عبر العديد من النقاد والمهتمين بالفيلم الوثائقي عن إعجابهم بالشريط الوثائقي الجديد للمخرج المغربي حكيم بلعباس، "وجوه" في العرض ما قبل الأول الذي احتضنته نهاية الأسبوع المنصرم قاعة سينما "ريتز" بالدارالبيضاء.ويعتبر "وجوه" الذي حظي بتنويه خاص من لجنة تحكيم مسابقة المهر العربي للأفلام الوثائقية، التي تنظم في إطار فعاليات مهرجان دبي السينمائي الدولي، امتدادا لشريطه السابق "هاذي الأيادي"، الذي لا يخرج عن قاعدة الفيلم التسجيلي، الذي يصور أشخاصا دخلوا عالم النسيان من بابه الواسع. في شريطه الوثائقي الجديد، يعود "حكيم بلعباس" المقيم بمدينة شيكاغو الأميركية، بلوحات شخصية عميقة، يتناول فيها وجوها من الهامش، ويعرضها في مشاهد تجمع بين الأمل واليأس، والفرح والحزن، والقحط والخصب، قام بتصويرها على مدى سنوات. يقول الناقد المغربي حسن حبيبي "يؤمن حكيم بلعباس كثيرا بصدق الأحاسيس وسحر الحياة اليومية، وهو يحاول التقاط ذلك الجمال الرهيب الذي تحفل به، وهو جمال لا يمكن صناعته، بل فقط التقاطه في صفائه ونقائه ولحظاته الحميمية، لذا لا تجده أبدا يبحث عن النجوم لأداء أدوار أفلامه". تروي "وجوه" بلعباس التي لا تحمل أسماء، حكايات مختلفة في فصول متتابعة، مصحوبة بصور وحوارات مع أشخاص يعانون في صمت من التهميش وقساوة الحياة، لتشكل مفكرة بصرية غنية يقدمها مخرجها إكراما لقوة الصورة، ولوجوه عايشها وأثرت في مساره الفني منذ طفولته. يسلط فيلم بلعباس الضوء على مجموعة من الشخصيات، التي تعيش في الظل، ليشكل عالما يضم وجوها منسية تنتمي إلى عوالم مختلفة، تجمع العديد من الفنانين والحرفيين والحرفيات، الذين عايشهم المخرج، قبل أن يسافر إلى أميركا، حيث تابع دراسته في مجال السينما. إنه فيلم انطباعي، يمكن المشاهد من التعرف على العوالم الخلفية لمغاربة بسطاء بالكاد يوفرون لقمة عيش حاف، وهو اعتراف بهذه الشريحة وتكريم لها، وتكريم أيضا بلغة الصورة، لمناطق مختلفة من المغرب، من شماله إلى جنوبه. في "وجوه" يعود كل واحد من أبطال الفيلم، الذين أدوا أدوارهم بعفوية وبكل احترافية، رغم أن غالبيتهم لا ينتمون إلى عالم الفن والتمثيل، للتعبير عن أحاسيسهم المختلفة، ومعاناتهم مع الحياة التي يتحملون قساوتها وإكراهاتها بكثير من الشجاعة والصبر. فيلم "وجوه"، ليس سوى تسجيل وتوثيق لتجربة بعض الحرفيين التقليديين، والفنانين الذين يرغبون في المحافظة على مهنهم، وعلى طريقة عيشهم، التي يتوانون في الدفاع عنها رغم الإكراهات التي تهدد استمراريتها. يجمع بلعباس في شريطه الجديد بين حالات متفرقة موثقا بالمعنى الانفرادي للشخص، الوضع المعيشي والمعاناة، في لوحات متعددة، تجمع كل واحدة منها وجوها تجمعها الاهتمامات ذاتها، لتتعدى الخاص وتصب جحيم العوز والفقر. النضال من أجل البقاء، الذي يوحدها. في اللوحة الأولى، يجمع المخرج في شريطه بين عازف "السنتير" الشيخ الكناوي، الذي يتحسر على اندثار الفن الكناوي الأصيل، وعازف الكمان "شيخ العيطة" المهووس بفنه حتى النخاع، وعازف العود، الذي تأخذه نغمات عوده إلى عوالم خارجية، والفنان التشكيلي، الذي يدخل عالما غريبا بمجرد ما تبدأ فرشاته ملامسة اللوحة التي يعتبرها بمثابة عضو من أعضائه، فضلا عن عازفي إيقاع يستعملان أدوات طينية تقليدية قديمة كالزير، الذي تصدر عنه نغمات "كونترباص" فخمة تضاهي نغمة الفيولونسيل، وكأنه يجسد المقولة الشهيرة "الفنون جنون". في ثاني لوحاته يجمع بلعباس في لوحة مشابهة للأولى فنانين من رواد الحلقة يناضلون من أجل البقاء في ظل التغيرات، التي عرفها المجتمع المغربي، الذي غزته الفضائيات وكل أشكال الفرجة القادمة من كل صوب وحدب، كما يعرض. أما في لوحته الثالثة فجمع بلعباس بين وجوه مرتبطة ارتباطا حميميا بالأرض، من خلال فلاح يعيش بين الجدب والخصب، وراعية إبل تواجه قساوة الطبيعة وشظف العيش. في لوحته الرابعة يعرض بلعباس وجوها من الصناع التقليديين، من بينهم النجار وصانع الحلي، والدباغ، وصانع الأحذية التقليدية، الذين يناضلون أيضا، من أجل استمرار حرفهم، التي تعاني الانقراض. يحاول بلعباس من خلال أبطال الفيلم، تذكر طفولته، كما يسعى إلى دمج عوالم مختلفة في سيناريو، حاول من خلاله أن يبقى واقعيا إلى أبعد الحدود، ليقدم لنا شريطا دون رتوشات، وخال من كل المساحيق، ليتمكن في نهاية المطاف، من تقديم صورة حقيقية لوجوه يعتصرها الحزن والألم كما يشع منها الفرح والأمل أيضا، ليصنع منها أبطالا لأنه يؤمن بأن "النجوم هم الناس الذين نلتقيهم في الشوارع كل يوم".