مع بداية العد التنازلي للاستحقاقات الانتخابية التشريعية المزمع تنظيمها في السابع من أكتوبر المقبل، بدأت تُطرح العديد من الأسئلة على مستوى أروقة النقاشالعمومي، والمتحورةأساسا حول تقييمأداء الأحزاب السياسية المغربية، سواء منها المحسوبة على الائتلاف الحكومي أو المصطفة في خانة المعارضة،ومدى فاعليتها إن على المستوى الهيكلي-التنظيمي أو على المستوى الوظيفي. فإذا كانت الوثيقة الدستورية لسنة 2011، والتي اعتُبرت في نظر العديد من الباحثين، الأكثر تقدما من سابقاتها منذ استقلال المغرب، بالنظر لما احتوته في ديباجتها من نصوص ترمي إلى دمقرطة المشهد السياسي المغربي والإسهام في إرساء آليات للحكامة الجيدة بغية تمكين المغرب من تحقيق الانتقال الديمقراطي و تبوأ مكانته اللائقة بين الديمقراطيات الناشئة، وتدبير فترة ما عرف بالربيع العربي بسلاسة، بخلاف ما شهدته العديد من الدول العربية، إلا أن واقع الحال يشير بما لا يدع مجالا للشك إلى أن هذه الأهداف لا زالت لم تعرف بعد طريقها نحو التحقيق الأمثل، ولازالت تعرف إلى حد ما نوعا من التعثر، والذي يمكن أن يعزى بشكل أساسي إلى عدم قدرة معظم الأحزاب السياسية التي يفوق عددها الثلاثين، على التكيف مع مضامينالدستور الجديد الذي جاء كثمرة للحراك الشعبي الذي تبنته حركة 20 فبراير، وتحقيق الأهداف الاستراتيجية المتوخاة من روح الوثيقة الدستورية. أهم عوامل التعثر الوظيفي للأحزاب السياسية 1- ظروف متعلقة بالمتغيرات الدولية والوطنية: من تجليات مكامن الخلل، لا سيما المتعلقة منها بالجانب الوظيفي للأحزاب السياسية، والمتمثلة أساسا في التنشئة السياسية أو التأطير أو التمثيلية، وبخلاف ما عرفه المشهد السياسي المغربي خلال ما كان يعرف بسنوات الرصاص، حيث كانت الأحزاب التاريخية وخصوصا أحزاب "الكتلة الديمقراطية" على سبيل المثال، أقرب إلى همومالناخبين وأكثر فاعلية على مستوى التأطير السياسي و أكثر راديكاليةً والتزاماً على مستوى المواقف السياسية، الشيء الذي بدأ يعرف نوعا من الخفوت والتراجع النسبي مع نهاية الحرب الباردة ونزوع الكثير من الأنساق السياسية في العالم نحو الليبرالية و النزعة البراغماتية في تدبير الشأن العام. غير أن هذا الخفوت قد أخذ بُعداً أكثر وضوحا بعد ما عُرف بحكومة "التناوب التوافقي" التي قادها الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي، وهوما قديعيد النقاش إلى الواجهة مرة أخرى، و المتعلق بمنسوب الثقة لدى شرائح واسعة من المغاربة مع الفعل السياسي إن على مستوى الخطاب أو الممارسة، أو محاولة تغيير الصورة النمطية الملازمة للفاعلين السياسيين والتي تختزل الممارسة السياسية بحسب المخيال الشعبي في السعي إلى البحث وبكافة الوسائل عن امتيازات ومكاسب شخصية من قبيل مناصب سامية في هياكل الدولة أو رواتب و تعويضات خيالية يراها الكثير من المراقبين شكلا من أشكال الريع السياسي، والتي غالبا ما تكون مُقدمة على حساب خدمة الشأن العام و مصلحة المواطنين، أو نظراً لوجود أسباب موضوعية متعلقة ببلقنة المشهد السياسي من طرف الأحزاب الإدارية أو التكنوقراط، أو بما أصبح يصطلح عليه في القاموس السياسي المغربي "بالتحكم"، و كمثال على ذلك يمكن أن نورد "إشكالية التمثيلية" التي تمخضت عن نتائج استحقاقات 4 شتنبر2015 حيث تجلى ذلك بوضوح في انتخابات رؤساء الجهات،و لم تشفع العديد من هذه النتائج لأصحابها الظفر برئاسة أهمها على الرغم من تبوأهم للمراتب الأولى، وهو ما يطرح أكثر من أسئلة حول مدى احترام اختيارات الناخبين في العديد من العديد من المحطات. 2-عوامل بنيوية داخلية: من أبرز مكامن الخلل التي ينبغي الوقوف عندها بروية في هذا السياق، العوامل التي لها علاقة بمنظومة القيم أو الجانب السلوكي، أو العوامل البنيوية المتعلقة بهياكل الأحزاب في حد ذاتها، كغياب الديمقراطية الداخلية، أو التشبث بالزعامة الكاريزمية / التاريخية حتى لو أدى الأمر إلى حصول انشقاقات أو تصدعات داخلية أو هجرات جماعية "للمناضلين"، أو الركون إلى منطق القرابات العائلية و الموالاة و التعيين على حساب منطق الاستحقاق و الشفافية ، أو تبني ما يعرف "بالتمييز الإيجابي" تجاه الشباب و المرأة، بهدف تحقيق "المناصفة"، والتي غالبا ما تكون على حساب منطق تكافئ الفرص وتنطوي بحسب العديد من المتتبعين على قدر كبير من المجاملة،ينضاف إلى ذلك غياب رؤية استراتيجية واضحة، والتحالف مع الأعيان و الكائنات الانتخابية، أو تشابه البرامج الانتخابية و عدم واقعيتها، أو وجود بَون شاسع بين الخطابات المتعلقة بالشعارات و البرامج الانتخابية وبين قدرة هذه التنظيمات السياسيةعلى تنزيلها وترجمتها إلى واقع ملموس بما يخدم مصالح ناخبيها وعموم المغاربة،خصوصا منها الشق المتعلقبمحاربة الفساد أو الريع أو إرساء دعائم الشفافية و تكافئ الفرص ومحاربة البطالة وتحسين الظروف المعيشيةعلى سبيل المثال، سواء بسبب عدم جدية الفاعلين في المضي قدما نحو تنزيلها و أجرأتها أو بسبب عوامل ذاتية تغذيها النزعة البراغماتية -الميكيافيلية والحفاظ على توازنات سياسية مع الشركاء في الحقل السياسي. خلاصة هذه العواملوغيرها التي توضح جزءاً من مكامن الخلل،لابد من أن ترخي بضلالها بطريقة أو بأخرى على علاقة الثقة بين الفعل السياسي وعموم المغاربة،حيث تعتبر نسب التصويت في الاستحقاقات الانتخابية إحدى مؤشراتها، الشيء الذي يجعل من مسألة السعي إلى المصالحة مع السياسة وتخليق الحياة السياسية ودمقرطتها أكثر إلحاحاً وراهنيةً، غير أن ذلك لا يمكن أن يتأتى إلا بتطبيق رؤية جلالة الملك كما حددها خطاب 9 مارس 2011 التاريخي، و التنزيل الأمثل لمقتضيات الدستور، لا سيما الفصول ذات الصلة بالحكامة الجيدة ،والتحلي بقيمالمواطنة وتغليب المصلحة العامة على النزعة الفردانية،وبتظافر الجهود من قبل كافة مكونات المجتمع من قوى سياسية ومجتمع مدني ونخب ثقافية و فكرية وإعلامية...الخ.