احتفلت السينيغال، بلد التيرانغا (كرم الضيافة بلغة الولوف)، نهاية الأسبوع الماضي، في تألق وإشعاع اكتسى طابعا دوليا، بنصف قرن من السيادة..إذ شكل هذا الاحتفال مناسبة لتقييم حصيلة الإنجازات، وإظهار طموحات بلد نامي يصبو إلى الأخذ بزمام مستقبله، والاضطلاع بدور ريادي في مشروع الاندماج الإقليمي لبلدان غرب إفريقيا. ويعكس تدشين نصب "النهضة الإفريقية" في ضواحي العاصمة السينيغالية، الذي يعد معلمة ضخمة مصنوعة من البرونز تزن أزيد من 22 ألف طن، ويصل علوها إلى 50 مترا، إرادة هذا البلد الإفريقي، الذي رغم موارده المتواضعة، يتقد حماسا ودينامية، إزاء فكرة إفريقيا موحدة تتولى زمام أمورها. وحرص الرئيس السينيغالي، عبدو اللاي واد، على التعبير القوي عن هذه الإرادة الوحدوية الإفريقية، خلال تجمع لقادة الدول والحكومات الإفريقية، اكتسى شكل قمة غير رسمية، خلال الاحتفالات المخلدة لخمسينية استقلال البلاد. وفي الخطاب، الذي ألقاه ضمن أقوى لحظات الاحتفال بالذكرى الخمسين لاستقلال السينيغال، أثار واد قضية الوحدة الإفريقية، مؤكدا "أن وقت الإقلاع قد حان، لقد آن الوقت لإحداث ولايات متحدة إفريقية". ودعا واد أمام حوالي عشرين من رؤساء الدول والحكومات، من ضمنهم وفد مغربي مهم يقوده الوزير الأول عباس الفاسي، إلى الاندماج الإفريقي الذي اعتبره "السبيل الوحيد للقارة، من أجل تحقيق أهداف التنمية والتقدم". وأعرب عن ثقته بأن "إفريقيا قادرة على بلوغ مستوى التنمية نفسه، الذي حققته الأمم الأكثر تقدما في العالم"، على عكس الرؤية القدرية التي تحصر إفريقيا في صور نمطية وأحكام مسبقة راسخة بقوة في بعض الأذهان. وأضاف، خلال هذا التجمع، الذي استقطب مئات الآلاف من الأشخاص، أنه "من أجل تحقيق هذا المبتغى، بات من الضروري أن يتوحد الأفارقة وأن يجري تجاوز الاتحاد الإفريقي بغية بناء الولاياتالمتحدة الإفريقية، على غرار الولاياتالمتحدةالأمريكية والاتحاد الأوروبي". بالنسبة للرئيس السينيغالي، فإن الأمر يتعلق بالسبيل الوحيد المتاح أمام القارة، لبلوغ أهدافها وتحقيق الغد الأفضل، الذي كان يتطلع إلى تحقيقه متزعمو الكفاح من أجل الاستقلال، مؤكدا أمام نظرائه أن رؤساء الدول الإفريقية "يشاطرون اليوم"، وجهة نظره، حول ضرورة إقرار اندماج أكبر بين الدول الإفريقية. ولم يفت واد التذكير بالفترات الحالكة من التاريخ التي طبعتها "العبودية والاستعمار"، على اعتبار أن ذلك يمثل واجبا للذاكرة الذي يتعين أن تصاحبه، حسب الرئيس واد، قناعة طي صفحة الماضي، واستشراف مستقبل أفضل، حيث "أوروبا مدعوة للتعامل معه على قدم المساواة مع الدول الإفريقية، في إطار شراكة حقيقية". وقال إن معلمة "النهضة الإفريقية" تتوخى التذكير بالجراح التي لحقت إفريقيا، كما أنها دعوة إلى تجاوزها وإلى الصفح والمصالحة. وحث عبدو اللاي واد الأفارقة على تضافر وتوحيد الجهود، "بغية إصلاح أخطاء الماضي، حتى تتبوأ إفريقيا مكانتها بين التجمعات الكبرى". وتميز نصف قرن من السيادة الوطنية للسينيغال باستقرار سياسي عرف ذروته، في 19 مارس 2000، إثر تناوب ناجح على رئاسة البلاد. ففي أعقاب انتخابات رئاسية ديمقراطية وحرة وشفافة، فاز الرئيس واد، الذي كان في المعارضة لمدة 25 سنة، بالرئاسة على منافسه عبدو ضيوف. وخلف ضيوف، الذي تولى السلطة، منذ 1981، أول رئيس للبلاد، ليوبولد سيدار سنغور، الذي تخلى عن الحكم بشكل طوعي لضيوف، رئيس وزرائه، خلال تلك الفترة، تماشيا مع أحد بنود الدستور، الذي يجعل من رئيس الحكومة خلفا لرئيس الدولة، في حال الاستقالة أو عدم القدرة على الاستمرار في الرئاسة. وخلال فترات حكم الرؤساء الثلاثة، الذين تعاقبوا على رئاسة البلاد، منذ حصولها على الاستقلال سنة 1960، شهدت السينيغال تغيرات ملحوظة طالت جميع مجالات الحياة السياسية الوطنية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وتعم الحياة السياسية حرية تعبير شاملة، تتمثل في تعدد الصحف والمحطات الإذاعية والتلفزيونية، علاوة على وجود 150 حزبا سياسيا من مختلف التوجهات. ومنذ السبعينيات، شهدت البلاد جفافا دوريا تلته أزمة اقتصادية، امتدت إلى غاية نهاية التسعينيات، وهو ما دفع إلى وضع برنامج يهم الإصلاح الهيكلي، الذي أملاه البنك الدولي وصندوق النقد الدولي. وتزامن وصول واد إلى سدة الحكم في أبريل من سنة 2000، مع نهاية هذا البرنامج، ما أتاح إطلاق أوراش كبيرى غير مسبوقة، إذ شيدت عبر مجموع التراب السينيغالي، بنيات تحتية سوسيو- اقتصادية من قبيل الطرق السيارة والطرق والمطارات والمستشفيات والمدارس. وشهد المجال الاقتصادي نموا جعل من السينيغال الاقتصاد الثالث بغرب إفريقيا، بعد نيجيريا وكوت ديفوار. ويظل المستوى الديبلوماسي مطبوعا بالتأثير المتنامي للسينيغال على الساحة الدولية، فبفضل الاستقرار السياسي للبلاد، أضحت العاصمة دكار قطبا مركزيا في إفريقيا، حيث تحتضن أكبر عدد من المنظمات التابعة للأمم المتحدة، بالإضافة إلى مختلف المنظمات الإنسانية الدولية. وتعززت العلاقات الثنائية بين المغرب والسينيغال، الراسخة والمتجذرة بعمق في التاريخ والثقافة، مع مرور الزمن، جاعلة من الرباطودكار شريكين على المستوى السياسي والاقتصادي والثقافي، وكذا الاجتماعي (و م ع).