دعا المشاركون في اللقاء الأول من "منتدى المشهد للفكر والحوار"، أول أمس الثلاثاء بالدارالبيضاء، إلى عقلنة الحقل الحزبي، وإخراج المشهد السياسي الوطني من الضبابية والغموض في اتجاه توفير إطار ديمقراطي واضح المعالم، من شأنه أن يتيح لكل فاعل سياسي أن يمارس في إطار توازن حقيقي للسلط. وأبرز المشاركون، في هذا المنتدى، الذي تنظمه مجلة "المشهد" الأسبوعية، والذي تميز بحضور نخبة من السياسيين، والفاعلين، والرياضيين، والمثقفين، والصحافيين من مختلف المنابر الوطنية، أهمية توفير شروط الممارسة الديمقراطية الحقة، وتساءلوا عن معنى وجود التقنوقراط في المسؤوليات الحكومية، معتبرين أن ذلك يضعف الأحزاب السياسية، ويشوش على الديمقراطية، ويساهم في ابتعاد المواطنين عن العمل السياسي، الشيء الذي لا يخدم البلاد في شيء، مشددين على أن المغرب يستحق نخبة راقية تحظى بالثقة وتتحمل مسؤولياتها كاملة، وأنه لا مجال، في مغرب اليوم، لفكر الهيمنة والسعي للتحكم. واعتبر عبد الإله بنكيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، أن جميع الأحزاب المغربية أبدت رغبتها في التحالف مع حزبه، بعد الانتخابات الجماعية الأخيرة، قبل أن تتبدل الأمور في بعض المدن، في اليوم الموالي للاقتراع. وأوضح بنكيران، الذي كان يتحدث أمام نخبة من السياسيين، والفاعلين، والرياضيين، والمثقفين، والصحافة، في "منتدى المشهد للفكر والحوار"، الثلاثاء الماضي، بفندق شيراتون بالدارالبيضاء، أن العدالة والتنمية، بتحالفه مع بعض الأحزاب، خاض "معركة شرسة"، لتشكيل مكاتب بعض المجالس، خاصة في الرباط والدارالبيضاء. وأضاف بنكيران، في مداخلته في المنتدى، الذي تنظمه شهريا مجلة "المشهد"، أن "العدالة والتنمية استطاع خوض تجربة تدبير الشأن المحلي بمدن الرباط، وسلا، والدارالبيضاء، وأكادير، بتحالفات محلية، رغم ما تعرض له الحزب من مواجهات، للحيلولة دون تحمله مسؤولية بالجماعات المحلية". وأشار بنكيران في هذا اللقاء، الذي أداره رئيس تحرير مجلة المشهد، أحمد نشاطي، والباحث السياسي ميلود بلقاضي، إلى أن "التحالف المنطقي يتأسس على مبدأ احترام اللعبة السياسية، وتنظيف الميدان السياسي". من جهته، تطرق عبد الهادي خيرات، عضو المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي، إلى ثلاث ملاحظات، اعتبرها من معيقات العمل السياسي في المغرب، موضحا أن طرح موضوع التحالفات سابق لأوانه، وقال إن "طرح هذا الموضوع للنقاش، يبدو كأننا في بلد استكمل الديمقراطية، والأحزاب تملك استقلالية وملكية القرار السياسي، وجميعها راجعت قوانينها الأساسية". واعتبر خيرات أن ضعف الأحزاب راجع إلى تعيين التقنوقراط في مناصب المسؤولية الحكومية، وقال "كأن هؤلاء ولدوا وفي فمهم ملعقة من ذهب، أو حيت هم اللي قاريين مزيان؟". ودعا إلى استبعاد غير المتحزبين من مسؤوليات تدبير الشأن العام، موضحا أن "عصابات تسير البلد والمدن"، واستشهد بمداخلة للكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي السابق، عبد الرحمن اليوسفي، التي خلص إليها بعد اعتزاله العمل السياسي، مفادها أن "السلطة بالمغرب عتيقة ولها حراس". وعن حزب التقدم والاشتراكية، اعتبر نبيل بنعبد الله، عضو الديوان السياسي، أن "طرح الموضوع للنقاش، اليوم، أمر مهم، لما تشهده الساحة السياسية الوطنية من تطورات، تستدعي القراءة، وتوضيح الأفق بالنسبة للشعب المغربي". وأوضح أن التحالفات، بالنسبة للتقدم والاشتراكية، لا تطرح بشكل مجرد، بل كنتيجة لتشخيص وقراءة مع فاعلين سياسيين، من أجل الاتفاق والوصول إلى مشروع التحالف. وبعد أن أكد أن "المغرب استطاع التقدم في بناء الديمقراطية نسبيا، وتسجيل إيجابيات في مسار بناء الديمقراطية على مستوى حقوق الإنسان، والمجال الاجتماعي، مع تسجيل خصاص في هذا الجانب"، أضاف أن "ما جرى في التحضير للانتخابات التشريعية الأخيرة، وأثناء الانتخابات، وبعدها، لا يمكن أن يساهم في إرجاع الثقة للمغاربة في أحزابهم، إذ أن كل الأحزاب السياسية، دون استثناء، متأثرة بهذه الممارسات". وتساءل بنعبد الله "كيف يمكن أن نعطي كامل المصداقية للحقل السياسي، ونحن نرى بعض الأمور الغريبة، التي تطرح عند تشكيل الحكومة، مثل إسقاط أشخاص على أحزاب دون أن يكون لهم أي انتماء إليها؟". وتطرق إلى التحالفات المتناقضة بين الأحزاب بين مدينة وأخرى، واعتبرها "غير طبيعية"، ليؤكد أن "التحالف، بالنسبة للتقدم والاشتراكية، يجب أن يتأسس ويتحدد انطلاقا من تصور مشترك لطبيعة المشروع المجتمعي، الذي نريده، ولطبيعة الإصلاحات الأساسية، التي المغرب في أمس الحاجة إليها". وكان حكيم عنكر، سكرتير تحرير مجلة "المشهد"، تلا في بداية اللقاء أرضية موضوع أول ملتقى ل"منتدى المشهد"، بعنوان "تحولات المشهد السياسي المغربي في أفق 2012... التحالفات الحزبية في المحك"، وطرح أسئلة: ما هي القواسم المشتركة المفروض توفرها بين شريكين حزبيين أو أكثر لنسج تحالف؟ هل يجب أن يتوفر التقارب الإيديولوجي، كما تدعو إلى ذلك أطراف يسارية اليوم؟ أم هل يجب أن يتوفر التقاطع السياسي والبرنامجي، والاتفاق على أهداف بعيدة المدى، كما يعكس ذلك ميثاق الكتلة؟ هل يكفي الاتفاق على أهداف أو برامج تهم المدى القصير والمتوسط، كما يحصل منذ تكوين حكومة التناوب؟ أم أن هناك شروطا أخرى، يجب توفرها لنشوء تحالف بين الأحزاب السياسية؟ ما هي المرحلة، التي يجب أن يتجسد فيها التحالف: هل قبل الانتخابات، أم بعدها؟ هل دلالة التحالف هي انتهاء الخلاف، وحصول التطابق، أم تدبير الاختلاف، وفقا لمعايير ديمقراطية متوافق حولها؟