إنما الهدف الرئيسي الذي ينبغي أن ترتكز عليه المهرجانات الحزبية من ملتقيات أو مؤتمرات ، من موجبه أن يكون متمثلا في إطار فتح حلقة تواصل ، بين زعماء الحزب و القاعدة الجماهيرية التابعة له ، من أعضاء عاملين و منخطرين و كذا متعاطفين ، ناهيك عن الدور الممكن أن يلعبه في تكوين الشباب المتحزب ، و توعيته بضرورة الانخراط في الميدان السياسي ، الذي سيخول له فرصة المشاركة في وضع كلمة القرار .و هو ذا ما كان ملزما به حزب العدالة و التنمية ، المتزعم للحكومة المغربية الحالية ، و التي امتدت فترة ولايته خمس سنوات ، حينما أقام مهرجانا خطابا في مدينة الرباط ، كإعلان منه لانطلاقة حملته الانتخابية بخصوص استحقاقات السابع من أكتوبر 2016 ، في أن يصبغ قادته على كلماتهم المحتمل إلقاءها أمام الحضور طابعا إرشاديا صرفا ، أكثر من اعتمادها فرصة لاستعراض الحصيلة الحكومية ، و التباهي بما حققوه من مكتسبات . و بالحديث عن الإرشاد ، فان مغزاه من القول لا يتعلق بما هو ذو توجه دعوي ديني ، و إنما بتحسيس كافة الحضور من جميع الفئات العمرية ، بحجم المسئولية المترتب على رجال السياسة و نسائها تحمل عبئها ، و التي تتطلب تمتعهم بكامل صفات النزاهة و الأمانة ، و التحلي بنكران الذات و إخلاص النية في العمل ، خدمة لصالح البلد و نصرة لأفراد من المواطنين . هي ذي فحوى الرسالة ، التي ينبغي توجيهها إلى كافة الجماهير الوافدة إلى المهرجانات الحزبية ، كما هو شأن حزب العدالة و التنمية الذي عقد تواصله مع مناضليه بالعاصمة الرباط ، دعوتهم و جميع من له رغبة ملحة في الانتماء إلى العمل السياسي من داخل الحزب ، إلى الإيمان بمدى ثقل الأمانة الملقاة على كاهل السياسي ، الذي لا ينبغي له التغافل عن عظم المسئولية التي تتربص به ، ما إن هو أفلح في بلوغ مجلس الأمة ( البرلمان ) . المهرجانات الخطابية الحزبية ، محطات ألزم إعدادها لغرض تعميم الفائدة على جميع المنخرطين ، و تحقيق يقظة سياسية في نفوس مناضلي و مناضلات الحزب ، من قبيل العدالة و التنمية الذي حجه أنصاره للرباط بغرض حضور اللقاء التواصلي الضخم . و من الدروس المتوخى استخلاصها في مثل هذه المناسبات ، هو تعريف الفرد بماهية العمل الحزبي ، وما ينتظر السياسي من مهمات وطنية ، مكلف هو بانجازها دونما تماطل أو تقاعس ، في سبيل تنمية البلاد و الحفاظ على استقرارها . إنها مناسبة جد هامة، لكل من يفكر في الاندماج بالعمل السياسي، و الانضمام إلى بقية رفاقه و إخوانه من كوكبة المتحزبين، كونها تعينه على إدراك مفهوم الانضواء تحت لواء الديمقراطية، و تقربه أكثر من استيعاب معنى المشروع الحزبي، الذي على أسسه تنبني دعائم كل حزب سياسي ، من خلال رؤى مرجعية يعتبرها متبنوها أنها الأصلح كنهج لتسيير شؤون البلاد .
و هي ذي النقطة المركزية ، التي يتوجب على كل هيئة سياسية الانتباه لها ، كشأن حزب العدالة و التنمية المغربي ، في تعريف كل المقبلين على الانتساب للحزب ، بما تحتويه أجندتهم السياسية و العملية من مشروع ، و ما يحتويه قانونهم الداخلي من مبادئ ، و ذاك بشكل فعلي لا نظري كما نشاهده على أرض الواقع ، إذ يكتف المسئولون بتسليم الاستمارات للمنضمين الجدد بغرض ملئ فراغاتها بما يناسب و فقط ، دونما إشارتهم إلى القانون الداخلي للحزب ، أو مناقشتها و إياهم لما يتبنونه من مرجعية و ما يهدفون إليه من مشروع ، و كأنما الأمور عندهم تأخذ عبثا . بل و حتى في حال ما إذا انتبهوا إلى ضرورة الأمر ، فإن المكلف بتسجيل أسماء المنخرطين الجدد ، يتوقف عند حدود منح المنخرطين الجدد ، بعضا من الوثائق المسطر فيها عدد لا بأس به ، من البنود المكونة لنظام الحزب الداخلي ، و بعضا من القصاصات التي احتوت نبذة عن التاريخ التأسيسي ، دونما تطرقه إلى عرضها لباب النقاش .
و قد يأتي إلي قائل ، و كله احتجاج بأن الذي كتبته مجرد ادعاء باطل لا أساس له من الصحة ، بسرده علينا كافة المراحل التي يشتغلون عليها في فرعهم ، إبان التحاق وافد جديد يبتغي الانتماء للحزب . هذا المنتقد ، سأجيبه بكل صدق و دون الحاجة إلى تعنت أو تعصب للرأي ، بأن مجمل حديثه لربما يكون صحيحا ما إن كان يناقشني حول مستوى الفرع ، لكن وحين ارتباط القضية بما هو على الصعيد الوطني ، فليكن واثقا جدا من كلامي لو أخبرته بأن العمل من داخل الحزب ، تختلف درجة تفاني أعضائه من فرع إلى فرع ، فبأخذنا حزب العدالة و التنمية نموذجا لهذه المسألة ، سنجد أن الفروع المنتسبة إلى موقع جهة سوس ، أكثر عملية و انضباطية من الفروع القابعة في أقصى الشرق المغربي ، و إنها لحقيقة ملموسة لا لغو فيها أو بهتان . لذا ، وباعتبار الحزب مؤسسة سياسية ، مقرر لها الاشتغال عند جميع أرجاء البلد بذات الشاكلة ، فقد وجب إصلاح منظومته على الصعيد الوطني ، لتسير في وتيرة واحدة من الأعمال ، و تبلغ بذلك مدارج الكثير من المكتسبات .
هي ذي إحدى النقاط التي ستفسر لنا ، علة اختلاف الغايات عند الحاجين إلى المهرجانات الخطابية ، كما لوحظ و بشكل مستمر في ملتقيات و مؤتمرات أحزاب من طينة العدالة و التنمية ، حيث تجد فريقا من الوافدين إلى عين المكان ، قد وفدوا بغاية قضاء أوقات حميمية مع الأصدقاء ، و منهم من ارتآها فرصة للتعارف أو البحث عن شريكة حياة مستقبلية له ، بل هناك من اختارها كمصلى له للاستجمام و الثرثرة رفقة الأصحاب و كذا التقاط الصور التذكارية و حسب ، مع نسيان تام للمهمة الأسمى التي انتقلوا لأجلها هنالك . و بين هؤلاء ، تواجدت ثلة قليلة من المناضلين الذين ارتحلوا إلى موطن المهرجان الحزبي بغرض الاستفادة ، و إنهم ليعدون على رؤوس الأصابع . فلو أنه كان يتم تأطير أفراد الحزب بأسلوب فعال في فروعهم ، فيعمل المسئولون في مكاتبهم المحلية أو الجهوية على إخضاعهم لدورات تكوينية ، تتناسب و حياة المناضل من داخل العمل الحزبي ، بما تشترطه المنظومة السياسية في البلاد لخدمة المواطنين ، وليس تبذير الوقت و المجهودات في إقامة حفلات شاي أو التحضير لولائم صوفية و افطارات رمضانية ، لما أخذت الأمور مثل هذا المنحى السلبي . و ما هذه إلا بعض من الأمور ، التي ربت في القاعدة الجماهيرية لهذا الحزب كما بقية الأحزاب ، انعدام الإحساس بالمسئولية و النظر إليها باستهتار ، حتى بات معظمهم ينظر إلى الملتقيات الحزبية كفرصة للاستجمام وقضاء أوقات بهيجة من العطل ، متجاهلين موضوع مهمتهم الرئيسي . إنها مأساة تكوين حقيقية ، و لا مناص من المسئولين الكبار في اللجان التنفيذية للحزب أن تفطن إليها ، ما إن كانت تصبو بحق إلى توريث قاعدة سياسية يعتمد عليها في وقت لاحق ، فتظل رسالة الحزب مستمرة و لها صداها ، أما و إن كانت الأهداف متوقفة عند مآرب آنية للزعماء ، فتلك إشكالية أخرى لها موضوعها الخاص بها . وليكن في علم القائمين على حزب العدالة و التنمية ، أنه يستوجب عليهم عدم التراخي في مثل هذه النقاط ، و التي هي في واقعها جد حساسة و لا تخدم مصالح أحد ، إذ من المحتم عليهم تحضير نفسية المقبلين على الذهاب للمهرجانات الخطابية ، بتنبيههم إلى مدى حجم أهمية التظاهرة الحزبية الرائحين إليها ، و ما يمكن أن تقدمه للشخص من تكوين سياسي . بل و لتفادي مثل هذه المعضلات ، فانه يستوجب استبعاد الأفراد الغير مهيئين بعد تكوينيا الى الذهاب ، و إعطاء الفرص للأعضاء الواعين بجسامة المسئولية ، استحقاقا منهم لذلك . و عند ذكرنا لهذه النقطة ، نكون قد أشرنا إلى الفخ الذي سقط فيه حزب العدالة و التنمية تنظيميا ، بعد أن كان في سنوات سابقة محصنا ضده و في غنى عن الوقوع فيه ، ألا و هو إشكال الاهتمام المبالغ فيه بسياسة الكم لا الكيف . حيث جعلوا كل انشغالاتهم تنكب و في كثير من الأحيان، على قدراتهم الحزبية في استقطاب أكبر عدد من المنخرطين الجدد ، و تعبئة زخم واسع من الأنصار و المتعاطفين ، فنسوا أن انجاز المهمة الموكلة إليهم لا تأخذ عن طريق الأرقام و إنما بالأعمال و الإحساس بالمسئولية . و هو ذا سبب كتابتي لهذا المقال ، و الذي أجدني مطالبا بتفسيره ، حتى لا يفهم بنحو مغلوط و يقال عني عدو لمشروع هذا الحزب ، أو صاحب قلم مأجور من طرف فريق معين اني أضع في علم كافة المنتمين لهذا الحزب أو المتعاطفين معه ، بأن الذي دفعني إلى كتابة نصي المطول هذا ، هو ملاحظتي لتلك التدوينات المتكررة في موقع التواصل الاجتماعي ، و التي حملت جدلا كبيرا بين إعلاميين و أعضاء هذا الحزب من الفئة الشابة ، حول قضية الأعداد الجماهيرية الغفيرة التي حضرت المهرجان الخطابي لحزب العدالة و التنمية بالرباط ، حيث يذهب طرف إلى القول بأن نسبة الحضور بلغت 12 ألفا ، في حين يرد عليه الطرف الآخر مكذبا بأن الرقم تعدى 24 ألفا . من الجميل جدا تصحيح المعطيات ، لتقريب الصورة كما يجب ، لكن دونما حاجتنا إلى إبلاغ الموضوع حد الجدال العقيم و النقاش البيزنطي ، فالتقدم لا تحرزه الأعداد و نسبة الجماهير المشاركة ، و إنما الوعي بقيمة المسئولية الملقاة على عاتق الفرد ، فالمهرجان الخطابي للأحزاب هو بمثابة دورة تكوينية سياسية ، و ليس بحفل زفاف أو مباراة كرة قدم ، حتى نحصر أمور نقاشاتنا في موضوع نسبة الأعداد المشاركة ، متناسين الإشارة إلى مدى اقتناع الحضور بالمشروع . إذ ليس من الضرورة فهمنا بأن كل الذين ارتحلوا إلى مهرجان حزب العدالة و التنمية الخطابي ، فهللوا و تراقصوا مع أهازيج أناشيده الحماسية ، قد ذهبوا إلى هنالك من منطلق إيمانهم بالمشروع ، بل إن واقع الأمر و كما كتبت في الفقرات السابقة على خلاف هذا الظن ، حيث أن لكل نفر غاية كان يمني نفسه بتحقيقها من وراء التحاقه بالمهرجان الخطابي ، و لعل أكثرها مشاعة هو التنزه و التقاط الصور التذكارية . و ختاما ، فان ثمة سؤالا يجتاحني بشدة ، و لا بد لي من توجيهه لأحدهم و لو لنفسي ، عن ما إذا كان الأمين العام لحزب العدالة و التنمية الأستاذ عبد الإله بن كيران ، قد أشار في كلمته الخطابية بالمهرجان إلى التعريف بجوهرية هذه المحطة التكوينية ، و تحسيس ذاك الزخم الكبير من الحاضرين بأهميتها التوعوية في حياة كل مناضل ، قبل انتقاله إلى استعراض حصيلته الحكومية ، الموشكة و لايتها على الانتهاء . أرجو أنه قد فعل ، و لم يغفل عن مثل هذه النقطة الحيوية ، ذاك أن رجلا سياسيا في مثل حنكته و موقع مسئوليته ، لا يسمح له تجاهل مثل هذه الأمور .