نظم "مجلس الجالية المغربية بالخارج"، بتعاون مع المسجد الكبير في مدينة استراسبورغ الفرنسية، يومي 29 و 30 مارس المنصرم، ندوة حول "الإسلام بأوروبا". وشارك في هذه الندوة عشرات من ذوي الاختصاص في الموضوع، إلى جانب بعض المسؤولين السياسيين الأوروبيين. ولم تلفت الندوة المذكورة الانتباه إلى ما تردد داخلها، على ألسنة مسؤولين أوروبيين ومغاربة، حول ما يقدمه التعدد الديني في أوروبا من قيمة مضافة، إسوة بالتعدد العرقي واللغوي، وحول ما أدى إليه، تاريخيا، التقارب بين الديانات السماوية الثلاث على صعيد القارة من انفتاح ثقافي رائع، بل لفتت تلك الندوة الانتباه، خاصة، بما شددت عليه، حين ذكّرت، من ما زال في حاجة إلى التذكير، بأن الإسلام لم يعد دينا وافدا، تعتنقه مجموعات من المهاجرين العابرين، بل أصبح "اليوم واقعا أوروبيا، لا يمكن فصله عن التاريخ المعاصر والتطور المستقبلي" للقارة العجوز. وهكذا، فبعد أن كان الإسلام محصورا في بعض جهات أوروبا الوسطى، لاسيما في البوسنة وألبانيا، فإنه أصبح، اليوم، دين الملايين من مواطني العديد من دول أوروبا الغربية والشمالية، وضمن هؤلاء، مواطنون من أصول أوروبية. وعلى هذا الأساس، يتعين على الدول والمجتمعات الأوروبية ألا تكتفي بالتعاطي مع الإسلام ومعتنقيه على الساحة الأوروبية، انطلاقا من الحقوق العامة للإنسان، المتضمنة في القانون الدولي ذي الصلة، بل يتعين عليها أن تعتبر الإسلام أحد الأديان الوطنية، وأن تضمن لمعتنقيه التمتع بكافة حقوقهم، سواء قل عددهم أو ارتفع هذا العدد، وألا تخضع ممارسة تلك الحقوق لأي اشتراطات مسبقة، زائدة عما يفرضه القانون على أتباع بقية الديانات. وإذا كانت العديد من الجهات السياسية والإعلامية الأوروبية ما زالت تتجاهل الوضعية الواقعية للإسلام، باعتباره دينا لملايين المواطنين الأوروبيين المتحدرين من القارة العجوز، أو من غيرها من القارات، وتشن، انطلاقا من هذا التجاهل، حربا صليبية على الإسلام والمسلمين، فإن أوساطا إسلامية متعددة، هي الأخرى، لم تستوعب الواقع الجديد للإسلام في الديار الأوروبية. ونتيجة لذلك، تواصل، في تعاطيها مع المسلمين في أوروبا، تجاهل ما راكمته هذه الأخيرة في مجال الفصل بين الدولة والدين من قواعد وقوانين، وتواصل حربها الصليبية المضادة، بأشكال مختلفة، تبدأ بالانعزال والانكفاء، وتنتهي، أحيانا، بالإرهاب. وفي ضوء ما سبق، يتبين أن التذكير بالوضع الجديد للإسلام في أوروبا لا ينبغي أن يوجه، فقط، إلى الأوروبيين المتبرمين من هذا الدين وأتباعه، بل ينبغي أن يوجه، كذلك، إلى المسلمين، وأن يحفزهم على استيعاب ما بلورته أوروبا في التعاطي القانوني مع الديانات، وأن يعمق انتماءهم إلى أوطانهم الجديدة، و أن يعزز دورهم في خدمة المصالح المشروعة لهذه الأوطان.