سليم الجاي، كاتب استثنائي، وناقد متميز، ساهم منذ سنوات في التعريف بالعديد من الأعمال الإبداعية لكتاب مغاربة، اختاروا الإقامة خارج المغربوذلك بإصداره لعشرات الكتب والعديد من المقالات النقدية في المنابر الثقافية الفرنسية، لكنه مع ذلك لا يحظى بالمكانة التي تليق به داخل المشهد الثقافي المغربي، فقليلون هم الذين يعرفونه. أثار كتابه "معجم الكتاب المغاربة"، الصادر باللغة الفرنسية، جدلا في الأوساط الثقافية المغربية، ومنهم من ناصبه العداء لأنه استثناه من معجمه، لكن سليم الجاي، لا يلتفت لكل ذلك ويشتغل بتؤدة، ويوجه نقده اللاذع إن لزم الأمر ذلك. صدر له، وبمناسبة المعرض الدولي السادس عشر للنشر والكتاب بالدارالبيضاء، "أنطولوجيا الكتاب المغاربة بالخارج"، تضم خمسين كاتبا وبعضا من النصوص المعرفة بتلك الأسماء، وهي الأنطولوجيا، التي ستثير، أيضا، بعضا من النقاش. التقت "المغربية" الكاتب والناقد سليم الجاي بالمعرض فكان هذا الحوار معه. صدرت لك، أخيرا، وبمناسبة المعرض الدولي للنشر والكتاب "أنطولوجيا الكتاب المغاربة بالمهجر" ضمن الأعمال الصادرة بدعم من مجلس الجالية والوزارة المعنية، ما هي الأعمال التي تقدم في هذا الكتاب وبأي رؤية؟ الأنطولوجيا تقدم مجموعة من الكتاب المغاربة بالمهجر، عبر نماذج كتابية لحوالي 50 عملا لكتاب مغاربة يعيشون خارج المغرب، أو ازدادوا خارج البلد، منذ كتاب "التيوس" سنة 1955 للراحل إدريس الشرايبي، إلى آخر قصائد الشاعر المغربي، عبد الإله الصالحي، المقيم بباريس، وكتاب "Le livre imprevu"، العمل الأخير للشاعر والكاتب عبد اللطيف اللعبي. إلى جانب هؤلاء الكتاب تتضمن الأنطولوجيا بعضا من أعمال الكتاب: علي صدقي أزايكو، ومارسيل بنعبو، وإدمون عمران المالح،، وعمر منير، وإلياس إدريس، وعبد القادر بنعلي، وحفيظ بوعزة، ومحمد العمراوي، ومحمد العتروس، وسمية الزاهي، جمال بودومة، وفاطمة الأيوبي، وعبد الله الطايع، ونجاة الهاشمي، عبد الحق سرحان، وبريك أوسايد، الذي كتب كتابا مهما باللغة الفرنسية، يحكي فيه جوانب من حياته، ويكرم فيه والديه البدويين، ويشرح فيه الأوضاع الصعبة، التي عاش فيها، ورغبته العارمة في التعلم، التي دفعته إلى أن يصبح مهندسا، رغم البؤس الذي عاشت فيه أسرته. بما أن الأمر يتعلق بأنطولوجيا، فهل اعتمدت على معايير معينة في اختيار الكتب والنصوص، أم أنه اختيار خاص؟ فعلا إنه اختيار خاص، ولكن لا يمكن أن نقول إنني استثنيت كتابا معينين، ولكنني ضمنت كتابي أكبر قدر من الكتاب المغاربة بالخارج. وبما أنه لا يمكن لي إنجاز كتاب من ألف صفحة، وبما أن الإصدارات تتواتر سنة بعد أخرى لمغاربة في الخارج، يجب انتقاء المهم منها، بالاعتماد على معايير الجودة، التي يمكن أن نتناقش بخصوصها، وطبعا قد تكون هناك كتب جيدة لا أعرفها. بما أنك أحد المتخصصين في الأدب المغربي بالخارج، هل هناك مظاهر معينة أو خصوصيات معينة لهذا الأدب، الذي ذكرت لنا بعض أسمائه؟ مع الجيل الجديد لا يمكن الحديث عن مظاهر معينة، أو عن تلك التي بصمت كتابات الجيل السالف، التي تقلصت شيئا فشيئا مع هذا الجيل، لتترك المجال لأدب الكاتب، أو أدبية الكتابة بشكل عام، فكل كاتب له خصائص معينة، ولحسن الحظ لا يمكن لنا القول إن كل الكتاب المغاربة بالخارج يحكون عن الشيء نفسه، وبالطريقة نفسها. فتيمة السفر من أوروبا إلى البلد الأصلي، يحكيها الكتاب الجيدون بطريقة رفيعة، لدرجة تجعلك تحس كما لو أنك تقرأها لأول مرة، أما الكتاب "الرديئون" فيحكونها بطريقة عادية ومملة. وفي نهاية المطاف، فمهما كان الموضوع، فطريقة تناول الكاتب له هي الأهم. ما هي أوجه الاختلاف الأخرى للأدب المغربي الجديد بالخارج عن سالفه؟ الاختلاف يكمن في طريقة الكتابة، وفي الحكي الممتع، لدرجة تجعل كل حياة بمثابة رواية. فإذا كان الروائي موهوبا، فإنه يحول حياته العادية في عمله الإبداعي، إلى عمل إبداعي فريد. والجديد في هذا الأدب هو المصورون، الذين أصبحوا يكتبون أشياء مهمة إلى جانب صورهم، فهناك نموذج جوزيف موروندو، وهو من أم مغربية وأب إيطالي، كتب كتابا عجيبا عنونه ب "المغرب العادي"، وفيه صور جميلة للمنطقة، التي تعيش فيها عائلة أمه بالمغرب، وبعض النصوص. وفي هذا الكتاب يقدم موروندو صورة جدته، ويجعلك تقرأ في الوقت نفسه قصة لقائه بها بعد سنوات. وهناك مصور آخر وكاتب، وهو مالك نجمي، الذي أرغم بشكل ما والده، الذي لم ير بلده منذ سنوات، إلى العودة إلى البلد، وصور تلك العودة، وكتب عنها نصا تخييليا جميلا، لكن تلك الكتب المصورة، كتب راقية وباهظة الثمن، وتضم نصوصا مهمة. هل من السهل اليوم النشر خارج المغرب؟ المشكل في المغرب هو أن الكثير من الكتب المنشورة هي كتب على حساب المؤلف، فالكتاب يؤدون الثمن من أجل إصدار كتبهم، لأن هناك القليل من الناشرين، الذين يغامرون من أجل طبع أعمال لكتاب مغمورين. بالعكس في فرنسا يوجد ناشرون يغامرون إذا ما وجدوا الكفاءة اللازمة، لأنهم يفترضون في العمل مقومات معينة لا يتنازلون عنها. ولكنه يجب معرفة أن كل كتاب نشر ليس بالضرورة كتابا جيدا، حتى لو قرر ناشر ما صرف مبالغ من أجل إصداره، كما أن هناك كتبا رديئة لقيت نجاحا كبيرا، إنه أمر معقد، ولكن في الوقت نفسه هناك تزايد في عدد المؤلفين المغاربة بالخارج باللغة الفرنسية، والهولندية، والبلجيكية، إنهم شعراء وروائيون ذوو قيمة ومكانة رفيعة. وحتى لو اتهموني بالغيرة، فهناك نساء جميلات يؤلفن كتبا، ويجري الحديث عنهن كثيرا، ليس لأن كتاباتهن جميلة، بل لأنهن جميلات فحسب. وهل هذا الأمر يوجد بالخارج أيضا؟ نعم وبشكل كبير، ولكن هناك نساء أقل جمالا، ولكن كتاباتهن رائعة، وهنا لا يمكن لي أن أذكر أسماء معينة. بما أن المعرض الدولي للنشر والكتاب في دورته السادسة عشرة احتفى بمغاربة الخارج، فما تقييمك لهذا التكريم؟ أولا أعبر عن ارتياحي لهذا المبادرة الجميلة، وللاتفات للكتاب المغاربة المقيمين بالخارج، كما أعبر عن إعجابي بجمالية الأروقة، فهي مريحة وجميلة وتترك مساحة للقارئ والزائر، وما أثارني وأعجبني، أيضا، أن النقاشات في المعرض مرت بحضور جمهور منصت ومشارك. لكن فرحتي الكبيرة هي اللقاء بالكتاب المغاربة. أنا متضامن مع الكتاب المغاربة، الذين رفضوا المشاركة في أنشطة المعرض، لأنه جرى التراجع عن تعويضهم عن تلك المشاركة، وانطلاقا من مبدأ احترام الكتاب، فإنه ليس من اللازم أن يؤخذ منهم ذلك الحق. نظرا للمجهودات التي تبدلها بشكل شخصي في التعريف بالكتاب المغاربة بالخارج، هل ترى أن وزارة الثقافة تقوم بمجهودات مماثلة؟ أنا فعلا أعيش خارج المغرب، ولكنني أقول إن المجهود الذي يجب بذله هو مع الكتاب الموجودين في الداخل، لأن هناك كتابا جيدين، يجدون صعوبات كبيرة في التعريف بأعمالهم إلى القراء، إنهم في حاجة إلى الدعم. وعوض الحديث دوما والقول إنه يجب على وزارة الثقافة أن تفعل كذا وكذا، يجب على كل واحد أن يتساءل عما يفعله من أجل التشجيع على القراءة. ليس ذنب وزارة الثقافة، إذا كان القراء يفضلون اقتناء ال"دي في دي" بعشرة دراهم بدل الكتاب، الذي يوجد في طبعات كتاب الجيب بأثمنة زهيدة. إضافة إلى كونك أنجزت "معجم الكتاب المغاربة"، وأنطولوجيا خاصة بالكتاب المغاربة بالخارج، فما هي المواضيع التي تثير اهتمامك في كتاباتك الإبداعية؟ أهتم بكل المواضيع، وبالتحديد ما يمس الإنسان المهاجر، أنا أنشر منذ سنوات، ولكن العمل الإبداعي، لا يدر دخلا مهما، ولهذا فأنا أشتغل على الكتابات النقدية والدراسات الأدبية. وبعد روايتي الأخيرة "نصر مشترك"، التي أحكي فيها قصة امرأة مغربية مهاجرة، سأشرع في إنجاز تحقيق حول المهاجرين من جنوب الصحراء دون وثائق، والذين يشتغلون بباريس في المطاعم، ويقاومون من أجل الحصول على وضع اعتباري. وبفضل أستاذ سينغالي، يعرف اللغات الإفريقية، سأحاور كل هؤلاء الناس حول قصصهم وحول مشاكلهم ومقاوماتهم، حتى أستطيع إنجاز عمل متكامل.