شكل موضوع محاربة الهدر المدرسي هدفا محوريا ضمن الأهداف التي سطرها المخطط الاستعجالي لإصلاح منظومة التربية والتكوين،والذي تم الشروع في تنفيذه على مستوى كامل التراب الوطني مع انطلاقة الموسم الدراسي الحالي 2009/2010.ويسعى القائمون على شؤون التربية والتكوين،من خلال إطلاق هذا المشروع،إلى القضاء على بعض من الأسباب التي تؤدي إلى إقدام فئات عريضة من المتمدرسين من مختلف المستويات،إلى الانقطاع عن متابعة الدراسة،خاصة في صفوف الإناث،وعلى صعيد العالم القروي. وتعتبر تجربة النيابة الإقليمية لوزارة التربية الوطنية بورزازات في مجال محاربة ظاهرة الهدر المدرسي،نموذجية على الصعيد الوطني،وذلك اعتبارا للنتائج الإيجابية الملموسة التي حققتها هذه النيابة،سواء بعد تنزيل البرنامج الاستعجالي إلى حيز التنفيذ،أو بالنظر للحلول المبتكرة التي أطلقتها هذه النيابة من أجل التصدي لهذه الظاهرة السلبية،والتي تم الشروع في تنفيذها قبل بضع سنوات. ولعل أول ما تجدر الإشارة إليه ضمن الإجراءات العملية التي تم إطلاقها للحد من الهدر المدرسي،هو الإستفادة من المبادرة الملكية المعروفة باسم "مليون محفظة"،والتي تصدت لواحد من أهم المعيقات التي تحول دون إقدام الأطفال المنحدرين من أسر معوزة الذين هم في سن التمدرس،من الإلتحاق بالمؤسسات التعليمية،أو استكمال دراستهم،ألا وهو الفقر. وقد بلغ عدد التلامذة المستفيدين من هذه المبادرة على صعيد النيابة الإقليمية للتعليم بورزازات 86 ألفا و240 تلميذا وتلميذة،من ضمنهم 68 ألفا و868 ينحدرون من العالم القروي،فيما كلفت هذه العملية غلافا ماليا إجماليا بقيمة 11 مليون و237 ألفا و879 درهم. أما الإجراء الثاني الذي تم تفعيله للحد من ظاهرة الهدر المدرسي على صعيد إقليمورزازات،فهو توفير النقل المدرسي قصد تيسير عملية تنقل المتمدرسين ما بين المؤسسات التعليمية،وأماكن سكناهم التي تبعد في بعض الحالات بالعديد من الكيلومترات،مما قد يدفع بهم إلى الانقطاع عن الدراسة خاصة في صفوف الإناث. وفي هذا السياق،عملت النيابة الإقليمية للتعليم بورزازات على توفير 17 سيارة للنقل المدرسي،14 منها تم الحصول عليها عن طريق شراكات مع جمعيات المجتمع المدني،و3 أخرى بدعم من الوزارة الوصية على قطاع التعليم. وقد تم توجيه هذه السيارات للعمل في تسع جماعات منتخبة تعد من بين الجماعات التي تعرف أكبر نسبة من الهدر المدرسي على صعيد إقليمورزازات،فيما يصل عدد التلامذة المستفيدين من هذه المبادرة 946 متمدرسا،من بينهم 380 من الإناث. وإلى جانب سيارات النقل المدرسي،تم اللجوء أيضا إلى توزيع الدراجات الهوائية على العديد من التلاميذ والتلميذات لتوفير سبل تنقلهم بين مقرات سكناهم والمؤسسات التعليمية في مناطق مختلفة من إقليمورزازات،حيث بلغ عدد الدراجات التي وزعت برسم السنة الجارية 130 دراجة في إطار البرنامج الاستعجالي،تم توفير 70 منها عن طريق منظمات المجتمع المدني،فيما بلغت نسبة استفادة الإناث من هذه العملية 5 ر62 في المائة. وإلى جانب توفير النقل المدرسي،وتوزيع اللوازم المدرسية بالمجان،لجأت نيابة وزارة التربية الوطنية في إقليمورزازات إلى اتخاذ إجراء عملي آخر من أجل الحد من ظاهرة الهدر المدرسي،ويتمثل في إحداث أقسام للسنة الأولى إعدادي بالمدارس الإبتدائية،وذلك قصد تحقيق هدف استراتيجي يتمثل في التحاق جميع التلامذة الناجحين في المستوى السادس ابتدائي،بالسنة الأولى إعدادي. وتفيد المعطيات المتوفرة لدى نيابة التعليم بورزازات،أن هذه العملية التي انطلقت مع الموسم الدراسي الماضي 2008/2009،مكنت ألفا و11 تلميذا وتلميذة من الإلتحاق بالسنة الأولى إعدادي،وذلك من خلال إحداث 32 قسم دراسي،في 18 مجموعة مدرسية موزعة عبر مختلف مناطق إقليمورزازات. وأكد الأستاذ لحسن بوزيدي النائب الإقليمي لوزارة التربية الوطنية بورزازات،أنه قبل انطلاق هذه التجربة كانت نسبة الإلتحاق تتراوح ما بين 28 و36 في المائة،ليرتفع هذا المؤشر بعد ذلك إلى نسبة تتراوح بين 64 في المائة كحد أدنى،و92 كحد أقصى. وأوضح الأستاذ بوزيدي،في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء،أن نجاح هذه التجربة جعل الجماعات المحلية المعنية والمجلس الإقليميلورزازات،يلجأون إلى إبرام اتفاقيات شراكة لبناء إعداديات متوسطة الحجم في المناطق التي شملتها العملية. وتبقى تجربة المدرسة المتنقلة الخاصة بابناء المواطنين المغاربة الرحل،تجربة فريدة من نوعها على الصعيد الوطني في ما يتعلق بمحاربة الهدر المدرسي،من جهة،وتجسيد مفهوم تعميم الحق في التعليم ليشمل مختلف شرائح المجتمع المغربي. وقد أطلقت النيابة الإقليمية للتعليم بورزازات،أول تجربة خاصة بهذه المدرسة المتنقلة خلال الموسم الدراسي 2004/2005،وذلك في إطار شراكة مع "مشروع دعم التنوع البيولوجي باعتماد الترحال في السفح الجنوبي للأطلس الكبير"،الذي تشرف عليه وزارة الفلاحة بتعاون مع عدد من الشركاء المغاربة والدوليين،من ضمنهم على الخصوص برنامج الأممالمتحدة للتنمية "بنود". وحرصت نيابة التعليم بورزازات على تعزيز هذه التجربة الفريدة من نوعها خلال الموسم الدراسي الحالي،وذلك بشراكة مع "جمعية دينييداد" الأسبانية،وجمعية "شمس" بمدينة تينغير،حيث همت هذه العملية 25 تلميذا وتلميذة بالسنة الأولى ابتدائي بالجماعة القروية إكنيون،فيما همت التجربة في مرحلتها الأولى 51 تلميذا وتلميذة من ابناء الرحل بالجماعة القروية إغيل نومكون. ومن أهم مميزات المدرسة المتنقلة لأبناء الرحل،أنها تعتمد مبداين اساسيين أولهما أنها غير مرتبطة بمكان معين،حيث تلاحق تنقلات الرحل أينما حلوا وارتحلوا،أما المبدأ الثاني،فيتمثل في كون الزمن المدرسي متلائم مع نمط الترحال حيث تم تقسيم الموسم الدراسي إلى دورتين،مدة كل واحدة منها أربعة اشهر. والواضح من خلال هذه النماذج من الإجراءات التي أطلقتها نيابة وزارة التربية الوطنية بورزازات،من أجل محاربة ظاهرة الهدر المدرسي،أن شعار"جميعا من أجل مدرسة النجاح" الذي اعتمد كعنوان للبرنامج الاستعجالي،لم يكن "شعارا استهلاكيا"،وإنما كان دعوة للمشاركة من طرف مختلف المتدخلين من مجتمع مدني،وجماعات محلية،وفاعلين خواص،إلى جانب مسؤولي قطاع التربية والتكوين من أجل الرقي بهذا القطاع الذي يعتبر قاطرة حقيقية للتنمية. وبعدما اتضح من خلال النتائج الإيجابية المحصل عليها في ما يتعلق بمحاربة الهدر المدرسي على مستوى إقليمورزازات،وما يتمتع به العمل التشاركي والحكامة الجيدة من فعالية في بلوغ الأهداف المتوخاة،فقد أصبح من الضروري تفعيل هذه المقاربة لتشمل مجالات أخرى ضمن المنظومة الوطنية للتربية والتكوين،التي لم يعد ممكنا التهاون بخصوص إصلاحها تحت أي ذريعة كانت.