أن تأتيك فرية من صغير، فتلك مصيبة، أما إذا أتتك من "مراسل" وكالة كبيرة، مشهود لها بالمهنية والعالمية، فتلك طامة كبرى. لقد اكتشف العالم، يوم الجمعة الماضي، فاتح أكتوبر، كيف تحول مكتب وكالة الأنباء الفرنسية (أ ف ب) بالجزائر، إلى بوق للأكاذيب، التي تروجها الجزائر وصنيعتها "بوليساريو". وبالسقطة المهنية والأخلاقية المدوية، التي أوقعها فيها مكتبها بالجزائر، تكون وكالة الأنباء الفرنسية هوت، ربما في غفلة أو سهو من هيئة تحريرها المركزية، لمنحدر سحيق، إلى جانب أبواق الدعاية، التي كانت سائدة في أنظمة غابرة ولت، غير مأسوف عليها. نشرت وكالة (أ ف ب) من الجزائر، يوم الجمعة الماضي، كذبة مفضوحة، اقتبستها من قصاصة نشرتها وكالة أنباء وهمية، زعمت فيها أن أجانب تعرضوا، يوم الأربعاء الماضي، لسوء معاملة بمطار مدينة العيون، في الصحراء المغربية، على أيدي عناصر من قوات الأمن، وهو الخبر الذي نفته نفيا قاطعا السلطات المحلية بالعيون، كما أن هذا الخبر المزعوم لم تتناقله أي وسيلة إعلام أخرى. هكذا، ودون قليل من الخجل، أو ربما بكثير من سوء النية من قبل مراسلها بالجزائر العاصمة، نشرت (أ ف ب) "خبرا مسموما"، دون أن تتحقق من عناصره، ومن صدقيته، ومن أهدافه المبيتة، علما أنها تتوفر على هيئة تحرير كبيرة بمكتبها في الرباط، بل أكثر من ذلك، تتوفر على مراسل في مدينة العيون، المكان المفترض لوقوع الحادث المفترض. إن سلوك الوكالة هذا يدعو إلى الاستغراب والتساؤل، كيف يقع حدث من هذا القبيل في مدينة مغربية، دون أن يكون لمراسل (أ ف ب) فيها علم به؟ كيف يقع ذلك، دون أن يأخذ مكتب الرباط علما به وتغطيته، إذا لزم الأمر؟ وهنا، لا يخرج الأمر عن تفسيرين اثنين لا ثالث لهما، إما ينبغي اعتبار عدم تغطية الحدث المفترض من مكان وقوعه المفترض تقصيرا مهنيا من المراسل ومن المكتب، على السواء، وهو ما نستبعده تماما. لكن نترك، على كل حال، لوكالة (أ ف ب) البت فيه، وإما أن شيئا لم يقع على الإطلاق، وهذا هو الصحيح، فتكون الوكالة نشرت كذبة كبرى، وهذا ما حدث فعلا. إذ كيف لم يخطر على بال الصحافي من الجزائر، أو رئاسة التحرير، أن يطبقا أبسط المعايير الصحفية، وهي مراجعة أكثر من مصدر للتحقق من الأحداث قبل نشرها، كيف لم يخطر ببالهما مراجعة زملائهما في العيون وفي الرباط، للتوضيح والتأكد، كيف لم يخطر ببالهما الاتصال بالطرف الآخر، وهو، هنا، السلطات المغربية، للتحقق لديها من الموضوع، خاصة أن الأمر يتعلق بكذبة تسيء للحقيقة، قبل كل شيء، إساءة كبيرة؟ طبعا لا يمكن أن يخطر ببال أحد أن تغيب هذه القواعد المهنية البسيطة عن ذهن صحافيي وكالة عالمية كبرى، إلا إذا كان الهدف هو الإساءة وترويج الأكاذيب، عن سبق إصرار وترصد. هنا، يمكن للمرء أن يتساءل، مرة أخرى، هل أضحت الإساءة إلى المغرب، بنشر مثل هذه الأكاذيب، عنصرا ثابتا في الخط التحريري لوكالة (أ ف ب)؟ هل تشويه الحقائق حول قضية المغرب الوطنية يندرج ضمن مواقف مسبقة ومبيتة ضد المغرب؟ أم أن الأمر يتجاوز ذلك إلى مواقف بعض صحافييها، الذين لا يتورعون، بين الفينة والأخرى، في نشر ترهات وأكاذيب حول المغرب؟ بالأمس القريب، جاء إلى مدينة السمارة مصطفى سلمى ولد سيدي مولود، المفتش العام لما يسمى "شرطة بوليساريو" في مخيمات تندوف فوق التراب الجزائري، وفي ندوة صحفية أمام ممثلي وسائل الإعلام المغربية والدولية، أدلى مصطفى سلمى، بشجاعة وجرأة، برأيه حول مبادرة الحكم الذاتي في الأقاليم الجنوبية تحت السيادة المغربية، وأكد أن هذه المبادرة تعتبر الحل الوحيد لقضية الصحراء. وشكل هذا التصريح تحولا جذريا، لأنه جاء من داخل "البوليساريو"، الذي ما إن يتخلص أطره وقياديوه من مناخ القمع، الذي يكبت أنفاسهم، حتى يصدحوا بمثل هذه الحقيقة، غير أن وكالة (أ ف ب) لم تعط هذا الحدث الأهمية المهنية التي يفرضها، ولم تتابع بما يكفي من الاهتمام، أيضا، ردود الفعل، التي خلفها هذا الحدث، خاصة أن ولد سيدي مولود تعرض للاختطاف من طرف مليشيات "البوليساريو" فوق التراب الجزائري، كما أنها لم تعر اهتماما لردود الفعل الصادرة عن هيئات ومنظمات دولية، خاصة في مجال حقوق الإنسان، التي نددت بهذا الاختطاف واعتبرته عملا منافيا للقوانين والمواثيق الدولية. فهل كل عدم الاهتمام هذا ناتج عن ضعف في الرؤية، أم عن نقص في الحس المهني، أم هي الأيادي الخفية، التي تستعمل نشرة (أ ف ب) بوقا للدعاية، وترويج الأكاذيب حول المغرب؟