يحتفل الشعب المغربي، ومعه أسرة المقاومة وجيش التحرير ورجال الحركة الوطنية، اليوم السبت، بالذكرى67 لانتفاضة 29 يناير 1944، التي تؤرخ لمرحلة مشرقة من نضال العرش والشعب ضد حملات التنكيل والتقتيل، التي مارستها سلطات الحماية لقمع الحركة الوطنية. واندلعت هذه الانتفاضة تأكيدا لمضامين وثيقة المطالبة بالاستقلال، واستنكارا لكل الأساليب العدوانية، التي استعملتها سلطات الحماية، لثني الحركة الوطنية عن كفاحها ومطالبتها المشروعة بالحرية والاستقلال. ففي مثل هذا اليوم من سنة 1944، خرجت حشود من الجماهير الشعبية من قلب مدينة الرباط، منددة بإقدام سلطات الحماية على اعتقال زعماء من الحركة الوطنية، وبلغ صدى هذه المظاهرات ولي العهد آنذاك جلالة المغفور له الحسن الثاني، قدس الله روحه، وهو داخل المعهد المولوي، فتخطى سوره والتحق بصفوف المتظاهرين . وأمام حملة القمع الاستعمارية، التي تلت تقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال، ألح رمز المقاومة جلالة المغفور له محمد الخامس، قدس الله روحه، على الإفراج عن جميع المعتقلين، لكن سلطات الحماية استغلت مقتل أحد الأوروبيين لتطوق المدينة، وتقوم بإنزال قواتها، وتطلق النار على المتظاهرين، الذين دافعوا عن أنفسهم بكل شجاعة واستماتة، ما خلف شهداء رووا بدمائهم شجرة الحرية، ومعتقلين صدرت في حقهم أقسى الأحكام. وكان لحاضرة سلا المجاهدة، إسهام بارز في هذه الانتفاضة العارمة، التي اندلعت مواجهة للغطرسة الاستعمارية، ومؤيدة لمضمون وثيقة المطالبة بالاستقلال، ودفاعا عن مقدسات الوطن، حيث هب وطنيون أفذاذ من هذه المدينة في انتفاضة تاريخية، مخترقين شوارعها، متحدين قوات الاحتلال وهجومها الشرس، الذي أدى إلى سقوط شهداء أبرار، ضحوا بأرواحهم فداء للوطن، تغمدهم الله بواسع رحمته وأسكنهم فسيح جناته. وامتدت المظاهرات لتشمل مختلف المدن المغربية، مثل فاس، ومكناس، ومراكش، وغيرها من المدن الأخرى. وتسارعت الأحداث لتحتدم المواجهة بين الوجود الاستعماري والقصر الملكي، إذ أقدمت سلطات الحماية في 20 غشت 1953، على نفي بطل التحرير، وأسرته الملكية الشريفة، في محاولة يائسة لإخماد الروح الوطنية. وتأججت شعلة الكفاح الوطني لتنطلق المقاومة المسلحة والمظاهرات العارمة وعمليات جيش التحرير، إلى أن تحققت إرادة العرش والشعب، وعاد رمز المقاومة جلالة المغفور له محمد الخامس منصورا مظفرا من المنفى إلى أرض الوطن، في 16 نونبر1955، رفقة شريكه في الكفاح جلالة المغفور له الحسن الثاني والأسرة الملكية، حاملين بشرى انتهاء عهد الحجر والحماية وبزوغ فجر الحرية والانعتاق. وحظيت هذه الملحمة البارزة والمحطة التاريخية المهمة في تاريخ الشعب المغربي بعناية موصولة واحتفاء دائم ومستمر، ومن ذلك تنظيم مهرجان كبير بمناسبة الذكرى الخمسين، إذ تفضل جلالة المغفور له الحسن الثاني فأناب عنه سمو ولي العهد آنذاك، جلالة الملك محمد السادس لإزاحة الستار يوم 29 يناير 1994 بساحة مسجد السنة بالرباط، والبرور الموصول بشهداء وأبطال هذه الملحمة الخالدة، وتخليد ذكراهم إكبارا لتضحياتهم الجسام وأعمالهم الجليلة، دفاعا عن عزة وكرامة الوطن، بقيادة العرش العلوي المجاهد.