"صافي لورفولينا، سي فيني، انتا غادي لدارك، ديالك، أنت واخوك مع بباك ومماك"، بهذه العبارة ضمت سارة اليتيم، وعانقته ثم بكت بحرقة، كما بكى معها كل من رآها، الخميس الماضي، أمام محكمة الأسرة بالدارالبيضاء، بعد جلسة تسليمه، للتكفل به.كان الطفل يبحث عن صدر حنون، يضمه، ويمسح دموعه، فبدت هذه الأم، نبعا من العطف والإحساس الرقيقين، تسكبهما بعفة، وهي تقبله بين الفينة والأخرى، لتحقق بحثه عن الشعور بالدفء والطمأنينة إلى جانب الرعاية بأمان. كنت أتابع حركات الطفل إلياس، البالغ سنة ونصفا من عمره، بعدما تسلمه الزوجان، عن طريق السلطات المحلية، للتكفل به. كان جميلا، عفيفا، راضيا، يمسك بيد أبيه وأمه، ويقلب عينيه بحيرة وسط زحمة المواطنين، الذين كانوا يغادرون المحكمة. كانت نظراته البريئة تعبر عن استسلامه للقدر، الذي وضعه بين يدي أبوين يعيشان في أوروبا، بعيدا عن أنظار أمه الطبيعية، التي تخلت عنه السنة الماضية، في إحدى شوارع الدارالبيضاء، دون أن تعلم مصيره. لما تابعت صورة أبيه، الذي تكفل به، ويعانقه، استحضرت حديث الرسول صلى الله عليه وسلم، الذي قال "من ضم يتيما فكان في نفقته، وكفاه مؤونته، كان له حجابا من النار يوم القيامة"، فبدا لي قيمة العمل الإنساني، الذي سيؤديه، إلى جانب زوجته، علما أنه سبق لهما أن تكفلا بطفل مثله من مؤسسة للأيتام بالعاصمة الاقتصادية، ونقلاه إلى سويسرا ليعيش في حضنهما. كانت ابتسامته، لا تغادر محياه، وهو يتوجه إلى ركوب السيارة، التي ستنقله إلى منزله الجديد، في شارع بوردو، حيث يعيش هذا المهاجر المغربي، المتكفل، إلى جانب زوجته الفرنسية، وكأنه يودع عالم الحزن، الذي عاشه، بعيدا أن أبويه الأصليين، بين أطفال يتامى، تخلت عنهم أمهاتهم، وتنكر لهم آباؤهم، وتركوهم للمصير المجهول، بل يستقبل العالم الجميل، الذي يحلم به كل طفل في وضعه، خاصة أن عددا من المغاربة يتخوفون، ويرفضون فكرة التكفل بالأيتام.