جأة، سمعت الزوجة دوي انفجار، مصدره غرفة زوجها، فهرعت صوبها، حيث وجدت النيران مشتعلة في جميع أرجائها، وأتت على جميع محتوياتها. واستحال عليها إنقاذ زوجها، وخرجت مهرولة إلى الشارع، ومنه اتجهت إلى مفوضية الشرطة، للتبليغ عن النازلة، وطلب النجدة. وفي طريقها، صادفت سيارة النجدة، ورافقتها العناصر الشرطية التي كانت على متنها، إلى مسرح الحريق. وأوضحت في ختام تصريحاتها، أن لها خلافات مع زوجها، بسبب إدمانه الخمر، ومعاملتها بقسوة وعنف، وبسبب تكليف ابنهما القاصر (ع) بإحضار الكحول له، إضافة إلى تكليفه بالإشراف على محل بيع الدجاج، عوض الاهتمام بالدراسة والتحصيل. استرسالا في البحث والتحريات، استمعت الضابطة القضائية إلى الابن القاصر (ع)، الذي جاءت أقواله متضاربة جملة وتفصيلا مع أقوال والدته، وأكد أنه لم يسمع البتة أي دوي انفجار، لأنه كان يخلد للنوم، كما أنه لم يصب بأي أذى، إثر الحريق الذي شب بالطابق الأول. واستمع المحققون كذلك إلى ابن الهالك المدعو (ي)، من زوجته الأولى المطلقة، وأفاد الابن أنه رغم انفصال والده عن والدته، واستقراره معها، فإنه تعود على زيارة والده بين الفينة والأخرى، بمنزله الكائن بحي الفتح، وكان ينفرد به، ويبوح له ببعض الأسرار، أثناء تجاذبهما أطراف الحديث. وأطلعه عن علاقته المتوترة مع زوجته الثانية، التي كانت تراوده شكوك في خيانتها، حسب تصريحات الابن (ي)، الذي أبدى بالمناسبة شكوكا قوية حول وفاة والده، واستغرب لواقعة وجود قنينة غاز، داخل غرفة نوم والده، الذي قال إنه كان يخشى كل ما له علاقة بالغاز أو النار، على خلاف ما ادعت الزوجة الثانية. وعلى إثر التناقضات الصارخة في تصريحات الأم وابنها (ع)، انتابت المحققين الشكوك، حول وقائع النازلة، وحول ظروفها وملابساتها، ما حدا بالضابطة القضائية إلى مواجهة الزوجة بهذه المعطيات والقرائن المتوفرة، التي قلبت رأسا على عقب، مجريات البحث والتحريات. وإثر محاصرتها بالأسئلة المحرجة، التي أربكت حساباتها، انهارت الزوجة، واعترفت بأن وفاة شريك حياتها، لم تكن عرضية أو طبيعية، وإنما كانت نتيجة جريمة دم بشعة، خططت لها بمفردها. واستغلت كون زوجها في حالة سكر، وبصدد احتساء المزيد من الخمر، في غرفة بجوار الغرفة التي كانت توجد فيها مع ابنها (ع)، وأفرغت كمية من البنزين كانت مخزنة في قنينة بلاستيكية من سعة خمسة لترات، في أرجاء الغرفة، وألقت بداخلها قنينة غاز من الحجم الصغير، بعد أن فتحت زر أمانها، ثم عمدت إلى إشعال النار في قطعة صغيرة من الورق، ورمتها في الغرفة، اشتعلت النيران، وتصاعدت ألسنتها، وفي تلك اللحظة، قامت بإغلاق باب الغرفة بإحكام من الخارج، حتى لا تترك للضحية فرصة للخلاص. وأيقظت ابنها (ع)، الذي كان يغط في نوم عميق، وغادر الاثنان البيت، في اتجاه مفوضية الشرطة، معتقدة أن جريمتها ستكون كاملة، وأنها ستضلل المحققين. وعن ظروف وملابسات الجريمة، أفادت أنها قامت بتنفيذها بمفردها، دون إيعاز من أي طرف آخر، ودون علم أي شخص آخر، ولا حتى ابنها القاصر (ع)، الذي صرحت أنها كلفته باقتناء كمية من البنزين، من محطة للوقود بالجوار، لاستخدامها في تنظيف بعض الأواني المنزلية. واسترسالا في الاعترافات، صرحت الزوجة أنها عملت، إثر ارتكابها جريمة القتل المدبرة، على نقل بعض الأغراض الخاصة بالضحية، إلى منزل شقيقتها، الكائن بإقامة الوداد بسيدي بنور. وحفاظا على حقوق ومصالح الورثة، ذوي الحقوق، انتقلت الضابطة القضائية بمعية الزوجة القاتلة، إلى شقة أختها، إذ جرى العثور على وثائق وأمتعة وأغطية تخص الزوج الضحية. واستمع المحققون إلى كل من ورد اسمه، حول علاقتهم بالنازلة، بمن فيهم المشرف على محطة الوقود، الذي استمع إليه في حالة سراح، وكذا، المشرفون على حانة الخمور، ومحل بيع الكحول بسيدي بنور. كما استمعت الشرطة إلى والدة الضحية، التي تعتبر من أصحاب الحقوق المدنية، التي أصرت على متابعة القاتلة. وبعد إخبار النيابة العامة بوقائع وتفاصيل النازلة، أمر بالاحتفاظ بالزوجة القاتلة، تحت تدبير الحراسة النظرية، لفائدة البحث والتقديم، في إطار مسطرة تلبسية. وبحضور نائب وكيل الملك بمحكمة الدرجة الأولى بسيدي بنور، أعادت الزوجة بكل تلقائية، وتحت حراسة أمنية مشددة، تمثيل وقائع الجريمة، في مسرح ارتكابها، التي تابعتها حشود من المواطنين، الذين استنكروها بقوة. وفي اليوم الموالي، أحالتها الضابطة القضائية على الوكيل العام باستئنافية الجديدة، من أجل جناية القتل العمد، مع سبق الإصرار والترصد، وإضرام النار عمدا وتشويه جثة.