اختتمت مساء الأحد الماضي، بمدينة مراكش، فعاليات الملتقى الوطني السادس للقصة القصيرة، المنظم تحت شعار "القصة القصيرة بين التجريب والتأويل"..من طرف جمعية الشعلة للتربية والثقافة، احتفاء بالقاص المصري سعيد الكفراوي، الذي أغنى الجلسات النقدية، التي جرى تنظيمها على هامش الملتقى من خلال تدخلاته ومناقشاته، التي كانت تقدم إضافات فكرية، تأتي أهميتها من كونها صادرة عن مبدع مختص في القصة القصيرة، باعتبارها من الأجناس الأدبية المستحدثة في الأدب العربي الحديث والمعاصر. وأكد المشاركون في الجلسة الختامية، بضرورة الارتقاء بالملتقى من المستوى الوطني إلى المستوى العربي، واستدعاء باحثين ومبدعين ينتمون إلى مختلف الدول العربية الرائدة في مجال الحقل القصصي، لتبادل الخبرات والتجارب في هدا الجنس الأدبي، حتى يصبح وجهة ثقافية تجمع مبدعين مغاربة وعرب، مع التأكيد على خلق موقع إلكتروني على الشبكة العنكبوتية، لفسح المجال أمام المبدعين الشباب، الذين يتابعون دراستهم في المؤسسات التعليمية من أجل تحفيزهم على الكتابة والإبداع في مجال القصة القصيرة. وتدارس المشاركون في الملتقى، الذي عرف مشاركة حوالي 60 باحثا ومبدعا في مجال القصة القصيرة من مختلف الأجيال، مجموعة من المواضيع البالغة الأهمية، تمحورت، على الخصوص، حول أنتروبولوجيا القصة القصيرة بالمغرب، من خلال تحديد المنهج المتمثل في الأنتروبولوجيا التأويلية الرمزية، والكشف عن جسور الترابط القائمة بين القصة والأنتروبولوجيا، وإثارة مفهوم الطبيعة الإشكالية بين المجتمع والإبداع. واستعرض الباحث محمد اشويكة في مداخلته، إشكالية التجريب القصصي، من خلال مقاربته لمفهوم التجريب، باعتباره رؤية للعالم، مشيرا إلى الانتشار الذي عرفه مفهوم التجريب في الكتابة المغربية، موضحا في السياق ذاته بأن امتداده غير واضح ولا ينبني على مرجعيات واضحة المعالم والرؤى، وتوقف عند مجموعة من الإشكالات، التي يطرحها مفهوم التجريب، الذي يصطدم بالتقليد والإثارة والتجديد. ووضح الباحث اشويكة في مداخلته، التي أثارت نقاشا فكريا بين مختلف المبدعين والباحثين، الذين حضروا الملتقى، الذي خصصت إحدى جلساته النقدية لمجموعة من القراءات القصصية، بأن القاص يملك القدرة على البناء والتشييد بعد الهدم، عن طريق امتلاك البساطة، مشيرا إلى أن القصة التجريبية تنبني على علاقة غير مطمئنة مع الزمن. واستحضر الباحث المغربي ما أسماه بالقصة الترابطية المجسدة على مستوى الشاشة، مما جعل القاص يدخل في متاهة الشبكة الافتراضية بكل ما تتيحه من إمكانات تواصلية، قائمة على توظيف التقنية الإلكترونية، وتحويل النص الورقي إلى نص مرئي، أو الانتقال من الفعل التخيلي إلى الفعل التعبيري. وشكل موضوع القارئ التجريبي عند أحمد بوزفور محور مداخلة المبدع المغربي عزيز المصباحي، الذي حاول مقاربة القصة القصيرة من خلال القارئ التجريبي، مستفيدا مما راكمه الحقل المعرفي، سواء في ألمانيا وعلاقته بتنظيرات "إيزر"، أو في إيطاليا وعلاقته بتنظيرات "إيكو"، مشيرا إلى المكانة التي يحتلها المبدع أحمد بوزفور، الذي لم يتخلص من الكتابة التقليدية، رغم انتمائه للحداثة وخوضه لإشكالات التجريب في الخريطة القصصية نقدا وإبداعا، وما راكمته كتاباته خلال عقود من الممارسة. وقال محمد أمدي، رئيس جمعية الشعلة للتربية والثقافة، إن الجمعية دأبت على تنظيم مجموعة من الملتقيات، ذات طابع ثقافي، الهدف من ورائها إعطاء المشهد الثقافي المكانة اللائقة به، باعتباره بعدا أساسيا ينبغي أخذه بعين الاعتبار أمام طغيان مجتمع الاستهلاك، الذي أصبح طاغيا على الحياة العامة. وأضاف أمدي في تصريح ل"المغربية" أن النقاش حول موضوع القصة القصيرة مازال مفتوحا، موضحا بأن موضوع التجريب هو نوع من المختبر، الذي يعطي إمكانية للمبدع ليختار الموضوع، والأسلوب الأدبي، الذي يمكن أن يمنح القصة القصيرة نموذجا متميزا داخل المشهد القصصي في العالم العربي. وأشار إلى أن اختيار الشعلة لمحور الملتقى نابع من استئثار التجريب منذ سبعينيات القرن الماضي بالنقد القصصي بالمغرب كاستراتيجية فنية لتقويض النمط والنموذج، وكصياغة لأشكال كتابية جديدة، تواكب السياق الثقافي والرؤية الواعية للعالم، خصوصا بعدما أضحى الإبداع القصصي، جزءا أساسيا ومؤثرا في الفعل الثقافي عموما.