في مؤشر جديد على التحول العميق في المزاج السياسي المغربي، أظهرت نتائج استطلاع للرأي أجرته صحيفة المغرب 24 أن نسبة كبيرة من المغاربة لا ترغب في عودة حزب العدالة والتنمية لتولي رئاسة الحكومة. فقد صوّت حوالي 90% من المشاركين في الاستطلاع برفض قاطع لعودة الحزب، ومعه عبد الإله بنكيران، إلى قيادة المشهد التنفيذي في البلاد. هذه النتائج، وإن لم تكن صادرة عن مؤسسة رسمية، تعكس مع ذلك مزاجًا شعبيًا صارخًا، لا يمكن تجاهله، خاصة أنها تأتي في ظرفية سياسية دقيقة تتسم بكثرة التساؤلات حول المستقبل السياسي للبلاد واستحقاقات 2026. العدالة والتنمية: من الصدارة إلى العزلة الحزب الذي قاد الحكومة لعشر سنوات متتالية (2011-2021)، وتصدر المشهد السياسي في مرحلة ما بعد "الربيع العربي"، تلقى في الانتخابات الأخيرة هزيمة نكراء قلّصت تمثيله من 125 مقعدًا إلى 13 فقط، في واحدة من أكبر السقطات الانتخابية في تاريخ المغرب السياسي الحديث. وبرغم محاولات الحزب إعادة ترتيب صفوفه واسترجاع ثقة الناخبين، إلا أن نتائج هذا الاستطلاع تشير إلى أن الجرح لا يزال مفتوحًا في ذاكرة الكثير من المواطنين، الذين يتذكرون تلك المرحلة بكثير من الخيبة، خاصة في ما يتعلق بتدبير ملفات حساسة كالتشغيل، والتعليم، والتقاعد، والدعم الاجتماعي. بنكيران: عودة غير مرحب بها؟ عبد الإله بنكيران، الأمين العام الحالي للحزب ورئيس الحكومة الأسبق، لم يكن بمنأى عن نتائج الاستطلاع، فقد جاءت نسبة الرفض لعودته إلى المشهد التنفيذي شبه مطابقة لرفض عودة الحزب نفسه، في إشارة إلى أن "الكاريزما" التي ميزت بنكيران في سنواته الأولى لم تعد كافية لإقناع الرأي العام بجدوى عودته. ويرى مراقبون أن خطاب بنكيران الذي يتسم أحيانًا بالشعبوية والمواجهة، لم يعد ينسجم مع تطلعات شريحة واسعة من المواطنين الباحثين عن خطاب عقلاني، حلول عملية، ونموذج تنموي جديد يتجاوز منطق الإيديولوجيا. رسائل واضحة للمشهد السياسي الرسالة الأقوى التي يبعث بها هذا الاستطلاع، سواء للأحزاب التقليدية أو للقوى الصاعدة، هي أن المواطن المغربي لم يعد يصوت بناءً على العاطفة أو الشعارات الكبرى، بل على أساس الحصيلة الملموسة، ومدى احترام الوعود الانتخابية، وتحقيق العدالة الاجتماعية. كما أن هذه النتيجة يجب أن تُقرأ كجرس إنذار مبكر لكل من يعتقد أن الذاكرة الشعبية قصيرة، وأن بإمكانه العودة إلى الواجهة دون تقديم مراجعة جذرية للتجربة السابقة. استطلاع المغرب 24 ليس مجرد تمرين رقمي، بل يعكس تحولات عميقة في وعي المواطن المغربي، الذي أضحى أكثر مطالبة بالمحاسبة، وأكثر جرأة في التعبير عن خيبته. وإذا كان من رسالة واضحة في هذه النسبة المرتفعة من الرفض، فهي أن عودة العدالة والتنمية إلى رئاسة الحكومة ليست مطروحة في الأفق القريب، ما لم تحدث مراجعة شاملة وجريئة في الفكر، والممارسة، والخطاب. السياسة لم تعد لعبة ولاء، بل عقد ثقة، والمغاربة قالوا كلمتهم.