أصبح التعاطي للحبوب المهلوسة أو "البولة الحمراء"، على حد التعبير المتداول، يحتل مكانة في الأوساط الشبابية، ويرجع العديد من المهتمين بالموضوع تنامي هذه الآفة الاجتماعية التي لها ارتباطات بنيوية، تمثل الظروف الاجتماعية والاقتصادية، وانحلال حبل الوصال الأسري. وهكذا، أبرز سعيد الوافي، أستاذ باحث، مهتم بقضايا الشباب والطفولة، في حديثه ل"المغربية"، أن بعض "الشباب المتعاطي لهذه المخدرات قد لا تجده فاشلا دراسيا أو ينتمي إلى الطبقة المستضعفة"، إذ أن الكثيرين ممن يسلكون هذا المنحى، حسب الوافي "هم من أسر ميسورة، ساهمت طبيعة علاقتهم الأسرية غير المستقرة، التي تطبعها الماديات والاهتمام بالرفاه، على حساب العلاقات الاجتماعية والتربوية في الانحلال الأخلاقي والتباعد، الشيء الذي جعل من بين أبناء هذه الطبقة الاجتماعية، من يرتمي في أحضان رذائل ومساوئ من بينها الأقراص المهلوسة، وغيرها من المخدرات كسبيل لاكتشاف عوالم أخرى، للتعبير عن الحرية المطلقة". من جانبه، أبرز أحمد غندور، فاعل جمعوي، أن هذه الظاهرة "تعرف انتشارا أيضا لدى فئة من الشباب، اضطرهم اليأس إلى ركوب هذه الموجة المجنونة كملاذ لنسيان وضعهم وعدم التفكير في مصيرهم، وهذا الاتجاه الخطير أدى بالبعض من هؤلاء إلى ارتكاب الجنح وحتى الجرائم". وقال غندور في هذا الصدد "إن استيلاب العقل والاندحار الوجداني لدى هؤلاء الشباب يجعلهم يقومون بأي فعل من أجل الحصول على هذه الحبوب المهلوسة، كما يدفعهم إلى الانفصال العقلي إلى ارتكاب حماقات، كأن يمارسوا العنف ضد أهاليهم، أو يسرقون أو يقتلون، وكل ما إلى ذلك من الأفعال الإجرامية". ترى العديد من المصادر الطبية ممن استقت "المغربية" آراءها حول الموضوع، أن هؤلاء المنحرفين "يعتمدون في الأساس على نوعية الحبوب التي توصف كمهدئات أو مسكنات لبعض الحالات المعينة، والتي يجب أن يجري الإشراف المباشر عليها من قبل أطباء أخصائيين، نظرا لتأثيرها الواضح على الجهاز العصبي ككل، والدماغ بشكل خاص"، وهذه كارثة، تقول مصادرنا الطبية، حينما يصل الشخص إلى درجة "تحويل وسيلة شفاء إلى وسيلة لدماره"، وشدد محدثونا على ضرورة "التوعية الدينية والصحية والنفسية، بشأن تأثير الإدمان على صحة وسلوك الفرد والمجتمع المحيط به، بالإضافة لدور وسائل الإعلام، تعتبر جميعها من الوسائل المهمة لمكافحة هذه الآفة، التي تستنزف المجتمعات وتهدر القدر الكبير من طاقة شبابه". فيما يرى مراد باهي، باحث في علم الاجتماع، أن زيادة الإقبال على هذه الظاهرة "ترجع إلى أن الظروف الاقتصادية والصحية المتواصلة، والضغط النفسي مع متاعب الحياة اليومية، وعدم القدرة على التخطيط للمستقبل، مناخ مناسب ومثالي لزيادة الإقبال على تعاطي حبوب الهلوسة ومختلف أنواع المخدرات"، ويكمن الحل، حسب محدثنا بتضافر جهود كافة المؤسسات الاجتماعية والأمنية والصحية والإعلامية والتربوية والدينية، لتوحيد الرأي العام تجاه هذه الآفة، وتأثيراتها السلبية". وأرجع مصدر أمني هذا "الانتشار المهول لآفة التخذير بالحبوب المهلوسة إلى تسربها وتهريبها من الجارة الجزائر عبر الحدود، وتوزيعها بسرية تامة عبر عصابات متخصصة في الجامعات والمؤسسات التعليمية والأماكن العمومية، التي أصبحت تعج بمثل هؤلاء التجار وبمدمنين، سرعان ما يدلك عليهم الهزال واصفرار الوجه"، وكما لكل ميدان لغته ورموزه، يقول مصدرنا، الذي فضل عدم ذكر اسمه، "إن أهل هذا الميدان يطلقون على حبوبهم وعلى باعتها تسميات خاصة، ويسيرون ويتصرفون ويديرون حياتهم بنمط يصعب على الغريب فهمه أو معرفة البائع أو المشتري أو المكان الذي يبيعون فيه"، إنها باختصار كما يصفها محدثنا "غابة من الأسرار"، معتبرا المتعاطين لهذه الآفة "أداة سهلة للجريمة". وفي سياق آخر، أكد سعيد الراوي، محام، أنه قلما "يعي المتعاطي لهذه الآفة بخطورة مآله، وحتى إذا ما امتلك رغبة للتخلي عن هذه البلية يجد صعوبة في ضبط فعله وسلوكه"، الشيء الذي يتطلب، يقول محدثنا، أن "تعمل الجهات الوصية على فتح مراكز للعلاج النفسي للمدمنين والاستعانة بأخصائيين نفسانيين وبمربين اجتماعيين، من أجل مواجهة الظاهرة، عبر الأخذ بيد المتعاطين ومساعدتهم على الإقلاع عن هذه الآفة المستمرة بالمواكبة الميدانية، كما أنه على الأسر التي يكون ضمن أبنائها من سقط في مغبة "الهلوسة"، ألا تترك الحبل على الغالب، وتسلك طريق التفرج والامتثال للأمر الواقع، بل يجب أن تساهم بدورها في تكسير طوق هذه البلية، عبر احتضان المتعاطين والتعامل معهم كأسوياء، وتشجيعهم على الامتثال لجدولة التداوي، حتى يسترجع المدمن توازنه النفسي والجسدي".