية والمشاكل النفسية والاجتماعية، التي أفرزتها حمولته الأسرية". من هنا، يؤكد بكريم، أن هذا الفهم الصحيح لوضعية التلميذ، هو وحده الذي يمكن أن "يساعد المربين لتوجيهه وتصحيح مسار تعلمه وتدليل الصعوبات التي تواجه تعلمه وتجعله متعثرا. وشدد الأستاذ الباحث على ضرورة أن تتسم هذه العلاقة بالتكامل والانسجام، لا التعارض والتناقض والتنافر، لأن أي تعارض بين القيم والمضامين التربوية والثقافية والتعليمية التي ترسخها المدرسة، من خلال برامجها ومقرراتها، وبين ما يأتي الطفل محملا به من وسطه الأسري سيؤدي لا محالة إلى تصدع وتمزق في شخصيته وبنية تفكيره، وبالتالي يؤثر على مستوى تحصيله ومردوديته المدرسية". ويرى ميلود بكريم أن هذا التكامل "ينبغي أن يمتد ليشمل المنظومة التربوية برمتها وبكل مؤسساتها وبمفهومها الشامل (الأسرة، المدرسة، وسائل الإعلام...)، لكن ما يسجل غالبا في واقعنا الاجتماعي هو غياب هذا التكامل والانسجام بين مختلف قنوات وعناصر المنظومة التربوية الاجتماعية". من جانبهم، يرى العديد من نساء ورجال التعليم ممن استقت "المغربية" آراءهم أن المدرسة تحاول "ترسيخ سلم من القيم والمعايير الأخلاقية والتربوية، من خلال مجموعة من المضامين والسلوكات، وبناء قناعات إيجابية لدى المتعلمين، غير أن مشاهدة وملاحظة المتعلم/الطفل لمجموعة من السلوكات السلبية ومظاهر الانحراف الأخلاقي داخل أسرته وفي وسطه الاجتماعي وعبر ما تبثه بعض البرامج الإعلامية غير التربوية، ينسف كل ما تحاول المدرسة ترسيخه من قيم تربوية وثقافية وحقوقية". هذا ما أكده ناشطون حقوقيون وأضافوا أنه في الوقت الذي "تركز فيه المدرسة في برامجها الجديدة، على ترسيخ ثقافة حقوق الإنسان في الفضاء المدرسي وإدماج مبادئ مدونة الأسرة في البرامج التعليمية وتحاول ترسيخ هذه المبادئ والقيم لدى المتعلمين، نجد أن الطفل/التلميذ، في العديد من الأسر مازال يلاحظ يوميا في بيئته الضيقة والواسعة، مختلف مظاهر اللامساواة بين الجنسين والعنف الأسري الممارس على النساء والأطفال، إضافة إلى قيم سلبية أخرى في المجتمع كالغش وهضم حقوق الغير وانعدام ثقافة المواطنة". وقالت المصادر ذاتها، إن "غزو الفضائيات والتكنولوجيات الحديثة لكل البيوت وتطورها السريع وفقدان الأسرة لزمام التحكم والمراقبة لنوعية البرامج التي يشاهدها الطفل وطبيعة الأفلام والشرائط التي تستهويه، التي تبث ثقافة وقيما مغايرة لقيم مجتمعنا وتقاليده، نتج عنه نوع من اصطدام الثقافات والقيم ما يخلق نوعا من التمزق والحيرة لدى الطفل ويهمش دور المدرسة في نقل تراث الجماعة إلى أجيال الغد"، مشيرين إلى أنه غالبا ما تسيطر على كيان وشخصية الطفل المراهق، "القيم الدخيلة وتطغى على القيم الأصيلة نظرا للتأثير القوي الذي يمارسه الإعلام ما يصبح معه تأثير المدرسة ضعيفا". من جانبه، يرى إطار تربوي، أن هناك مفارقة صارخة، "تجسد عدم الانسجام بين المدرسة ومحيط الطفل ويتمثل ذلك في عدم قدرة المدرسة حتى الآن على مواكبة التطور السريع لوسائل اكتساب المعرفة"، فالطفل في أسرته، خاصة بالنسبة لأبناء الطبقات الميسورة والمتوسطة، يقول الإطار التربوي الذي فضل عدم ذكر اسمه، "يكتسب المعرفة بأجهزة ووسائل متطورة نسبيا عن وسائل اكتسابها في المدرسة (الإنترنت، الفيديو، القنوات الفضائية، الهاتف المحمول، الأقراص المدمجة...) في حين مازالت الوسائل الديداكتيكية بالمدرسة تقليدية وضعيفة القيمة التربوية (سبورة، طباشير، تلقين وإملاء، حوار عمودي...) ما يخلق لدى الطفل/التلميذ نوعا من الاستخفاف بطرق التدريس وأدواته، وبالتالي لاتشبع رغبته وطموحه بل تقوي لديه الشعور بتخلف المدرسة عن محيطها ما يؤثر على مستوى المردودية والتحصيل الدراسي".