تكشف وكالة الأنباء الفرنسية (فرانس برس)، مع مطلع كل شمس، عن قناع وجهها الحقيقي، وهو ممارسة مهنة الصحافة من داخل منطقة الانحياز واللاموضوعية، وتزييف الحقائق، أو الاكتفاء بأنصافها في أحسن الأحوال، ويتجلى هذا الخط التحريري المبتكر لهذه الوكالة العالمية، أكثر فأكثر، حين تتعامل مع المغرب، ومع قضاياه الوطنية العادلة. حينما يقرأ قارئ ما تكتبه "فرانس برس"، يكتشف للتو اللعبة، التي تخوضها ضد قضايا المغرب، ويدرك جدلية الصراخ والصمت، في الخط التحريري، الذي تطبقه هذه الوكالة إزاء المغرب. فالصراخ حين يتعلق الأمر بقلب الحقائق، وتزييف الوقائع، بل والكذب في بعض الأحيان، والصمت حين يحتم السلوك الصحفي السليم نقل ما أنجزه وينجزه المغرب على الأرض، في كافة المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والحقوقية، وأحيانا كثيرة في قضايا مهمة تتعدى النطاق الوطني، وهو ما تتعاطى معه، وتنقله كافة وسائل الإعلام العالمية، إلا وكالة "فرنس برس"، التي تخوض في واد آخر: الإساءة إلى المغرب. قال شاعر عربي كبير، ذات يوم، "خيول الروم أعرفها وإن يتبدل الميدان". ولذلك، حين يقرأ قارئ أخبار "فرانس برس"، يعرف من أوحى بها إلى الصحافيين المحررين، خاصة في مكتبها بالجزائر العاصمة. لكن، أليس دور رئاسة التحرير المركزية في "فرانس برس" هو مراجعة الأخبار قبل بثها على النشرة، أم أن هذه القاعدة المهنية لا تطبق على "الأخبار" حول المغرب؟. كيفما كان الأمر، يجدر بالوكالة، "الأكثر مهنية في العالم"، أن تنظر إلى وجهها في المرآة، كل صباح، لعلها تكتشف، وتعالج، إن بقي في الوقت متسع، ما أصابه من اعتلالات، وتجاعيد مهنية غائرة. بالأمس، غضت "فرانس برس" الطرف، وما تزال، عن الاعتقال والتعذيب، الذي تعرض له مصطفى ولد سلمى، من طرف "البوليساريو"، فوق التراب الجزائري، لمجرد أنه جهر برأيه، المؤيد لمقترح الحكم الذاتي في الصحراء المغربية، كما غضت الطرف عن المنع، الذي تعرض له والد مصطفى ولد سلمى، وشقيقه، من طرف السلطات الجزائرية، يوم الاثنين الماضي، حين رفضت هذه الأخيرة السماح له بالتوجه إلى مخيمات تندوف، لتفقد أحوال عائلة ابنه. أليس هذا حقا إنسانيا تكفله كل المواثيق الدولية؟ لماذا لم تتحدث "فرانس برس" عن محنة هذا الشيخ الطاعن في السن، بمطار الجزائر العاصمة، وهو قريب إلى مكتبها هناك. بالأمس القريب أيضا، جاء المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة، المكلف بملف الصحراء، كريستوفر روس، في زيارة إلى المغرب، في إطار جولته الأخيرة إلى المنطقة، وهي الزيارة، التي استقبل خلالها من طرف صاحب الجلالة الملك محمد السادس. غير أن وكالة "فرانس برس"، وهي تتحدث عن لقاء السيد روس بالأطراف الأخرى، سمت المدعو محمد عبد العزيز المراكشي، زعيم الانفصاليين، " رئيسا لجمهورية..."، تلك الجمهورية الوهمية، التي لا وجود لها فوق الخريطة، اللهم في مخيلة صناع الخرافات والأساطير. وهكذا تجري ترقية زعيم طغمة "البوليساريو"، من طرف "فرانس برس"، إلى مرتبة "رئيس"، في غفلة من القانون الدولي، وضدا على الأممالمتحدة. فما الفرق إذا بين وكالة "فرانس برس"، التي تجرها العناصر"الصحفية" (كذا)، المدسوسة في مكتبها بالجزائر العاصمة، إلى ارتكاب الكبائر، وبين وكالة الأنباء الجزائرية، التي تنفث سمومها يوميا؟ ما الفرق بينها وبين بعض الدوائر المعروفة في الإعلام الإسباني، التي تبيع ضميرها المهني بثمن بخس، لتجهر بعدائها إلى المغرب؟. لكن لقائل أن يقول إنه قد يكون لهذا التحامل المريب على المغرب وجه آخر، وهو أن يكون مكتب "فرانس برس" بالجزائر العاصمة، بمن فيه، مغلوبا على أمره، لا يتمتع بأي حرية في الحركة، ولا في البحث عن المعلومة الصحيحة، أمامه خطوط حمراء مفروضة عليهم، يمتثلون لها حينما يتعلق الأمر بالمغرب، وبقضية الصحراء المغربية، ولذلك، فهم يكتفون باللقمة، التي تأتي إلى أفواههم سائغة، مسمومة، ولذلك، أيضا، تأتي النسخة في "فرانس برس" طبقا للأصل، كما جاءت في الوكالة الجزائرية، والوكالة الوهمية التابعة. فهل ترضى الوكالة العالمية المهنية الكبرى، بعد هذا، أن تمشي في طابور وراء الوكالة الجزائرية ومن معها؟ وإلا لماذا لم تتحدث وكالة "فرانس برس" عن اعتقال الأجهزة الأمنية الجزائرية لصحافيين مغربيين، بمطار تندوف، جنوبالجزائر، كانا توجها إلى هناك لتغطية وصول مصطفى ولد سلمى، عائدا من السمارة إلى مخيمات تندوف. لماذا لم تلتفت هذه الوكالة إلى الصحافيين المغاربة، الذين منعتهم السلطات الإسبانية، في الآونة الأخيرة، من الدخول إلى سبتة ومليلية، لتغطية الاحتجاجات الاجتماعية، التي اندلعت بهاتين المدينتين المغربيتين المحتلتين. أليس من صميم المهمة الصحفية لوكالة الأنباء الفرنسية الإخبار عما تعرض له هؤلاء الصحافيون المغاربة، من إهانات وتعنيف شفوي مخل بالكرامة، من قبل الأمن الإسباني في الثغرين المحتلين. هذا غيض من فيض مما ارتكبته "فرانس برس" في حق مهنة الصحافة، التي هي، قبل كل شيء، رسالة لتنوير الرأي العام، وليس العكس. أما إذا شئنا المزيد، فلننظر إلى معالجتها المغلوطة والمتحيزة للأحداث، التي شهدتها مدينة العيون وضواحيها، يوم الاثنين الماضي، والتي جرى التعامل معها بشكل منضبط في إطار القانون، وهي، كما شهدت بذلك وسائل إعلامية عالمية، أحداث ذات طابع اجتماعي محض، غير أن وكالة "فرانس برس"، خاصة مكتبها بالجزائر، وضعت على عينيها نظارة سوداء حجبت عنها نور الحقيقة الساطعة لكل ذي بصيرة. وبذلك، انضمت إلى الجوقة المعادية للمغرب، التي تتقدمها، من جهة، وكالة الأنباء الجزائرية، ومن جهة أخرى، بعض وسائل الإعلام الإسبانية، ومنها صحيفة "إلموندو"، التي نفخت في حصيلة أحداث العيون، وكتبت، زورا وبهتانا، ضمن تقرير لها، ينتمي إلى الخيال العلمي الرديء، بأن الحصيلة بلغت 19 قتيلا، ومئات الجثث مجهولة الهوية، وهو افتراء لا يردده إلا أعداء المغرب، الذين يحركهم حقد دفين. إن القول بأن قراءة الوكالة الجزائرية، في ما تكتبه عن المغرب، يغني عن قراءة وكالة "فرانس برس" ليس عبثا. صباح يوم الجمعة 12 نونبر الجاري، بثت الوكالة الفرنسية "خبرا" عن مصادرها المفضلة في البوليساريو، تقول فيه بسقوط عشرات الضحايا، وجرح أربعة آلاف و500 شخص، وهذا ما تبثه الوكالة الجزائرية. إن الحصيلة الوحيدة هي تلك التي أعلنت عنها السلطات المغربية، وهي مقتل عشرة من رجال الأمن، من القوات المساعدة والدرك الملكي والوقاية المدنية، سقطوا شهداء دفاعا عن أمن وطمأنينة المواطنين، وحرمة الوطن، مع وفاة أحد المصابين، خلال تدخل قوات الأمن، الاثنين الماضي، لتحرير المواطنين، الذين كانوا محتجزين بمخيم "كديم إيزيك" بالمدينة ذاتها، توفي متأثرا بجروحه، فيما فتح تحقيق قضائي، لمعرفة ملابسات وفاة شخص واحد دهسته شاحنة، خلال أعمال العنف. ثم، لماذا دست وكالة "فرانس برس" رأسها في الرمال، عندما تعرض مواطنون مغاربة لاعتداءات آثمة، من طرف متظاهرين موالين ل "البوليساريو"، قاموا بأعمال شغب وعنف أمام القنصليات المغربية في إسبانيا، تزامنا مع أحداث العيون. لماذا لم تنبس ببنت شفة، حينما تدخلت الشرطة الإسبانية لتفريق مثيري الشغب أنصار "البوليساريو"، واعتقال ثلاثة منهم، خلال اعتدائهم على تمثيلية، وقنصليات مغربية بإسبانيا . إن المغرب، وهو يخطو بخطى ثابتة، وبثقة كاملة في النفس، على درب تكريس نموذج تنموي فريد في المنطقة، قائم على الديمقراطية، ودولة القانون، وحقوق الإنسان، والمساواة، وتحقيق الرفاه الاجتماعي والاقتصادي، من خلال مشاريع مهيكلة ضخمة، وأوراش الإصلاح السياسي، وفي مقدمتها الجهوية الموسعة، التي ستنطلق من الأقاليم الجنوبية للمملكة، إنما ينخرط في منطق العصر، وفي الدينامية التي تفرضها الحداثة، المتقدمة دوما إلى الأمام. تلك الدينامية التي تفرض، أيضا، الانخراط في السياق الدولي، والحضور الفاعل، والمؤثر على صعيد القضايا العالمية الكبرى. وهذا النهج، الذي اعتمده المغرب، معروف ومشهود به، ومحط إشادة على الصعيد الدولي. أما إذا اختارت وكالة "فرانس برس" محاولة التعتيم على كل ذلك، والاكتفاء بالتغطيات المغلوطة، والأخبار الموجهة، وأنصاف الحقائق، فإنها تؤكد، بوضوح، انضمامها إلى من تحركهم أجندة معادية للمغرب، وهو ما يجعلها تتحمل المسؤولية المهنية والأخلاقية الكاملة في ذلك.