زارت "المغربية" فقهاء، يمارسون الشعوذة، في كل من الدارالبيضاء ومراكش، واكتشفت لغز الأساليب الخادعة، التي يعتمدونها للتأثير على عقول زبنائهم، من مغاربة وأجانب، مقابل أجور تتراوح بين 10 دراهم و14 مليون سنتيم!! "إلهام. ن" (27 سنة)، موظفة بقطاع عمومي، أول حالة التقت بها "المغربية" على مشارف باب "الفقيه الصحراوي" بالمدينة القديمة بالدارالبيضاء، ذكرت أنها لا تجد حرجا في الذهاب عند "فقيه الحومة" من أجل أن يصف لها وصفة مكونة من الأعشاب، أو البخور، التي تريح النفس بعد استنشاقها لها، موضحة بعد أن قرصت على شفتها السفلى، وسحبت سحابة حقيبتها الجلدية.."أنا امرأة مريضة بالفشل الكلوي، جربت كل الطرق والأدوية الطبية والفحوصات بالأشعة في أكبر مستشفيات البلاد، دون نتيجة.. نصحوني العيالات نجي عند هاد الفقيه، علّ وعسى يجيب الله على يدو الشفاء"، مستطردة كلامها بوجه شاحب وعلامة الإرهاق مرسومة على جفونها.. "عطاني واحد العشبة سميتها هراس الحجر، والزبيب اليمني، وشي زريعة صحراوية نشربها مع أتاي، واليوم أنا جاية عندو باش نشوف آش غادي يقول ليا ثاني"، وكيف تجدين حالتك الصحية قبل وبعد زيارتك للفقيه هذا؟ تستفسر "المغربية" إلهام، مجيبة، بعد أن هرشت بظفرها حاجبها الأيسر، قائلة "في الحقيقة لا فرق.. فقط أحاول عدم قطع حبل التفاؤل، والتمسك ببارقة أمل العيش في الشفاء.. وفعل أي شيء بغية البقاء على قيد الحياة". الرغبة في العيش، ومصارعة تيار المرض بلا أدرع، والسعي بين صفا الأطباء ومروة "الفقهاء" هي الحالة الإجمالية لإلهام، المتخبطة ذات اليمين وذات الشمال في فلك الهُلاك والأحياء. شاهد على العصر يجمع العديد من الناس على أن المشعوذين هم "كفرة وزنادقة" و"قاطعين يديهم من رحمة الله"، ويلعبون على حبل الكذب، كقولهم إن هناك أحاديث نبوية توصي بأن جلد النمر وريش النعام فيهما دواء للأبرص أو الأبهق"، مؤثرين بذلك على عقول السذج والواهمين من الذين يترددون عليهم، إضافة إلى ممارسة أفعال "الشياطنية" كالتوضؤ ب "البول"، وكتابة وقراءة السور القرآنية بطريقة مقلوبة، والاستحمام بدماء الضبي الصحراوي، بغية السيطرة على جن أو شيطان.. أمور قادت "المغربية" لاستكشاف أعمال أحد المشعوذين عن كثب، بدوار الكدية، بمدينة مراكش. "ل. س" (56 سنة) أسر لنا، بعد مد وزجر في الحديث معه، مشترطا عدم ذكر اسمه، أنه دخل إلى كهنوت الشعوذة واتخاذها مهنة له، يدر من خلالها أمولا تعد بالملايين، منذ أن كان يدرس بمسجد عتيق، نواحي تارودانت، بعدها حصل، بمعية بعض أبناء جلدته، على كتب مشرقية، من جهات لم يفصح عن مصدرها، من قبيل كتاب "السنان بين الإنس والجان" وكتب الدمياطي، لاستخراج الكنوز من باطن الأرض، فتعلموا كيفية كشف "الخط الزناتي"، واللعب ب التراجيم والطلاسيم، وقراءة الأكف والفناجين، مستفيضا في سرد سيرة حياته "الشعوذية"، بعد أن جلس على فروة أضحية العيد، ضاما رجليه إلى خصره، وناثرا بعض البخور على جميرات مجمره الملفوف بسلك من نحاس رفيع، قائلا "كثير من الناس يرون أن الفقيه هو مجرد نصاب ومحتال على عقول وجيوب زبنائه، وهذا صحيح، لأن "لي حافظ جوج ديال الحروف من عند شي طالب بغى يولي يفك السحور ولا يركبو"، مستطردا كلامه "هاد الحرفة راها عندها القواعد ديالها، وليس مجرد قْوالب". بحالاش هاد "القوالب"؟ تسأل "المغربية". يجيب (ل. س")، بصوت مرتجف ينم عن عدم رغبته في ذكر تلك الطرق الخادعة، لكن، بعد اصرارنا، قال "مثلا، تدواب الشمع فالغطا ديال الطاجين مع بعض خصلات ديال شعر"، وهذه الطريقة يقوم بها أغلب السحارة لتبطيل مفعول السحر، إذ يخيل للمرء أن سحره يذوب ويختفي من بدنه، كما هو الحال في الغطا ديال الطاجين.. ثم هناك طريقة أخرى تتمثل في تذويب قطعة من الرصاص في إناء معدني وغطسه في دلو ماء بارد، كي يتجمد، وبعد ذلك يجري قراءة الطالع من خلال التأمل في قطعة الرصاص، التي تحولت إلى "لدون" وهذه العملية ملتصقة أكثر ب "الشوافات" موالين الفال". زبناء من كل فج عميق يتعدد زبناء "ل. س" من أناس فقراء، وأصحاب المال والجاه، من مختلف المدن المغربية، وكذا الدولية منها، يقصدونه على نحو التبرك به، بحيث يصف لهم وصفات سحرية تكون أغلب مقاديرها من بخور أو جلد، أو ريش، أو أطراف حيوانات، مثل الضبع والهدهد والبوم.. إضافة إلى تمائم وحروز تقيهم من سهام العين والحسد. يتقاضى صاحبنا أجرا يسمى "الفتوح"، يقدر مابين 10 دراهم إلى ما فوق 14 مليون سنتيم، كل حسب "غراضو"، فقبل حوالي شهرين، زاره رجل خليجي، طالبا منه أن يصطحبه هو وفقيه سوسي آخر إلى دولة الكويت، بغية صرع امرأة من الجن، في محافظة الجهراء، يكشف "ل س" أن الأخير طلب منه 10 ملايين كعربون ومسائل السفر من تأشيرة وتذكرة الطائرة، أن يكونا جاهزين، كي يذهب إلى هناك، مردفا كلامه، في ضحكة ما فتئت أن فارقت فكه العلوي، وهو يتناول كتابا أكل الدهر عنه وشرب، من على كرسي محاذ ل "هيدورة جلوسه"، "هاد الخليجيين ماكايعرفو فالمغاربة غير أنهم كايصرعو الجن". مولات الكارطة غير بعيد عن دوار الكدية بمراكش، اتجهت "المغربية" إلى جامع الفنا، مكان الاستجمام والثراث الثقافي الشعبي، والضحك والفرجة، وكذلك قراءة الطالع وضريب الفال، عند الشوافات". "الحاجة خدوج"، إحدى هؤلاء الشوافات، جلست على قطعة من (الكرطون)، اقتربت من معانقة الأرض، مستظلة بمظلة قضبانها انتبتها ثعلبة الصدأ، وهي تأرجح بين كفيها الضخمتين أوراق الكارطة، مغمغمة بكلام مبهم لا يكاد يسمع منه سوى اسم الله تعالى.. طلبت من "إلياس"، زبون حل عندها، بعد أن قسمت "الكارطة" إلى ثلاث مجموعات، أن يضع يده فوق كل مجموعة، ويقول على التوالي "ها قلبي"، "ها تخمامي"، "ها باش ياتيني الله"، وبسرعة البرق فعل إلياس ما أومر به، لتبدأ "الحاجة خدوج" بتلاوة طالعه وحظه، بكلام يقطر عسلا، تقول "شي مرض خايب غادي تمرض بيه، والطريق لي قدامك ما واضحاش.. فيها ناس مزيانين وناس ما عرفتش أش نقوليك.. نقوليك عديان نقوليك صحاب.. ولكن برضات الوالدين، وجاه النبي والأولية الصالحين، غادي تغلب عليهم"، عينا إلياس الكليلتان بدأتا تجمعان صبيبا من الدموع، موشكة على أن تنهمر على خذه، لكن أسارير وجهه بدأت تنشرح، بعد سماع "الفال الزين من عند الشوافة"، في سرد غير متناه لطالعه المتأرجح ما بين السلب والإيجاب. "غادي تزوج واحد بنت الحلال، اللي غادي تولد ليك شي تريكة صالحة"، قاطعها إلياس بسؤال أكثر إلحاحا، "منين هاد البنت؟"، مجيبة وهي تتأمل في ورقة "السوطة ديال الكوباس" يمكن وجدية، ويمكن كرسيفية..". "اللعب بالكلام، والكلمة الحلوة، واستعمال المحسنات البديعية في خطاباتهم من سجع وجناس، وطباق، هي أسرار بعض السحرة والمشعوذين، الذين يستعملونها ويسمعونها، لأحد راغب في الترويح عن نفسه، وسماع كلام يعطيه قوة، ويشحن بطارية حياته من جديد"، تكشف "الحاجة خدوج" ل "المغربية".