بعد مرور أكثر من 14 سنة على صدور روايته الأولى"جنوب الروح"، أصدر الشاعر والكاتب، ووزير الثقافة السابق، محمد الأشعري، رواية جديدة تحمل عنوان "القوس والفراشة"وصدرت الرواية عن المركز الثقافي العربي، يرصد فيها مصير ثلاثة أجيال من آل الفرسيوي: محمد الفرسيوي الجد، الذي تحول إلى دليل ضرير للسياح في ما تبقى من خراب مدينة وليلي، بعد مقام طويل بألمانيا وعودته إلى البلد، ويوسف الفرسيوي الابن، العائد من أجل البحث عن الحقيقة وتلمس الطريق من جديد، بعدما اعتقد لسنوات أن والده كان وراء مقتل والدته الألمانية ديوتيما، التي قيل له إنها انتحرت، وياسين الفرسيوي الحفيد، الذي جره التيه إلى اعتناق الفكر الظلامي، والالتحاق بجماعة طالبان، ثم تفجير نفسه، لتنتهي معه حكاية آل الفرسيوي. "القوس والفراشة" نموذج لرواية الأطروحة، كما اعتبرها المشاركون في تقديم هذا العمل، مساء يوم الخميس الماضي 28 يناير الجاري، بالمكتبة الوطنية بالرباط، وامتداد للرواية الأولى لمحمد الأشعري "جنوب الروح"، لأنها تعيد تمثيل العشيرة، وترصد تحولات ثلاثة أجيال من آل الفرسيوي، كما رأى الشاعر المهدي أخريف، الذي ابتدأ اللقاء بسرد حكاية الرواية، وتكسير أفق انتظار الحضور أو مفاجأتهم، واعتبر أن الرواية الجديدة للأشعري هي الرواية الثالثة، لأنه رأى في مجموعته القصصية "يوم صعب" ملامح رواية ثانية له. وأضاف أخريف أن الأشعري في رواية "القوس والفرشة" يفعل الشيء نفسه، الذي فعله في رواية "جنوب الروح"، ويقدم حكايات جديدة لمحمد الفرسيوي بطريقة جديدة، إذ سيتحدث عن فترة مقامه بألمانيا لمدة عشرين سنة، واكتشافه لكنوز الشعر الألماني، ثم عودته إلى المغرب رفقة زوجته الألمانية، ديوتيما، )التي يحيل اسمها إلى اسم زوجة الشاعر الألماني هولدرلن(، طمعا في استرجاع أمجاد أجداده الأمازيغ، لكن الأقدار تحول بينه وبين تحقيق حلمه، فتتحول حياته إلى كابوس، إذ يتعرض إلى حادثة سير يفقد إثرها نعمة البصر، فيصبح دليلا أعمى للسياح في ما تبقى من خراب مدينة وليلي الأثرية. يمثل الجيل الثاني يوسف الفرسيوي (ابن محمد)، الذي عاش في ألمانيا فترة مهمة، وعاد إلى بلده واكتوى بالتجربة السياسية، التي أخذت منه سنوات في سجن القنيطرة، بسبب انخراطه في حركة يسارية. يوسف صحافي يكتب عمودا في جريدة حزب يساري، ومقالات في مجلات متخصصة، وصاحب موهبة أدبية، يتنقل بين الحانات والمطارات، ويكتب رسائل إلى حبيبته، ويواصل بحثه عن الحقيقة، خاصة حقيقة مقتل والدته الألمانية، التي قيل له إنها انتحرت. أما الجيل الثالث من آل الفرسيوي فيمثل الحفيد ياسين، الذي كان يتابع دراسته في شعبة الهندسة المعمارية بفرنسا، ليقرر بعد ذلك الالتحاق بأفغانستان والانتماء إلى حركة طالبان، ليلقى مصرعه هناك، في محاولة له لمنع أحد أصدقائه من تفجير نفسه، فينفجران معا، وتنتهي بذلك قصة آل الفرسيوي. في هاته الشخصيات الثلاث، أشياء من الكاتب والشاعر محمد الأشعري، الذي اكتوى أيضا في تجربته السياسية، وذاق مرارة الخسران، وهو ما يعطي للرواية بعدا ذاتيا أو سير ذاتيا، لأنها محملة بأسئلة حارقة عن المغرب السياسي والاجتماعي، والثقافي، ما يجعلها رواية تنتقد مغرب اليوم. ورغم حمولة الرواية السياسية، واشتغالها على قضايا إنسانية واجتماعية، فإنها، كما قال المهدي أخريف، تنتصر لأدبيتها الخاصة ولشعرية النص، وهو ما يمنحها قوة متفردة، ويجعلها تقدم إضافة نوعية للأدب المغربي بشكل عام، والروائي بشكل خاص. أما الناقد عبد الفتاح الحجمري فرأى في رواية "القوس والفراشة"، التي تقع في 333 صفحة من الحجم المتوسط، جوابا على سؤالين أساسين وهما: لماذا حاضرنا على ما هو عليه؟ ولماذا ننتمي اليوم لسلالة الخوف والقلق؟ وتأملا في الخسارة، "ليس لما نفقده، ولكن للعجز الذي يتبقى فينا من عجزنا عن فعل الشيء، الذي كان يجب فعله"، كما قال الحجمري. وفي السياق ذاته، أشار الحجمري إلى أن الرواية انشغلت بما يحيط بالساحة المغربية من مواضيع الرشوة، والبيروقراطية، والفساد، والسلطة، وهو ما أضفى عليها مسحة سياسية، وقال إن الرواية تصنع زمنا أفسح من الراهن. من جهته، اعتبر الروائي عبد الكريم الجويطي، في كلمته المعنونة ب "الشعر لترويض الخراب"، أن رواية الأشعري الجديدة تفصح عن كثافة لغوية، وعن اهتمام كبير برصد خراب الحياة، وأنها رواية مذهلة كتبت بحزن عميق.