يعد المنتزه الوطني ل"تلسمطان"، بمنطقة شفشاون، أحد أكثر المواقع، التي تكشف غنى التنوع البيئي بالمغرب، خاصة أن تنمية السياحة البيئية تحظى بالأولوية في هذه الربوع، التي تكتنز توازنات بيئية فريدة من نوعها على المستوى المتوسطي.مدينة شفشاون (أرشيف) يتسم المنتزه الوطني لتلسمطان، الممتد على مساحة 58 ألف هكتار، بالطابع الجبلي الرائق والمناظر الخلابة، التي تميز سلسلة جبال الريف، فضلا عن كونه الموقع الطبيعي الوحيد في المملكة الذي يضم تشكيلات لشجر الأرز تشغل مساحة تقدر ب3 آلاف هكتار، إلى جانب 1380 فصيلة نباتية. ولعل روعة هذا الموقع والاهتمام المتزايد الذي يحظى به تتناغم مع الشعار المرفوع احتفاء باليوم العالمي للسياحة (27 شتنبر) "السياحة والتنوع البيئي". وفي هذا السياق، نظمت المندوبية السامية للمياه والغابات ومحاربة التصحر، التي تسعى إلى جعل هذا المنتزه نموذجا يحتذى، خلال الأسبوع الجاري، زيارة لفائدة ممثلي وسائل الإعلام. ويعد منتزه تلسمطان موقعا ايكولوجيا بامتياز، إذ يضم أزيد من 35 فصيلة من الثدييات، مثل «قردة باجو»، التي تستوطن المغارات العديدة المنحوتة داخل الجبال. كما أن المنتزه يعتبر نواة أساسية في مسلسل المحافظة على التنوع البيولوجي، بالنظر لما يتمتع به من تنوع حيواني. ويتضح هذا الأمر بجلاء من خلال تعدد فصائل الطيور، إذ يضم الموقع 100 فصيلة، من ضمنها بعض الأنواع الفريدة مثل "النسر الملكي". وتعد الجولات، سواء مشيا أو على صهوات الجياد، من الوسائل المفضلة لاستكشاف مكامن الجمال في هذا الفضاء الجبلي الخلاب، والتعرف على نمط الحياة القائم فيه، والذي يعتمد بشكل أساسي على الموارد الطبيعية للموقع. ويتمحور العرض السياحي البيئي للمنتزه على شبكة للمآوي القروية المحدثة بالدواوير، التي يتولى السكان تسييرها وكذا مسارات سياحية وجولات وشبكة من المرافقين ذوي الاطلاع الواسع بالمنطقة وبعاداتها المحلية. ثروة سياحية وفي مسعى بيداغوجي، اغتنمت المندوبية السامية للمياه والغابات ومحاربة التصحر، اليوم العالمي للسياحة، لإبراز أهمية السياحة البيئية نظرا للارتباط الوطيد بين التنوع البيئي كرصيد ذي قيمة طبيعية، ثقافية، جمالية وسياحية، والسياحة البيئية كعامل لتثمين هذا التنوع. وفي هذ السياق، أوضح المدير الجهوي للمياه والغابات ومحاربة التصحر، إدريس مصباح، أن العمل بالنسبة لمنتزه تلسمطان، يرتكز حول بحث الوسائل الأكثر نجاعة، التي تكفل استثمارا أمثل لمؤهلات المنتزه، والرفع من مساهمته في النشاط السياحي والحفاظ على الثروة الغابوية. وبخصوص الجانب المتعلق بالمحافظة على الغابة، أبرز المصباحي النتائج الأولية لبرنامج المندوبية السامية المتعلق بمكافحة حرائق الغابات برسم سنة 2010، الذي رصدت له ميزانية بقيمة 5 ,20 مليون درهم. وأوضح أن هذا البرنامج، الذي يرتكز على عمل وقائي وتدبير استباقي، مكن من خفض الحرائق بأزيد من النصف، وبمعدل خسارة يقل عن هكتار بالنسبة لكل حريق. من جهة أخرى، وبغية إقامة مواءمة بين المحافظة على الموارد الطبيعية والتنمية السوسيو - اقتصادية والأنشطة السياحية المستدامة للمنتزهات، تبنت المندوبية السامية سياسة تدبيرية، تتمحور حول تقويم التوازنات البيولوجية وإعادة تأهيل الفضاءات المتضررة وتهيئة وتجهيز هذه المناطق وإدماجها في الدينامية السوسيو اقتصادية المحلية والجهوية من خلال أنشطة مدرة للدخل. وتجدر الإشارة إلى أن المغرب يتوفر على 10 منتزهات وطنية ومحميات طبيعية، تمتد على مساحة 5 ,2 مليون هكتار، وتختزن تنوعا بيولوجيا ثمينا ورصيدا إيكولوجيا ومناظر عز نظيرها، كما تتميز هذه المنتزهات الغناء بإنتاجيتها العالية وتوفيرها لخدمات اقتصادية للسكان المحليين من خلال الأنشطة المرتبطة خاصة بتربية النحل. وتعرف السياحة البيئية في المغرب تطورا ملحوظا في الآونة الأخيرة، يدعمه الطلب المتزايد والأهمية الكبرى التي يجري إيلاؤها، من حيث العرض، لهذا النشاط، الذي لا يقل من حيث المردودية عن باقي الأنشطة، بدليل الانتشار الكبير للمآوي المتخصصة في السياحة البيئية، التي تضاعف عددها بثلاث إلى أربع مرات خلال السنوات الأخيرة. قانون جديد باعتماده قانونا جديدا حول المحميات الطبيعية، عزز المغرب آليات مراقبة وحماية البيئة ضمن رؤية تجعل من حماية المجال البيئي مكونا أساسيا في معادلة التنمية المستدامة والتشاركية. وسيتيح القانون الجديد للفاعلين المؤسساتيين المعنيين وللجماعات المحلية والمنظمات غير الحكومية، الفرصة لبلورة مشاريع محميات طبيعية وضمان تسييرها على أساس دفتر للتحملات وكذا تعبئة وضمان الوسائل المالية الضرورية لتنفيذ تصاميم التهيئة والتسيير المعدة سلفا. وسيجري على ضوء هذا القانون تصنيف المحميات الطبيعية إلى خمس فئات تهم «المنتزه الوطني» و"المنتزه الطبيعي" و"المحمية الطبيعية" و"المحمية البيولوجية" و"الموقع الطبيعي"، استنادا إلى تصنيف الاتحاد الدولي للتحفيظ، بغية المحافظة على مآوي مختلف الفصائل الحيوانية وترميمها وتثمين المؤهلات الطبيعية والثقافية. والأكيد أن المنتزهات الطبيعية تعد، في ظل الزحف الإسمنتي ودوامة الحياة العصرية، التي رمت بالإنسان في أتونها، متنفسا ووسيلة لتجديد الوصل بالطبيعة مع استحضار الإسهام القيم لهذه المنتزهات في تنمية النشاط السياحي والتطور الاقتصادي والاجتماعي للبلد ككل.