استضاف الشاعر ياسين عدنان، في الحلقة الأخيرة لهذا الموسم من برنامجه الثقافي الأسبوعي "مشارف"، الذي يعده ويقدمه على القناة الأولى، الكاتب شعيب حليفي حول محور "المثقف محتجا"الذي تطرق فيه لأسباب تأسيس المرصد الوطني للثقافة المغربية، الذي يرأسه شعيب حليفي، وهو الإطار، الذي جاء نتيجة للعديد من الاحتجاجات لمجموعة من المثقفين والكتاب المغاربة، الذين دعوا إلى إعادة النظر في السياسة الثقافية بالمغرب، وإلى ضرورة إعادة الاعتبار للفعل الثقافي الحقيقي بعيدا عن البهرجة والفولكلور، بل طالبوا حتى بإلغاء وزارة الثقافة، لأنها لا تقوم بالمهام المنوطة بها. وخلال هذا البرنامج الحواري، الذي ابتغى من ورائه ياسين عدنان تسليط الضوء على هذا الإطار الثقافي الجديد، الذي تأسس على خلفية احتجاجية، جرى التساؤل لماذا بالضبط يظهر اليوم هذا الإطار في مغرب ثقافي يراه العديدون حيا غنيا بالمبادرات، فيما يصفه آخرون بالتعثر والجمود، ذكر شعيب حليفي، رئيس "مختبر السرديات" بكلية الآداب بنمسيك الدارالبيضاء، ورئيس المرصد الوطني للثقافة، أن هذا الإطار جاء ضمن التحولات، التي يعرفها المغرب خلال السنوات الأخيرة، وأنه لا يتنكر للمواقف، التي أبداها وتبناها المثقفون في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، بل طورها مع التحولات التي يعيشها المغرب، ليس محليا فقط، بل دوليا أيضا. وأضاف أن "الأساسي بالنسبة إلينا هو أن نضع نقطة نظام حقيقية وصائبة، لا تمثلنا كأشخاص بل تمثلنا كإبداع وفكر ونقد. نطرح هذا البديل أو هذا التصور من أجل القول بنهاية فترة استعباد المثقف المغربي واستغلاله وإرشائه أيضا.. بل وتحويله، في كثير من الأحيان، إلى أداة تؤدي وظائف معينة ويجري الانتهاء منها بعد ذلك. هذا هو الموقف الذي نقول به، وفي ضوئه طورنا موقفنا وقلنا بضرورة الاستغناء عن وزارة الثقافة.. لماذا؟ ليست لدينا رؤية أو تصور ضد وزارة الثقافة كأشخاص وكمشتغلين.. فلدينا العديد من أصدقائنا ممن يشتغلون هناك. نحن ضد تصور التدبير السياسي للثقافة، قلنا بالاستغناء عن التعامل مع وزارة الثقافة من أجل أن نقول لها بأن المثقفين المغاربة حينما يستغنون عنها، فإنهم قادرون على العمل في جمعيات مدنية متعددة دون دعم، ظاهرا كان أو خفيا، من هذه المؤسسة الرسمية". وأوضح حليفي أن حركتهم ليست وليدة الأمس، أي منذ 20 فبراير الماضي، أو منذ المعرض الدولي الأخير، كما يحاول البعض الترويج لذلك، بل تعود إلى فترة بعيدة، انطلق فيها هذا الأفق منذ مدة طويلة عبر عدد من الجمعيات والإطارات، التي يشتغل فيها المثقفون ومن داخلها أسسوا لهذا التصور. وقال "طبعا تلاحقت الأحداث خلال هذه السنة لنبرز إلى الوجود ونحقق ما كنا نريده. الآن صارت لنا عدد من الإنخراطات من أصدقائنا المثقفين، ليس من المغرب فقط بل من خارج المغرب، ومن المثقفين العرب، الذين يساندوننا في هذا الطرح، ليس مزايدة علينا وعلى الآخرين، بل لأنهم أدركوا بأن هذه الحركة الاحتجاجية أو ما أسميناه بالانتفاضة جاءت في وقتها ولا بد أن تعم، ليس في المغرب وحده، بل العالم العربي ككل.. لأن ما نعيشه نحن في المغرب من سياسة ثقافية وتدبيرات غير معقلنة وغير منظمة تعيشها عدد من الدول العربية وربما أسوأ. لذلك أرى أن عدد المثقفين المغاربة الذين يساندوننا هم كثر، واللقاءات التي انعقدت أو التي سيجري عقدها بمشاركة عدد من المثقفين معنا، يكشف أننا لسنا نخبة معزولة عن المجتمع، بل جزءا عضويا وفاعلا بداخله، وبالتأكيد فنحن نرحب، أيضا، بالذين لا يساندون هذا التصور لأنهم من أصدقائنا أيضا، يجلسون معنا ويناقشوننا، وهذا هو الشكل الطبيعي لكل حركة احتجاجية وثقافية في المجتمع، فليس بالضرورة أن نلم جميع الأصوات وأن يكون الجميع في صفنا". وحتى لا يحدث أي لبس حول الانتماء النقابي لرئيس المرصد الوطني للثقافة، الذي ينتمي للكونفدرالية الديمقراطية للشغل، وحول هذا الإطار الجديد المستقل عن أي اتجاه أو تيار معين، ذكر حليفي أن ارتباطه بالنقابة طبيعي، ولا يشوش عليه إطلاقا، وأنه يعتبر هذه الأخيرة مدرسة تعلم فيها الكثير، ولعل تاريخها الطويل- إلى جانب النقابات الأساسية الأخرى الموجودة بالمغرب- يؤكد أنها مارست كثيرا من التأثير على التحولات السياسية أو الاجتماعية في المغرب. وهنا أشار حليفي إلى أن المرصد "ينتمي إلى المجتمع وإلى المثقفين، وقلنا هذا صراحة، كما قلنا بنهاية عهد الجمعيات الملتبسة، التي تكون لها انتماءات خفية معينة. بل نحن برفقة عدد من المثقفين، الذين لهم انتماءات متعددة، وهم أحرار في انتماءاتهم المختلفة. نحن كما قلت سابقا ننتمي إلى الفكر الحر وإلى أفق جميع المثقفين، الذين أسسوا للثقافة المغربية الأصيلة، التي تحمينا وتمدنا بكل هذه الأدوات التي نشتغل بها". وعن قراءته لبيان الكاتب والشاعر عبد اللطيف اللعبي الأخير، الذي قدم فيه مجموعة من الأفكار والخطوات للنهوض بالوضع الثقافي بالمغرب، ذكر حليفي أن اللعبي من المؤسسين للثقافة المغربية عبر "أنفاس" وعبر عدد من الكتابات التي كتبها، وأنه، أيضا، مناضل عضوي في المجتمع المغربي، له أفكار نحترمها. وقال "لما جاء ذلك البيان ونحن نشتغل في حركية دائمة، لا يسعنا إلا أن نرحب بكل المبادرات، بما فيها مبادرة اللعبي المطبوعة بنوع من العقلانية ومن التصور المبني على تاريخ هذا الكاتب وتاريخ جيل، فهو لا يمثل نفسه فقط، فيما أعتقد، بل يمثل جيلا يلتحم مع الجيل الجديد ويعطي للثقافة المغربية هذه النكهة القوية، نكهة المبدع العضوي، الذي له صوت أساسي داخل المغرب وخارجه. بل أكثر من هذا يمكن أن أقول بأن كافة المثقفين الآن يحملون بياناتهم ومشاريعهم يضمرونها، وتلتقي مع عبد اللطيف اللعبي في بيانه ومع المرصد العديد من الأصوات الجادة". ومن بين المداخل الرئيسية، التي يمكن من خلالها إنقاذ الثقافة المغربية، ركز حليفي على مدخلي الشفافية والمشاركة، وقال إنهما عنصران من ضمن عناصر متعددة يمكن لها أن تخدم الثقافة بالبلد، وعلى المستوى العام فالمطلوب هو الشفافية في الشأن الثقافي ضمن مخططات التدبير السياسي، أي كما قال "سياسة ثقافية تدبر كل هذا التنوع الخلاق، الذي يصعب أن نجده في مكان آخر. نحن لدينا كنز أساسي في ثقافتنا لم نستثمره بعد ولابد من الشفافية في مناولته والتعامل معه. والشفافية هي إعطاء الاعتبار للثقافة المغربية بكل معنى للكلمة وليس اعتبارا سياسيا وظرفيا عابرا لمرحلة معينة لامتصاص هذا الغضب وهذا الانتفاض. الشفافية، أيضا، في إعطاء الاعتبار للمثقف، الذي أقصد به- ليس الشاعر أو الروائي أو المسرحي فقط، وهم يعانون من مشاكل متعددة- بل المثقف بشكله العام بما فيه القارئ، الذي لا يجد حظا مع السياسة الثقافية، التي لا تعالج مشاكله ودائما نطرح مشاكل أزمة القراءة والمقروئية ولم نجد لها من الحلول ما يعطينا إمكانية التطور. وكل هذا مرتبط بالشفافية في التوزيع، لدينا مشكل كبير في توزيع الكتاب المغربي ولا أحد يريد الحديث عن هذه المعضلة. هل هي مسؤولية الجمعيات؟ أم السياسة الثقافية، التي يجب أن تعمل على إيجاد حلول فعلية لصالح الكتاب المغربي؟ المغرب لم يصل بعد إلى ما وصلت إليه عدد من الدول المجاورة بخصوص توزيع كتب مثقفيها. صورة المغرب خارج المغرب دائما هناك حواجز بشأنها، بل إن الكتاب المغربي داخل المغرب لا يوزع بالشكل، الذي يجعله محترما وفي المتناول. هناك حقوق المؤلف وحقوق الثقافة المغربية وحقوق القارئ". وحول مدخل المشاركة، ذكر حليفي أن وزارة الثقافة الآن أوالجهات الوصية على الثقافة لها شراكات ملتبسة ومحدودة، في حين أن المغرب ليس جمعية واحدة أو جمعيتين أو ثلاث جمعيات تتعامل معها، بل هو مجموع النسيج المؤسساتي الفاعل ومجموع الأصوات، سواء كانت جمعيات وأفرادا، ولهذا يجب وضع مخطط واضح ومعلن، والاستفادة من التجارب المتقدمة لبعض الدول في هذا الإطار.