في غضون أربعة سنوات ؛ انتقلت مصر من حكم مبارك الديكتاتوري إلى وصاية المجلس العسكري لتستقر أخيرا تحت حكم جماعة الإخوان المسلمين.تنهي إلي الزعيم عبد الفتاح السيسى مما يدفعا للتساؤل إن كان الوضع الحالي يستحق التضحيات والدماء التي بذلها المصريون إبان ثورة 25 يناير وثورتها التصحيحية في 30 يونيه. قبل أربعة أعوام ؛ بدأت مصر ثورتها التي أطاحت بالرئيس المصري السابق حسني مبارك الذي حكم البلاد لمدة 3 عقود ليصل أول رئيس ينتمي لجماعة إسلامية إلى سدة الحكم في البلاد. إلا أن الثورة -فيما يبدو- لم تحقق أهدافها في ظل الانقسام السياسي الذي تشهده البلاد والفشل في القضاء على المشاكل الجوهرية التي يعاني منها الشعب المصري كالفقر والبطالة. وفيما يباهي الإسلاميون بوصولهم إلى الحكم بفعل صناديق الاقتراع لأول مرة في تاريخ مصر، يقول المعارضون بأنهم قد خانوا أهداف الثورة مما حدا القوى المعارضة مثل "جبهة الإنقاذ الوطني" للدعوة إلى مظاهرات حاشدة يوم الجمعة ضد حكم الرئيس محمد مرسي. ولم تفلح الثورة للآن في القضاء على الفساد الذي استشرى في عهد مبارك إضافة إلى أن الشعارات التي نادت بها ثورة 25 يناير -عيش، حرية، عدالة اجتماعية- ما زالت تنتظر تحقيقها في ظل حرص جماعة الإخوان المسلمين على توفير المساعدات للفقراء والمحتاجين. ويعاني الاقتصاد المصري من أزمات متلاحقة في ظل انخفاض الاستثمارات الأجنبية وضعف الإقبال على السياحة بسبب حالة عدم الاستقرار الذي تشهده البلاد وسوء إدارة مرسي للموارد والسياسات الاقتصادية على حد قول معارضيه. ولكن مفجري ثورة 25 يناير كانت قوتان رئيسيتان هما، قوة الشباب الذي عانى من البطالة والفقر والأمراض وكان يراقب الفساد المستشري، وقوة التكنولوجيا الحديثة. هاتان القوتان لم يكن النظام يعيرهما اهتماماً، وذلك لأن جل اهتمامه كان منصباً على ملاحقة القوى الحزبية الشرعية أو غير الشرعية وقمعها حيناً أو التلويح لها بمكاسب وهمية وخداعها حيناً آخراً. وبلغت عملية الملاحقة والخداع لهذه القوى في انتخابات مجلس الشعب في نوفمبر 2010م، وشعر الحزب الحاكم بالزهو من الانتصار المزور والوهمي، ولم يدرك أن الشعب الذي لم يصوت له، لأن نسبة المشاركة في الانتخابات لم تزد عن 15%، وأن اعترف الحزب نفسه بضعفها أي حوالي 35%، نقول إن هذا الشعب يعرف الكثير من حقائق الفساد والانحراف، ونسى هذا الحزب الحكمة القرآنية القائلة )إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ( سورة الفجر (14) ولو نظرنا لنسبة المشاركة بتحليل علمي نجدها لا تعبر عن الحقيقة، لأن الفلاحين وهم الأغلبية من السكان يصوتون جماعياً في القرى، ويتأثرون بالإدارة وضغوطها، إما في المدن، فنظراً لضعف الإدارة فإن النسبة الحقيقية تراوحت بين 5-10%. ورغم رصد المجلس القومي لحقوق الإنسان لحوادث التزوير الانتخابي، وتدوين ذلك في تقاريره المنشورة وفي بياناته، ورغم رصد الجهات الحقوقية الوطنية والدولية لكل ذلك، خرج أكثر من عضو من قيادات الحزب الوطني ليدعي أن عبقرية تكتيك الحزب وكوادره، هي التي أدت به إلى النتيجة الكبيرة في الحصول على معظم مقاعد مجلس الشعب في الانتخابات الأخيرة، وأبرز أن الفساد والانقسام ساد أحزاب المعارضة، وهذا سبب إخفاقها. والجزء الأخير صحيح بدرجة كبيرة، ولكن وراء هذه الانقسامات في معظمها دور للأجهزة الأمنية في بث الفرقة وشراء العملاء والمخربين داخل كل حزب معارض، حتى لو كان هذا الحزب ضعيفاً، وخلق أحزاب وهمية، لا يسمع عنها أحد، وليست لها برامج، ولكنها مجرد خشب مسندة في المجلس ممثلة بعضو أو نحو ذلك من بقايا فتات الحزب الوطني. ولعب المفهوم القانوني الخاطئ المسمى "المجلس سيد قراره" دوره في رفض تولي السلطة القضائية الرقابة على الانتخابات وفي إصدار إحكام قضائية بخصوص الطعون. وقد بدأ المصريون نهار هذا الجمعة المصادف لذكرى 25 يناير بإصابات بين المتظاهرين في ميدان التحرير في القاهرة وقوات الأمن المصري. وكانت قوى المعارضة والحركات الشبابية قد دعت اليوم إلى مظاهرات حاشدة للمطالبة ب"استكمال أهداف الثورة" بمناسبة حلول الذكرى الثانية لانطلاقتها. أين وصلت الثورة المصرية بعد سنتين من انطلاقتها في 25 يناير 2011؟. وهل حققت أهدافها التي كان أولها "عيش، حرية، عدالة اجتماعية"؟. عام كامل مر على ثورة 30 يونيو التي أطاحت بنظام الإخوان المسلمين بعد وصولهم للسلطة بعد أن خططوا للاستمرار فيها لعدة قرون.. اختلفت المسميات بشأنها، أعداؤها من الإخوان ومن والهم يصفونها بالانقلاب وأنصارها يصفونها بالثورة الشعبية التي صححت مسار الثورة الأم 25 يناير 2011 بعد أن خطفها الإخوان المسلمون وخطفوا معها الوطن بأكمله ومهما يكن الاختلاف فإن الواقع يشير إلى أن ثمة خارطة مستقبل تم وضعها وتم انجاز استحقاقين مهمين منها وهما الدستور وانتخاب الرئيس ليبقى الاستحقاق الثالث وهو الانتخابات البرلمانية التي يجرى العمل على انجازها في غضون شهور جليلة لتكتمل الخريطة لكن الأهم من كل هذا هو كيف مضت الأمور خلال هذا العام وهل ثمة رضا شعبي عن مجريات الأمور أم أن القلق لا يزال متواصلاً خاصة مع استمرار المشاكل اليومية الحياتية و الحديث عن إلغاء الدعم بصورة كاملة في غضون ثلاث سنوات ؟ هل تمضى مصر لمستقبل أفضل أم أن الغد يحمل فى قادم أيامه المزيد من القلق والمشاكل والأزمات ؟.أسئلة عديدة تحتاج إلى إجابات لا يمكن الحصول عليها دون رصد للواقع الذي تعيشه مصر على كافة الأصعدة تواجه ثورة 30 يونيو تحدىا كبيرا يتمثل فى خطرين لا يقل أحدهما عن الآخر وكلاهما كفيل بأن يجعل الثورة تعود للخلف بل والوطن أيضاً . .الخطر الأول رموز الفساد الذين يرون أن الفرصة سانحة للعودة للساحة سواء بأموالهم أو بنفوذهم وستظهر قوتهم الحقيقية فى الانتخابات البرلمانية القادمة وهؤلاء يزيدون من أعداء الثورة خاصة من القوى الثورية التى ثارت ضد الفساد فى عهد مبارك وهم يسعون لإعادة مصر للوراء إلى ماقبل 25 يناير فيما يتعلق بسطوتهم ونفوذهم وقدرتهم على نهب أراضى الدولة ومقدراتها أما قوى الإرهاب فإنها كل حين تطل بتفجير هنا وتفجير هناك وقد وصلت خسة هذه التفجيرات إلى أماكن خطرة للغاية سواء تلك التى وقعت فى مترو الأنفاق والتى كان يراد لها أن تقع داخل عربات المترو لكن إرادة الله وباعتراف المتهمين جعلت القنبلة الأولى والأخطر تنفجر فى الرصيف أثناء قدوم القطار فى الشخص الذى يحملها وتحرك الأجهزة الأمنية بسرعة ساهم فى منع كارثة كبرى بتواجد أمنى مكثف وفعال فى كل المحطات ثم جاء انفجار محيط الاتحادية الذى راح ضحيته عقيد ومقدم من خبراء المفرقعات أثناء تفكيك عبوة ناسفة وهى تطور وقع بالتزامن مع الاحتفال بالذكرى الأولى لثورة 30 يونيو والتي هدد الإخوان وتوعدوا بأنه سيكون يوم النصر ولكن خاب تهديدهم وفشل وعيدهم .. وبحسب معظم من تحدثت اليهم سيظل رموز الفساد والإرهاب من اكبر التحديات التى تواجهها ثورة 30 يونيو ما لم تلجأ الحكومة والرئاسة لمواقف حاسمة فى التصدي لهذين الخطرين بتأهيل جديد للمؤسسات والحصول على رضا شعبي واسع وحقيقي مع قفزات تنموية ضرورية لوقف التدهور الاقتصادي المتزايد وفى هذا الصدد هناك ضرورة لضخ دماء جديدة فى شرايين الحكومة ومؤسسات الدولة خاصة البرلمان القادم حتى تستطيع مصر التحرك نحو التحول الديمقراطي الحقيقي المقترن بإصلاح شامل فى كافة الملفات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية وخاصة ملف الأمن والتعليم والصحة والتفاوت بين الأجور والأسعار والانفلات بكافة صوره بما فيه الانفلات الأخلاقي. بروز القوى الدينية المتطرفة من ناحية، والتدين الشكلي من ناحية أخرى، فتحول السلوك الديني إلى ارتداء الحجاب والنقاب، بينما سادت الرشوة والفساد وإهمال العمل وإجادة الإنتاج، وهذا أهم القيم الإنسانية والدينية. وعلى الجانب الآخر من الشعب المصري، برز تطرف ديني مماثل وترتب على ذلك تراجع مفهوم الولاء والانتماء والوحدة الوطنية، ومن ثم برز الصراع الديني في حوادث مثل اعتناق سيدة مسيحية الإسلام أو اعتناق رجل مسلم المسيحية، وكأن هذا يمثل كارثة فكري وسلوكية ودينية، ونسى الطرفان مبدأ الحرية الدينية، كما نسى الطرفان مبدأ الولاء للوطن، ومبدأ الاعتدال والتسامح ونحو ذلك من القيم والمبادئ التي تحدثت عنها الأديان. -مع زيادة اغتصاب إرادة الشعب، وزيادة النفاق والانتهازية، والتفاني في خدمة السلطان، جرى تعديل الدستور وتعديل القوانين لمصلحة ذلك، ولعب بعض المثقفين وأساتذة القانون دوراً بالغ السوء في هذا الصدد، وأصبح دعاة القيم والدستور السليم والحكم الرشيد الصالح، كمن ينادي في البرية لا يسمعه أحد وإذا سمعه لا يهتم، وإذا أظهر اهتماماً شكلياً فلا يتجاوب معه عملياً، وهكذا كان حوار الحزب الوطني مع المجتمع وقواه السياسية، والفكرية والحزبية في السنوات التي سبقت ثورة 25 يناير هو حوار الطرشان. لقد أصبحت الحاجة الى ثورة ضرورة ملحة والبحث عن ألية جديدة تستطيع حلحلت الكتلة الصماء التي أعتلت على صدور الناس لعلو جدار الخوف في نفوسهم. ولم تنفع وسائل الاحتجاج المعتادة وبعض الاعتصامات والمظاهرات لاحداث أي تقدم بالعلاقة بين الحاكم والمحكوم حيث اصبح جدار الخوف نظام جديد يعم كل مرافق الدولة ومفاصل الحياة العامة للمجتمع. نظام الخوف الممنهج رسم صورة للمجتمع يراها رصينه غير قابلة للانهيار، وهنا تعددت مسميات الانظمة منها أشتراكي ورأسمالي ومختلط ودكتاتوري وملكي ونظام الخوف. إن قلع نظام الخوف ثورة حقيقية وليس مخاضا وتملتلك الدلالات الكافية لمعنى الثورة لان الفعل وازاحة نظام الخوف يفضي الى خلق نظام جديد يختلف كليا عن مرحلة ما قبل الثورة ويغير شكل الدولة والحكام معا والقبول بصندوق الانتخابات و سماع الناس دون جدار من الخوف وايجاد ألية شعبية لاجبار السلطات على مواكبة الشارع الذي يملك القوة في استمرارية الثورة. إن الوسيلة التي أبتكرها ابناء الشعب العربي في تونس ومصر وليبيا وسوريا واليمن هي الثورة بالكتل البشرية لازاحة النظام القديم بعد هدم جدار الخوف ولم يكن الشهيد محمد بوعزيزي أو خالد سعيد وغيرهم من خط الرسم البياني للثورة إلا انهم كانوا من اصحاب الخطوات الاولى لزحف الكتل البشرية التي لا يستطيع نظام جائر صده أو منعه لان هذه الانظمة أطمئنت خلف جدار الخوف ولم تتوقع أو تخمن مقدار قوة الكتلة البشرية الثائرة بشكلها الصحيح. هذه الثورة غيرت المجتمع سياسيا فانتهى نظام الخوف ولم تعد كلمة شخص دخل سنين الخرف تمثل شعب، وذلك ينعكس على تغيير مسار النهج الاقتصادي وازالة وتحريم تزاوج السلطة والمال وفي المجال الثقافي فتغيير لغة الخطاب السياسي من اهم الانجازات لثورة الكتل البشرية فالاختلاف مع الحاكم لم يعد خيانة، وهذا سيدفع الوضع الاجتماعية للتطور. *الدكتور عادل عامر * *دكتوراه في القانون وخبير في القانون العام * *ومدير مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية والاقتصادية والاجتماعية وعضو بالمعهد العربي الاوربي للدراسات السياسية والاستراتيجية بجامعة الدول