نوه النقاد المغاربة المشاركون في المائدة المستديرة حول "حقوق الإنسان في السينما المغربية" بالأعمال السينمائية المغربية، التي تناولت في السنوات الأخيرة مواضيع مرتبطة بحقوق الإنسان بشكل مباشر ملصق المهرجان من مثل الأفلام التي تناولت سنوات الجمر والرصاص في المغرب، أو الأفلام التي تناولت مواضيع اجتماعية وإنسانية لا تحيد عن حقوق الإنسان، من مثل الأفلام التي تحدثت عن المرأة وعن أطفال الشوارع المشردين، وعن القهر الاجتماعي، كما تباينت آراء المشاركين حول القيمة الفنية والجمالية لكل تلك الأعمال السينمائية، التي ركز الكثير من المخرجين السينمائيين فيها على الموضوع على حساب الشكل السينمائي، أي الصورة الفنية، لأن السينما صورة بالأساس، ودعوا المخرجين إلى أن يحرصوا على جمالية أفلامهم، ما دامت تعتمد على التخييل بالأساس. وأوضح المشاركون في هذه المائدة المستديرة، التي كانت منطلق أشغال الدورة الثانية للقاءات المتوسطية حول السينما وحقوق الإنسان، التي نظمها المجلس الوطني لحقوق الإنسان بالرباط من 6 إلى 9 أبريل الجاري، بشراكة مع مجلس الجالية بالخارج، والمركز السينمائي المغربي، أن مواضيع حقوق الإنسان ليست بالهينة، وأن المشتغل عليها يجب أن يكون ملما بجميع حيثياتها وتفاصيلها ومواثيقها الدولية، حتى يتمكن من بناء خطاب سينمائي حقوقي مرتبط بالأبعاد الكونية، وأشاروا إلى أهمية الدعم في هذا المجال، لكنهم حذروا من حدوث نوع من الوصاية أو التوجيه لدى المخرج لأن ذلك كله سيخل بالعمل السينمائي، الذي يعد عملا إبداعيا بالدرجة الأولى، ومرتبطا بالإنسان وبالمنظومات المجتمعية ثانيا، خاصة أن حقوق الإنسان كانت حاضرة في السينما المغربية منذ البدايات، ونوهوا بفيلم "السراب" للمخرج الراحل أحمد البوعناني، الذي ضم هواجس المجتمع المغربي ومشاكله، التي لا تحيد عن حقوق الإنسان، وذكروا بالمزالق التي عرفتها الأفلام التي تناولت القضية الفلسطينية، والتي أساء أغلبها للقضية أكثر مما خدموها. وفي الورقة الافتتاحية لهذه المائدة المستديرة، التي عرفت مشاركة كل من المخرجة فريدة بليزيد، والنقاد الفنيين: محمد كلاوي، ومحمد باكريم، وحمادي كيروم، وعبد اللطيف أعميار، ذكر حميد الكم مسير الجلسة أن "المشهد السينمائي المغربي عرف في العشر سنوات الماضية، تطورا مهما، ولامس العديد من القضايا ذات الصلة المباشرة وغير المباشرة بحقوق الإنسان، وساهم في كسر جدار الصمت عن بعض الطابوهات، من خلال عرضها في أشرطة قصيرة أو طويلة، أو وثائقية". وأضاف الكم أن الإنتاج السينمائي المغربي في ظل التغيرات والإصلاحات، التي يشهدها المغرب اليوم، مطالب بإدماج حقوق الإنسان في هذا الإنتاج عبر استحضار مبادئ وقيم حقوق الإنسان في الكتابة السينمائية )السيناريو والحوار(، وتخصيص أشرطة خاصة للتعريف بحقوق الإنسان وإشاعتها بين الناس، وإعمال مبدأ المساواة، وتكافؤ الفرص، وعدم التمييز في الإنتاج السينمائي )حضور النساء، والأطفال والأشخاص في وضعية إعاقة في المشاهد السينمائية(، وتخصيص حيز زمني ملائم لحقوق الإنسان في البرمجة والتنشيط السينمائي )المهرجانات الدولية، والوطنية، والمحلية، وفي القاعات السينمائية....(. المخرجة فريدة بليزيد، صاحبة فيلم "باب السماء مفتوح" 1988، و"الدارالبيضاء يا الدارالبيضاء" 2003، الذي تناولت فيها مسألة الاعتقال السياسي بالمغرب، ذكرت أن السينما المغربية هي سينما المؤلف بالأساس، فإذا لم تتحدث عن حقوق الإنسان بشكل مباشر، فإنها تناولت أوضاعا اجتماعية للمرأة والطفل لها علاقة غير مباشرة بحقوق الإنسان، وقالت إنه على السينمائيين المغاربة العمل على إثارة مواضيع مهمة مرتبطة بمجال حقوق الإنسان مثل الرشوة، والظلم، و"الحكرة"، وغيرها من المواضيع، التي ستساعد السينما المشتغلين عليها في تسليط الضوء عليها، وتغيير العقليات. أما الناقد السينمائي محمد باكريم فركز في كلمته على قوة السينما والدور الذي يجب أن تلعبه في المجتمع، مشيرا إلى أن قوة السينما تكمن في تصوير اللامرئي، وفي فضح المسكوت عنه. وقال إن السينما المغربية كانت على الدوام متأثرة بأسئلة حقوق الإنسان، وكانت تتناولها بشكل غير مباشر، لكن بعد التغيرات، التي عرفها المجال الحقوقي بالمغرب، وجلسات الاستماع لهيئة الإنصاف والمصالحة، انخرط الإنتاج السينمائي، أيضا، في التوثيق لهذه المرحلة من تاريخ المغرب، ما أعطى دفعة قوية للسينما المغربية، التي رأى الملاحظون في أنها تعود إلى اعتمادها على سيناريو القرب، والمواضيع الإنسانية. وأضاف باكريم أنه بعد سنة 2000 عرفت السينما المغربية انعطافة مهمة، وظهرت أعمال من مثل "ماروك" لليلى المراكشي، و"حجاب الحب" لعزيز السالمي، أثارت الكثير من الجدل في المجتمع، وكانت فيها السينما مؤشرا اجتماعيا، كما ظهرت أعمال اشتغلت على الذاكرة والتخييل في مجال الاعتقال السياسي، وأعمال توثيقية من مثل "الأمكنة المحرمة" لليلى كيلاني، الذي اشتغلت فيه على جلسات الاستماع، وعلى شخصيات مغمورة، وحصلت من خلاله على الجائزة الكبرى في مهرجان الفيسباكو بواغادوغو، في حين لم يحظ بأي اهتمام في المغرب. من جهته تساءل الناقد محمد كلاوي عن القيمة الفنية والجمالية للأعمال السينمائية المغربية التي تدخل في إطار حقوق الإنسان، وقال إن الأفلام التي ظهرت في المغرب أدت إلى تحسن المنتوج السينمائي على المستوى التقني، لكن على المستوى الجمالي فما زالت هناك أشواط كبيرة أمام المخرجين المغاربة لتحقيق ذلك، مشيرا إلى أن "المركز السينمائي المغربي ساهم في الرفع من وتيرة الإنتاج السينمائي المغربي، لكنه في المقابل لم يكافئ الجمهور بأفلام مهمة وذات جودة عالية". ومن خلال نموذجي "الغرفة السوداء" لحسن بن جلون، و"ذاكرة معتقلة" للجيلالي فرحاتي، تحدث كلاوي عن الاشتغال على تيمة الاعتقال السياسي في السينما المغربية، التي ظهرت بشكل مباشر لدى المخرج حسن بن جلون، وبشكل غير مباشر لدى المخرج الجيلالي فرحاتي، الذي نجح، برأيه، في نقل قساوة عملية التذكر إلى الجمهور. أما الناقد حمادي كيروم فذكر أن الاشتغال على المنظومة الحقوقية في المجال السينمائي بالمغرب ليست وليدة اليوم، وأن المنظمة المغربية لحقوق الإنسان اشتغلت عليها في ثمانينيات القرن الماضي، لكنها لم تستمر للأسف، وركز حديثه على فيلم "أشلاء" للمخرج حكيم بلعباس، الذي أطلق العنان للكاميرا، وتركها تسرق لحظات إنسانية معبرة، محملة بأسئلة حقوق الإنسان، وكيفية محاربة القهر والظلم. ومن جهته ذكر الناقد عبد اللطيف أعميار أن مساءلة السينما المغربية وحقوق الإنسان ستوقع المتتبع في مطب تصنيف الأفلام وتنميطها، في حين أن السينما تنفلت من التنميط، كما أنها بطبيعتها ليست وثيقة أو أرشيفا بقدر ما هي صورة جمالية وخطابا سينمائيا فنيا.