باستثناء حزبي “العدالة والتنمية” و”الأصالة المعاصرة”، اللذان حققا أرقامًا أكبر في عدد المقاعد مقارنة بانتخابات 2011، تراجعت كلّ الأحزاب الكبرى والمتوسطة إلى الوراء في الانتخابات التشريعية ليوم 7 أكتوبر، إذ تبيّن فعلًا أن حديث الإعلام عن وجود قطبية بين الحزبين الأولين ليس من فراغ، فقد حققا لوحدهما 227 مقعدًا من أصل 395 مقعدًا في مجلس النواب. ويبقى حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية أكبر الخاسرين في هذه الانتخابات، إذ لم يحقق سوى 20 مقعدًا، بينما حقق في انتخابات 2011، 39 مقعدًا، محتلًا حينئذ المركز الخامس، أي أن الحزب الذي أسسه المهدي بنبركة وعبد الرحيم بوعبيد وغيرهما من زعماء اليسار خسر 19 مقعدًا، ممّا ساهم في احتلاله هذه المرة المركز السادس، متقدمًا بمقعد وحيد عن صاحب المركز السابع. ولا يختلف الكثير من المتتبعين للشأن السياسي المغربية على وجود أزمة داخل أقدم الأحزاب المغربية والذي يعود تاريخ تأسيسه إلى 1959، فالحزب لم يحصد في الانتخابات الجماعية 2015 سوى 8,43 بالمئة من مجموع الأصوات المعبر عنها، ليحل بذلك في المركز السادس. ويبقى المركز السادس غريبًا على حزب الاتحاد الاشتراكي، فقد سبق له أن فاز بالمركز الأول في الانتخابات التشريعية لعام 1997، ممّا مكنه من قيادة آخر حكومة في عهد الملك الحسن الثاني، ثم كرّر الفوز ذاته في الانتخابات التشريعية لعام 2002 (وإن لم يشفع له ذلك في قيادة الحكومة)، غير أن الأزمة بدأت تظهر من عام 2007، عندما حقق المركز الخامس في الانتخابات التشريعية، وإن لم يكن الفارق بينه وبين حزب الاستقلال، صاحب المركز الأول، سوى 14 مقعدًا. الحزب الذي يقوده حاليًا إدريس لشكر، تعرّض لهزات متعددة مؤخرًا، منها الاتهامات المتبادلة بين قدماء أعضائه بعد آخر مؤتمر شهد انتخاب لشكر، وما لحق ذلك من تزايد التوتر بين أجنحة في الحزب ثم خروج عدد من أعضائه وتأسيسهم حزبًا جديدًا واختيار البعض الآخر الانضمام إلى أحزاب أخرى، ورغم تأكيد لشكر في عدة تصريحات صحافية أن الوضع داخل البيت الاتحادي سليم، إلّا أن نتائج الانتخابات تعطي إشارة أن الإخفاق الانتخابي للحزب يعود في جزء مهم منه إلى عوامل داخلية. وعلى مدار التاريخ، عانى الاتحاد الاشتراكي من اضطرابات كثيرة في مساره، نتج عنها انشقاقات كما وقع عندما خرج أعضاء تيار رفاق الشهداء عام 1983 وساهموا بعد ذلك في تأسيس حزب الطليعة الاشتراكي الديقمراطي، وانشقاق رفاق نوبير الأموي وتأسيس المؤتمر الوطني الاتحادي عام 2001، وكذا انشقاق جناح عبد الكريم بنعتيق عام 2006 وتأسيسه “الحزب العمالي” قبل أن يعود إلى أحضان الاتحاد. وتبين هذه الأحداث أن حزب الاتحاد الاشتراكي بقي قادرا على استجماع قوته لأجل إصلاح مساره، وربما قد تفتح الرسالة الأخيرة التي وجهها القيادي التاريخي عبد الرحمن اليوسفي إلى الحزب، وتأكيده على دعمه له في الانتخابات التشريعية باب أمل جديد لرفاق “الوردة”، لأجل نقد حقيقي يعيد الحزب إلى سابق عهده.