بعد ان خرجت تركيا من الملف السوري مخيبة الامال بعد تنفيذ الهدنة برعاية روسية امريكية، و فشل محاولاتها الاعلامية للشوشرة على الهدنة بسوريا و بعد ان فشلت فى استكمال خطوات تقليب الداخل اللبناني بعد أن أحتجزت البحرية اليونانية سفينة ترفع علم توجو محملة بالسلاح التركي كانت متجهة للبنان أو بالادق لاجنحتها الارهابية بالقلمون و عرسال و جرود عرسال كي تكون خنجر موجه للداخل اللبناني و سهم ينطلق نحو الحرب بالجوار السوري قام رئيس الوزراء التركي داوود أوغلو الرجل الذى يتم التمهيد له كي يكون هو من يخلف منصب الرئاسة بعد رجب طيب أردوغان بزيارة مفاجئة الى العاصمة الايرانيةطهران و هنا نرى ان المفاجئة لم تكن فقط مقتصرة عن سرعة تنفيذ الزيارة التى لم تكن مدرجة فى جدول أعمال داوود اوغلو بل فى الهدف التكتيكي من تلك الزيارة و التى تعكس شكل مشاريع الهيمنة على الاقليم لدى كل دولة منهما بجانب مستقبل العلاقات الايرانية التركية فى ظل حالة الشد و الجزم تجاه الملف السوري، فهى زيارة تبحث فيها تركيا ( المتنفس الوحيد لطهران أثناء الحصار الاقتصادي ) رؤية مشتركة مع ايران تجاه الاكراد أولا ثم تعزيز العلاقات الاقتصادية ثانيا . فقد صرح داوود اوغلو من طهران " بأن أمن و استقرار المنطقة يستديم بالتعاون التركي الايراني فتعاوننا مع ايران يمنع دخول الاجانب للمنطقة ( نفس التصريحات قيلت بعد التطبيع العلنى مع اسرائيل )، كما أعلن داوود أوغلو عن رغبته فى زيادة التبادل التجاري بين تركيا و ايران الى 30 مليار دولار و هي التصريحات التى أتت بالتزامن مع تصريح نائبه نعمان كورتولموش لصحيفة الشرق الاوسط عندما قال " لا يوجد خطة تركية سعودية مشتركة للتدخل فى سوريا " فى الوقت الذى تطلق فيه تركيا المئات من الارهابيين نحو الحدود السورية و تعاود اشعال حدود لبنان مجددا، و داخليا تغلق اخر متنفس للصحافة الحرة بتركيا بعد تهديدات طالت كافة العاملين بصحيفة "زمان" فى الوقت الذى تتقدم فيه وزارة العدل التركية ( أقول وزارة العدل و ليس الحزب الحاكم ) الى رئاسة الوزراء بطلب لرفع الحصانة البرلمانية لنواب حزب الشعوب الديمقراطي تمهيدا لمحاكتهم، أي سنرى حزب بالكامل يتم رفع الحصانة عنه تمهيدا لاقصاء الممثل الحزبي الوحيد عن اكراد تركيا فى خطوة تعكس لنا عمق الصدام بين العثمانيون الجدد و الاكراد .
حقيقة الامر ان كافة تحركات و اتصالات تركيا بالفترة الاخيرة التى تركزت مع تل أبيب و طهران تعكس لنا رؤية أردوغان تجاه خريطة قوى الاقليم، فالرئيس التركي يرى ضمان بقاء امبراطوريته مرهون بعلاقته فى الاقليم مع دولتين فقط هم ايران و اسرائيل ( و ذلك فى اطار الرؤية الامريكية لخريطة الشرق الاوسط الجديد ) و اى دولة غيرهم ما هي الا جواد يمتطيه لعبور مرحلة ما، و قريبا ستنتهي مرحلة الجواد العربي، فكما تعلمون لكل جواد كبوة، كما أن ما يدور بغرف صناع القرار بكلا من تل أبيب و طهران و أنقرة يؤكد على أننا نعيش مرحلة جديدة فى عمر اتفاقية " الرمح الثلاثي " التى وقعت بين الاطراف الثلاث عام 1959م بجانب أثيوبيا قبل أن يتم تجديدها عام 1996م لضمان تطويق الوطن العربي ليس فى موارده المائية فقط بل و تقويض نفوذه السياسي و الاقتصادي .
فادى عيد الباحث و المحلل السياسى بقضايا الشرق الاوسط