يخلد الشعب المغربي، وفي طليعته أسرة المقاومة وجيش التحرير، اليوم الخميس، الذكرى 52 للزيارة التاريخية، التي قام بها بطل التحرير، جلالة المغفور له محمد الخامس، إلى محاميد الغزلان، يوم 25 فبراير 1958.الزيارة الملكية باستقبال جلالة المغفور له محمد الخامس، ممثلي وشيوخ وأبناء القبائل الصحراوية وتعد هذه الزيارة، التي نخلد، أيضا، الذكرى 29 للزيارة التي قام بها جلالة المغفور له الحسن الثاني للمنطقة، سنة 1981، صفحة مشرقة في مسيرة الكفاح الوطني، لاستكمال الاستقلال وتحقيق الوحدة الترابية. وتميزت الزيارة الملكية باستقبال جلالة المغفور له محمد الخامس، ممثلي وشيوخ وأبناء القبائل الصحراوية، وتلقى بيعتهم وولاءهم، وجسد في خطابه التاريخي بالمناسبة، مواقف المغرب ونضاله الصامد لتحقيق وحدته الترابية. جاءت هذه الزيارة بعد ملاحم الكفاح الوطني المرير ضد الاحتلال الأجنبي، وكانت تعبيرا واضح المعالم عن عزم الشعب المغربي بقيادة العرش العلوي المجيد على استكمال استقلاله، وحرصه على استرجاع أراضيه المغتصبة. هذا ما أكده بشكل صريح جلالة المغفور له محمد الخامس في خطابه أمام سكان محاميد الغزلان، ومن خلالهم إلى الأمة المغربية والعالم أجمع حيث قال"... سنواصل العمل بكل ما في وسعنا لاسترجاع صحرائنا، وكل ما هو ثابت لمملكتنا بحكم التاريخ ورغبات السكان، وهكذا نحافظ على الأمانة التي أخذنا أنفسنا بتأديتها كاملة غير ناقصة". وأبرز قائد المسيرة الخضراء المظفرة جلالة المغفور له الحسن الثاني إبان زيارته الميمونة إلى محاميد الغزلان، بتاريخ 11 أبريل1981، في خطابه السامي بالمناسبة، عن المضامين السياسية لزيارة والده المنعم، وعن الدلالات التاريخية العميقة، التي يرمز إليها هذا الحدث الوطني المجيد، إذ قال رضوان الله عليه، مخاطبا سكان محاميد الغزلان ".. إن الذاكرة ترجع بنا إلى الوراء، ترجع بنا إلى سنة 1958، حينما زاركم والدنا المنعم محمد الخامس، وإننا لنذكر تلك الزيارة باعتزاز وتأثر، نذكرها باعتزاز لأن من هنا انطلق صوته رحمة الله عليه مطالبا باسترجاع الأراضي المغربية حتى تتم الوحدة الوطنية، ونذكرها بتأثر لأنها لم تكن صيحة في واد، بل كانت نداء وجد أعظم صدى، وكان عرسا له أكبر نماء، وكان درسا في السياسة والصبر والمصابرة، ها نحن اليوم نجني ثماره". أعلن جلالة المغفور له محمد الخامس، فور عودته منتصرا من المنفى السحيق، يوم 16 نونبر 1955، يحمل إلى الشعب المغربي الأبي، بشرى الحرية والاستقلال، حرصه على إعادة بناء الكيان الوطني، وفق قاعدة الاندماج بين مناطقه وأقاليمه، وتحطيم الحدود الوهمية المصطنعة الموروثة عن العهد الاستعماري. قبل أيام من زيارته لربوع ورزازات وزاكورة، ألقى جلالة المغفور له محمد الخامس خطابا بعرباوة، يوم 16 فبراير1958، جاء فيه "... وإن مجيئنا الرمزي إلى هذا المكان ليؤذن بأنه لن يبقى بعده شمال وجنوب إلا في الاصطلاح الجغرافي العادي، وسيكون هناك فقط المغرب الموحد". في غمرة هذه الأجواء الوطنية، توجه الموكب الملكي إلى هذه المنطقة المجاهدة لصلة الرحم بأبنائها، فهب المواطنون عن بكرة أبيهم لاستقباله رضوان الله عليه، كما توافد العديد من المواطنين من الأقاليم الجنوبية وأعضاء جيش التحرير لاستقبال جلالته. وبقدر ما كانت هذه الزيارة الملكية الميمونة تجسيدا للعلاقات القائمة على امتداد قرون، بين العرش العلوي المجيد والشعب المغربي الأبي، بقدر ما كانت تأكيدا وتثمينا لنضال وجهاد مواطني المناطق الجنوبية من أجل التحرير والوحدة. وأظهر أبناء الأقاليم الجنوبية تعلقا متينا وراسخا بوطنهم وملكهم ودينهم، كما أبدوا اعتزازا عميقا بانتمائهم إلى الرصيد الكفاحي التاريخي، الذي جمع سكان الصحراء بإخوانهم في باقي مناطق البلاد، خلال فترات تاريخية وجهادية، ضد الاحتلال الأجنبي. وتظل المعارك التي خاضها جيش التحرير بالجنوب، الذي شكل أبناء الأقاليم الصحراوية عموده الفقري، منقوشة في السجل التاريخي لهذه الأمة بمداد الفخر والاعتزاز، وهي المعارك التي أظهر فيها سكان الجنوب، قدرة فائقة على الجهاد والتضحية والفداء، مكرسين بذلك تقاليد الكفاح الوطني، التي أسسها أسلافهم عبر الحقب والعصور، والتي لم تكن ملحمة معارك بوغافر بجبل صاغرو سنة 1933 إلا واحدة منها. وجنى المغرب ثمار كفاحه المستميت والمتواصل، إذ استرجعت مدينة طرفاية سنة 1958، ومدينة سيدي إيفني سنة 1969. وكان ذلك بفضل السياسة الحكيمة، التي نهجها جلالة المغفور له الحسن الثاني، الذي عمل جاهدا من أجل توحيد البلاد، وتخليص مناطقها الجنوبية من الوجود الأجنبي، ومكنته عبقريته الفذة، قدس الله روحه، وحنكته السياسية، من تحقيق ذلك عبر المسيرة الخضراء المظفرة، التي نادى بها يوم 16 أكتوبر 1975 . وكانت المسيرة الخضراء المظفرة تجسيدا فعليا لمضامين الخطاب السامي، الذي وجهه بطل التحرير جلالة المغفور له محمد الخامس إلى سكان محاميد الغزلان، ومحطة بارزة في مسار استكمال الوحدة الترابية. وعلى هذا النهج الثابت، يواصل صاحب الجلالة الملك محمد السادس ملحمة الدفاع عن الوحدة الترابية، وصيانتها وتثبيت مغربية الأقاليم الصحراوية، التي كانت وستبقى جزء لا يتجزأ من أركان الوطن، في ظل السيادة الوطنية. وتشكل هذه الزيارة، إحدى المناسبات لربط الحاضر بالماضي، وتلقين الأجيال الصاعدة تاريخ الكفاح الوطني، الزاخر بالملاحم والأمجاد، تمشيا مع التوجيهات الملكية السامية، الرامية إلى الاعتزاز بالأمجاد والذكريات الوطنية الخالدة، واستحضار تضحيات شهداء الوطن الأبرار، لاستلهام دلالات كفاحهم وجهادهم، والتذكير بتضحياتهم الجسام، في سبيل إعلاء راية الوطن، وإذكاء الروح الوطنية الخالصة، ومواقف المواطنة الإيجابية في صفوفهم، للإسهام في ملاحم الجهاد الأكبر الاقتصادي والاجتماعي، لبناء المغرب الجديد، وتوطيد دعائم ارتقائه الموصول، على درب الحداثة والديمقراطية، وإنجاز مهام ومقاصد النهضة الشاملة والمستدامة.