بتبنيه استراتيجية وطنية لحماية البيئة، يؤكد المغرب التزامه لفائدة تنمية مستدامة ومسؤولة، وعزمه الأكيد على رفع التحديات البيئية للألفية الثالثة. وكان صاحب الجلالة الملك محمد السادس أكد، في الخطاب السامي، الذي وجهه إلى الأمة، بتاريخ 30 يوليوز 2009، بمناسبة الذكرى 10 لاعتلائه العرش، أن "المغرب وهو يواجه، كسائر البلدان النامية، تحديات تنموية حاسمة وذات أسبقية، فإنه يستحضر ضرورة الحفاظ على المتطلبات البيئية". وقال جلالة الملك، الذي ترأس في 25 شتنبر الماضي، بالديوان الملكي بالرباط، جلسة عمل مخصصة للبيئة، إنه يتعين اعتبار البيئة "رصيدا مشتركا للأمة، ومسؤولية جماعية لأجيالها الحاضرة والمقبلة"، مشيرا إلى أن المشاريع التنموية التي أنجزت، أو تلك التي ستنجز مستقبلا، يجب أن تلائم بين متطلبات التنمية السوسيو- اقتصادية، وحماية البيئة، والتنمية المستدامة. وبهذه المناسبة، أعطى جلالة الملك تعليماته السامية للحكومة، بهدف الانكباب، في أسرع الآجال، على بلورة ميثاق وطني للبيئة والتنمية المستدامة، حسبما أعلن عنه في خطاب العرش، لسنة 2009 . وهكذا، نهجت المملكة سياسة بيئية جديدة تقوم على مبدأ التنمية المستدامة، كما تعتزم جعل حماية البيئة عاملا محوريا، في التنمية الاقتصادية والاجتماعية للبلاد. وتتمحور أولويات العمل البيئي، في هذا المجال، حول عدة ميادين تهم حماية الموارد المائية، والتقليص من النفايات، ومعالجتها وتحسين تدبيرها، وضمان جودة الهواء، وخفض التلوث الجوي، وحماية التربة والساحل. استراتيجية وطنية لحماية البيئة من أجل تدبير أنجع للمجال البيئي، فتح المغرب عدة أوراش شملت، بشكل خاص، مراجعة ترسانته القانونية، في مجال البيئة، ووضع مجموعة من الوسائل التقنية، والمالية، الداعمة للسياسة البيئية الوطنية. وتتوفر المملكة، حاليا، على أدوات عدة لقياس ومراقبة جودة البيئة (المرصد الوطني للبيئة، المختبر الوطني للبيئة، المرصد الوطني للجفاف، المختبر العمومي للدراسات والتجارب، والعديد من المختبرات الأخرى والمصالح القطاعية ). وبغية الحد من المشاكل البيئية، التي تواجهها المملكة حاليا، وعلى غرار باقي بلدان المعمور، تبنى المغرب استراتيجية وطنية لحماية البيئة . ويشمل هذا التوجه الاستراتيجي، الرامي إلى حماية البيئة، على المديين المتوسط والبعيد، عدة برامج محورية ستجسد، بالملموس، من خلال عدد من البرامج، التي تهم، خصوصا، الحماية والتدبير المستدام للموارد المائية، والمخزونات الباطنية، وحماية الهواء، وتطوير الطاقات المتجددة، والتدبير المستدام للوسط الطبيعي، خاصة الغابات والواحات والساحل، وكذا الوقاية من الكوارث الطبيعية، والمخاطر التكنولوجية الجسيمة، وتحسين البيئة بالوسط الحضري والضواحي، علاوة على تدبير وتطوير التواصل البيئي. وأولى المغرب اهتماما كبيرا، في إطار هذه الاستراتيجية، للوقاية من الكوارث الطبيعية والمخاطر التكنولوجية الجسيمة، من خلال تدابير تهدف إلى تحسين المعرفة بالمخاطر الطبيعية والتكنولوجية، وكذا تحسين البيئة الحضرية، وشبه حضرية، من خلال تطوير برامج للتطهير السائل والصلب. ويعتزم المغرب الإعلان، خلال العام المقبل، عن ميثاق للبيئة يروم تقنين تدبير النفايات السائلة والصلبة بجميع القطاعات العمومية والخاصة، مع حماية الموارد والمجالات الطبيعية. ويقدر متخصصون في المجال كلفة تدهور البيئة، بحوالي 20 مليار درهم سنويا، وهو ما يعادل 8 في المائة، من الناتج الداخلي الخام. وعرف التزام المغرب بحماية البيئة تحولا نوعيا، هذه السنة، من خلال التوقيع على 16 اتفاقية شراكة بين الحكومة والجهات 16 للمملكة، بهدف إنجاز مشاريع مندمجة في قطاعي الماء والبيئة. تضافر الإرادات من أجل تطوير أعمال مواطنة وتتمثل أهداف هذه الاتفاقيات، التي تتوخى ترشيد استهلاك الماء، وإشراك كافة الفاعلين، في حماية وتثمين الموارد المائية، والمجالات البيئة والتنوع البيئي، والوقاية ومكافحة المخاطر، وإزالة التلوث وتدبير النفايات السائلة والصلبة، وإعادة تأهيل المدارس القروية، والدور القرآنية والمساجد، وإنشاء فضاءات ترفيهية بالمناطق الحضرية والضواحي، فضلا عن التحسيس والتربية على احترام البيئة. وإلى جانب التدابير المتخذة على الصعيد الحكومي، قامت مؤسسة محمد السادس لحماية البيئة، التي تتولى رئاستها الفعلية صاحبة السمو الملكي الأميرة للا حسناء، منذ إحداثها سنة2001، بعدد كبير من المبادرات في مجال حماية البيئة، من قبيل برامج "مدن مزهرة"، و"شواطئ نظيفة"، و"التربية على البيئة"، وبرنامج "جودة الهواء". وسنت هذه المؤسسة، التي تتمثل مهمتها في إشراك القوى الحية بالبلاد، في مجال حماية البيئة، وحشد الإرادات، وتطوير وتسريع وتيرة العمل المتسم بالمواطنة، نهجا مشتركا تساهم فيه جميع الجهات الفاعلة، تحت شعار "كلنا من أجل البيئة". ويقوم هذا النهج على ثلاث ركائز تتمثل في مشاطرة الالتزام، واعتماد استراتيجية للتنمية المستدامة، وتربية الصغار على مبادئ احترام البيئة . من ناحية أخرى، جرى التوقيع، بتاريخ 22 أبريل المنصرم، بمكناس، على اتفاق نوايا يهم هبة، بقيمة 137 مليون دولار أميركي، موجهة لدعم التنمية المستدامة بالمغرب، بين المملكة وصندوق البيئة العالمية، الذي يلتزم بموجبه هذا الأخير، على الخصوص، بتمويل مشروع يهم إدماج تأثيرات التغير المناخي في التخطيط للتنمية، والوقاية من الكوارث. كما أن المغرب، الوفي على الدوام والمحترم للقواعد الأساسية، التي تؤطر التعاون الدولي، صادق على الاتفاقيات الثلاث، المتمخضة عن مسلسل "قمة ريو"، التي تهم مواضيع التغيرات المناخية، والتنوع البيئي، ومكافحة التصحر. وهكذا، فإن انضمام المغرب للاتفاقيات والمعاهدات المعروفة باتفاقيات "جيل ريو" يعكس بجلاء إرادة الحكومة المغربية في الانخراط في الإطار القانوني للآفاق الجديدة للتعاون الدولي، التي تتيحها هذه الآليات القانونية الجديدة لمختلف البلدان. (و م ع)