ما هي الانتقادات الكبيرة، التي توجهها الآن لنفسك؟لا أعرف، هل أسميها انتقادات أم ماذا، فكل منا له عيبه ومميزاته، وأنا منغلق بعض الشيء، كما أنني لم أمارس أغلب الأجناس الصحافية، وكذا أغلب الفنون والأشكال الثقافية، مثلا الاستجوابات، لم أمارسها، ومارستها في إطار البحث فقط، مع السي عبد الكريم غلاب، ومع عبد الرحيم بوعبيد في كتابات، لكن في الجريدة، مثلا، لم أنجز استجوابات، ولم أنجز ريبورتاجات، لكنني أنجزت أشياء أخرى. في الأخير، وجدت نفسي أرتاح كثيرا في العمود، وطبعا أنجزت المقالة والدراسة، ومناظرات، إلا أنني لست صحافي تقارير واستجوابات والتقاط الخبر. هذا الجانب ليس لدي، وألوم نفسي بعض الشيء بهذا الخصوص، لأنني منغلق، وقليل الاتصال بالناس، وحتى التنظيم (23 مارس) كان سريا، وتربينا فيه على نكران الذات، والاشتغال دون أن يحس بنا أحد. وبقيت عندنا هذه الميزة، وهي إيجابية من جانب، وسلبية من جانب آخر. بالنسبة لعودتك، من خلال كتابة عمود والإطلالة على القراء في يومية "المغربية"، ومجلة "المشهد"، هل هو تدارك لما فات؟ لم أتوقف قط عن الكتابة، وكتبت في جريدة العرب، واشتغلت بها منذ أن خضت تجربة أنوال، واستمريت، حتى 2005، أكتب فيها باسم العربي الرحالي، وأكتب مقالة أسبوعية تنشر يوم السبت، ثم حوالي ثلاثة إلى أربعة أعمدة أسبوعيا، واستمرت العملية تقريبا مدة 11 سنة. والناس، الذين لا يعرفونني بهذا الاسم، يعتقدون أنني توقفت عن الكتابة. كما كتبت في مجلة أصدرها حسن السوسي، تحت اسم "النضال الشعبي" في لندن، وبعد جريدة العرب، تقريبا في بداية 2006، اشتغلت مع "الخليج" بمقالة أسبوعيا، أي أنني، تقريبا، استمريت في الكتابة دون توقف، لأن العودة إلى الكتابة بعد توقف يكون دائما صعبا، ويلزمه وقت، لاسترجاع زمام الأمور، كما أن التوقف عن الكتابة يجعل من الصعب العودة إليها، إذ تتجاوزك الأحداث، ولا تعود متتبعا لما يجري. وفي الصحافة الوطنية كتبت في "المغربية"، ثم في "المشهد" انطلاقا من هذا العام. لكن كتاباتك في الجرائد الوطنية ظلت محافظة على الطابع السياس. في الحقيقة، أميل إلى التنوع، لكن "المغربية" و"المشهد" يطلبان مني مواضيع ذات طابع سياسي. مثلا، لما كنت أكتب في "العرب" ثلاثة إلى أربعة أعمدة أسبوعيا، كانت الكتابة متنوعة، فيها سياسة وسياحة، وقضايا مغربية وقضايا عربية، ودولية. لكن، في "المشهد" و"المغربية" أحس أنني أميل إلى ما هو مغربي سياسي. لو طلبت منك العودة إلى الاشتغال في الصحافة، لنقل تجاربك للجيل الجديد، أي منبر ستختار؟ لا أحبذ من يقول، مثلا، إن فترتي هي الفترة التي كانت مزدهرة، ولم تعد هناك صحافة. وكذلك الشأن بالنسبة لميادين أخرى، كالرياضة، إذ يدعي البعض أن فترته هي التي كانت فيها الرياضة، أو الموسيقى، كمن يقول إنه هو الرياضي أو الموسيقي الوحيد، فكل جيل عنده إضافات، ونحن لدينا أخطاؤنا وإضافاتنا. والجيل الجديد لديه ما يقول، وهناك عمل، سواء في المغرب أو في الخارج. شيء واحد لم أفعله ولا أحبه، هي الإثارة الرخيصة، وإثارة الانتباه، وهذه الأشياء لا تدوم. طبعا، ألح على الحرية، لكن مع المسؤولية، إذ يجب أن تكون هناك مسؤولية في الإعلام والصحافة. مثلا، كان لدي كنز من المعلومات، إذ أن زوجتي كانت تشتغل في المجلس الأعلى، وتكون على علم بمجموعة من الأمور وكذلك المشاكل الخاصة، ولم يسبق لي أن استغليت هذا الوضع، أو أن دافعت عن زوجتي، فبعض الأخلاق أمر مهم، والمسؤولية مهمة وضرورية. هذا جانب أول، أي المسؤولية في الصحافة، مثلا، أحيانا، تمارس الصحافة الجزائرية تحريضا بئيسا، وتمييزا بين الشعوب، وليس بين شخصين فقط، وهناك مسؤولية كبيرة في ما يتعلق الأمر بخلافات الشعوب، إذ يجب أن يكون الصحفي حذرا ألف مرة. مثلا، لما وجدنا لجنة التعليم تتخاصم في ما بينها، هذا ضرب المفتش، وهذا ضرب المدير، وهم فئة واحدة، قررنا عدم نشر هذه الأمور، لأنها صراعات فئوية. فالمحامون لا يفعلون مثل هذه الأمور وكذا الأطباء لا يتشاجرون في ما بينهم، ورجال التعليم يجب أن يتأملوا في وضعية فئتهم. ألح كثيرا على جانب المسؤولية والأخلاق، وجانب آخر يتعلق بمسألة اللغة. كان عندي انطباع بأن خريجي الآداب يكونون أفضل في الكتابة، وتنقصهم أشياء أخرى للكتابة في الجريدة، وكنت أقترح أن يأخذوها من أهل المعهد العالي للصحافة. مثلا، لدي انتقادات كثيرة لجريدة "المساء"، رغم أنها تعجبني، مقارنة مع "الأحداث المغربية". في "المساء" لا يعجبني العمود، إذ ليس فيه مراقبة، وما أتى به القلم أو اللسان يكتب. كما يفتقد هذا العمود إلى العفة في التعامل مع الناس، فلا أفهم، مثلا، أحدا يتهم عباس الفاسي بأن له ممتلكات كبيرة بالجديدة، لكن، عندما يتحداه الفاسي ويقول له إن أتيت بإثبات على صحة كلامك، فخذ هذه الممتلكات، لا يرد عليه. هذا يعني أن العمود يفتقد للرقابة. وأنا لا أقدر على فعل مثل هذا الأمر. أي من المنابر الإعلامية يمكن أن تختار، إن طلب منك تسيير جريدة؟ هذه الأمور لم تعد تلائم عمري، وسبق لي أن سيرت جريدة "أنوال"، كرئيس تحرير من 1986 إلى 1990، وسيرتها كذلك من بداية 1993 إلى أن توقفت. وكانت عندي علاقات جيدة مع الناس، الذين اشتغلت معهم، ومنهم أحمد نشاطي، الذي كانت علاقتي به جميلة جدا، إذ كان مساعدا لي وأعطيته الحرية، كما وثقت فيه كثيرا، إذ أنني إن لم أثق في شخص لن أشتغل معه، خاصة أنني لست من الأشخاص الذين يراقبون، أو يتابعون الناس، ليعرفوا عدم وفائهم. المشكل المطروح الآن بالنسبة للتسيير هو التعب، خاصة أننا لم نعش مرحلة الشباب، إذ أننا، في سن 18 أو 19عاما، كنا نحلم بالثورة، ولم نبدأ نرتاح إلا في السنوات الأخيرة، ومن هذا الجانب هناك صعوبة. كنت، أيضا، توقع في "أنوال" باسم مستعار، هو أحمد السنبالي، لماذا التوقيع باسم آخر، وما هي دلالات هذا الاسم بالنسبة إليك؟ هذا مشكل كبير في تجربتي، إذ أن أغلب ما كتبت لم يكن موقعا. كما أنني أجريت مناظرات كبرى مع المناضل والباحث الفلسطيني منير شفيق، في بداية الثمانينيات، وكان أحمد السنبالي، الذي هو العربي مفضال، والذي هو أنا، مشهورا. اختيار التوقيع باسم مستعار تدخل فيه عوامل عديدة، فهناك جانب السرية، وجانب التواضع الزائد. وفي الواقع، هذا الأمر لم يكن سليما، لأن الكثير مما كتبت كان يحتسب لأشخاص آخرين، مثلا، غالبا ما كنت أوقع بحرفي أ.س، فكان الناس يقرأونهما أطلسي سعود، ما ساهم في اختلاط الأوراق. هذه الانتقادات الأولى، التي يجب أن أوجهها لتجربتي، وفيها 30 في المائة من تجربتي السرية، وكذا شيء من التواضع. وكنا في وضع له أثره كذلك، وضع اللا تطابق بين المسؤوليات والإنتاج والإنجازات والوضع المادي. مثلا، عرض علي الإخوان في "أنوال" رئاسة التحرير قبل 1986، ورفضت. وبقينا نشتغل بطريقة جماعية. وفي سنة 1986، ألح الإخوان أكثر علي لتولي رئاسة التحرير وقبلت، بشرط عدم إعلان ذلك على صفحات الجريدة، لأنه لم يكن لدي الملابس المناسبة لهذا المنصب، لأستقبل بها الشخصيات أو أجلس بها مع الزملاء، خاصة أن رؤساء التحرير في الدول العربية كانت ملابسهم تتماشى مع ما تحمله كلمة رئيس تحرير من معنى. لهذا، قلت للإخوان في "أنوال": أنا مستعد لتولي منصب رئيس التحرير، لكن سريا. كما أن رئيس التحرير الذي عرفناه في الشرق، مكانته محفوظة ووضعه المادي مريح. ولما كنت رئيس التحرير، لم أكن أتردد في ترك المساحة المخصصة لي في الصفحة الأولى للصحافيين، أو حتى للمراسلين، لما أرى أن مواضيعهم تستحق ذلك. وكان الزملاء يقولون لي إن هذا الأمر لا يصح لأن رئيس التحرير تلزمه مكانة خاصة، لكن أنا رئيس تحرير من نوع آخر وخاص. أما دلالات أحمد سنبالي، فقد نسجتها بطريقة غريبة، إذ كان لدي زميل اسمه السبايلي، الله يرحمه، درس معي، وكان شاعرا موهوبا، واشتغل في مجلة "الثقافة الجديدة" مع محمد بنيس. وفي بدايته المهنية، اشتغل أستاذا، وكان في مقتبل الحياة، واشترى سيارة، ووقعت له حادثة وتوفي. وبقيت أنا مع السنبالي، وأحمد هو أحمد الحجامي. ونسجت هذا الاسم وأصبحت أسيرا له، لدرجة أنني عندما كنت أذهب أحيانا لبعض الندوات، يقدمني الزملاء باسم السنبالي، فيرحب بي كثيرا، في حين، بقي اسم العربي مفضال لا أحد يعرفه. ونشرت، أنا والجراري، كتيبا، والعديد من الحلقات في بدايتي بأنوال باسم أحمد السنبالي. أخيرا، بدأت أضع اسمي من حين لآخر. وفي جريد "العرب"، قصدت التوقيع بالعربي الرحالي، على اعتبار مسؤوليتي السياسية في منظمة العمل الديمقراطي الشعبي، بينما أكتب في صحيفة حرة، وعلي أخذ بعض الاحتياط. ولم أتحرر من هذه الأشياء إلا بعد أن بدأت أكتب في "الخليج"، إذ بدأت أضع اسمي كاملا. أما في "أنوال"، فنادرا ما كنت أوقع باسمي، أو لا أوقع مقالاتي أصلا، وهذا كان خطأ كبيرا. إذا كانت لديك إضافة تود أن تفصح عنها؟ بالفعل، في هذه المدة أصبحت شرسا بخصوص القضية الوطنية، وأوجه انتقادات لاذعة للجمعية المغربية لحقوق الإنسان، كما أن هناك الكثيرين، لم تعجبهم كتاباتي. لكنني أكتب بصدق لأننا نحن عانينا كثيرا، ومنا من كان محكوما عليه بالسجن المؤبد، وبالإعدام، وكنا ندافع عن قضية بلادنا في كل المؤتمرات، الأوروبية وحتى العربية، واعتبرنا آنذاك رجعيين، كما نعتنا بحملة حقائب الحكام، أي أنه لا يقع التمييز بين البلاد وبين الحكام، الذين لهم ما لهم وعليهم ما عليهم، كما أنهم غير دائمين، في حين أن الوطن دائم. فتحنا أعيننا في السياسة مع انفجار قضية الصحراء في السبعينيات، وعشنها خطوة بخطوة. وهناك أمر لم ينتبه إليه الناس، فنحن لما أخذنا عفوا ودخلنا إلى المغرب، وجدنا أنفسنا دون عمل، كما أغلقت الأبواب في وجوهنا. ولم أرو ما عشناه بعد رجوعنا من المنفى، لكننا كنا مرتاحين ومعتادين، وفي المقابل، لما يأتي أحد من تندوف، ساهم في القتل والخراب والعديد من التهم، تقوم الدنيا، وتعقد اجتماعات. وأنا لست ضد الاهتمام بهؤلاء الأشخاص، على اعتبار أنه، سياسيا، يجب على المغرب أن يعتمد على الناس، الذين عادوا من مخيمات تندوف. وأنا مع الاهتمام بهم لأنهم، أيضا، كفاءات، وراكموا تجربة في المجالات، التي اشتغلوا بها دبلوماسيا، ولديهم تجربة مفيدة. لكن، نحن نقول: كل هذا في سبيل البلاد، ولا يشكل أي مشكل بالنسبة لنا. كما أننا نملك تمسكا قويا بالبلاد، لا يفهمه البعيد، الذي لم يعش التجربة، خاصة الآن، وقد أصبحت الأمور سهلة، والمغرب لم يبق معزولا، والاعترافات بالبوليساريو تراجعت كثيرا. كما أن هناك من كان مع جبهة البوليساريو، مثل نايف حواتمة، من الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، وكان مع موقف الجزائر، فتعبنا من مناقشته، وبعد ذلك، غير موقفه، وأصبح يقول إن قضيتكم عادلة، ويتزايد علينا، لكن نحن نعرف البئر وغطاءه. وهناك الكثيرين من يرون أن قضيتنا عادلة، وكنت كتبت لأرد عليهم بمقال عنونته ب"لا يكفي أن تكون قضيتنا عادلة"، وهذا ما أردت أن أشير إليه في تجربتنا، سواء في نشرة "23 مارس" أو في جريدة "أنوال"، إذ كنا نضع دائما القضية الوطنية على رأس أولوياتنا.