السلفيون، السلفية، خوف متوطن في جسد السلطة و شر يرتبط بالرجعية و الإرهاب لدى فئات واسعة من المجتمع بدرجاتها المتفاوتة الوعي و العلم، هذا بتكثيف شديد المناخ العام الذي يسود حول الحركات السلفية في العالم العربي و في العالم عموما، لكن بعد الربيع العربي صعد الحراك السلفي إلى السطح و أتيحت فرصة جديدة للاقتراب منه مرة أخرى، باعتبار أن الفكر السلفي كان فكرا أصيلا في المجتمع الإسلامي و الفكر الإنساني، وقد صعدت حركات سلفية عديدة تتفاوت فكريا و منهجيا إلى الساحة الفكرية و السياسية في السنوات القليلة الماضية و أصبحت تفرض نفسها يوما بعد يوم، سواء فكريا أو بدرجات الاستقطاب الكبرى التي أصبحت لها بين الشباب المسلم. إن الحديث عن السلفية هكذا يعتبر كلاما فضفاضا إذ أن الحركات السلفية تتفاوت بدرجات مختلفة و تتحالف أحيانا كما تختلف بضراوة أحيانا أخرى لهذا فان الاصطلاح يحتاج إلى تدقيق أكبر، لكننا هنا ليس في موضع الحديث عن هذا، و نكتفي بالقول أن السلفية هي تيارات فكرية تدعو إلى تطبيق الإسلام الوسطي المعتدل بفهم سلف هذه الأمة و خاصة القرون الثلاثة الأولى، و تنتمي عقديا إلى منهج السنة و الجماعة و إلى مدرسة الحديث خاصة، و إذا ما أردنا الحديث عن السلفية في القرون الثلاثة الأخيرة فإن نجمها قد صعد بقوة بعد أن ظهرت كتيار حداثي متنور وقف بقوة في وجه الصوفيين المحتضنين من طرف السلطة الحاكمة في العالم الإسلامي و التي غالبا ما كانت أشعرية العقيدة، و الذين حولوا الفكر الصوفي إلى فكر طرقي وتني تحول معه المسلم العامي إلى زائر و معتقد في الأولياء و الصالحين من القبور التي غزت قرى و مدن العالم الإسلامي، فأصبح الاستشفاء بهم و التعويل عليهم في صغير الأمور و كبيرها، و ترك العلم الشرعي و الدنيوي ، و تحول العالم الإسلامي إلى مستنقع للجهل و الأمية و الاعتقاد الباطل، و هنا تصدت الحركات السلفية و حركات أخرى دينية و مدنية لهذا، فكانت القوة العظمى للحركات السلفية التي نزعت الغطاء الديني عن الجهل السائد باسم الدين، ثم انتقلت الحركة السلفية إلى أول مواجه للاستعمار الذي غزا العالم الإسلامي بعد تحالف قوى مدنية كثيرة معه، و تحالف العديد من شخصيات الطبقة الحاكمة مع القوى الامبريالية الكبرى، فكانت الحركة السلفية احد اكبر الممولين بالشباب الجهادي الذي ساهم مع شرائح أخرى من المجتمع الإسلامي لطرد الاستعمار و تصفية عملائه. هكذا إذن ظهرت الحركة السلفية بمختلف مشاربها الفكرية كتيار تنويري حداثي مقاوم" ثوري" و قف أمام التجهيل و التسلط باسم الدين، لكن هذا التيار سيواجه بالحديد و النار بعد الاستقلال، في اغلب الدول الإسلامية و سيهمش بشدة، و سيفقد دوره المحوري في الحراك الفكري و الاجتماعي ، اللهم ما تفرق هنا و هناك من علماء هذا المنهج، و قد احدث هذا تفككا في التيار نفسه خاصة بعد احتضان دول بعينها لجزء من هذا التيار و محاربة الجزء الآخر الذي لم تستطع أن تجعله في حضنها، فخرج من هذا التيار تيارات تدعي السلفية و لكنها تبتعد بدرجات متفاوتة عن روح السلفية التي أشعت قبل الاستقلال، تيارات تحالفت بقوة مع السلطة الحاكمة و أصبحت تعطيها الشرعية الدينية التي لم تستطع أن تبنيها بالانجازات، فتحول هذا التيار عن منهج أسلافه الذين حاربوا الاستعمار فوقفوا مع وكلائه، رافضين النبس ببنت شفة في حق الحكام بمبررات دينية شرعية، و تحول جزء آخر من هذا التيار إلى القتل و الذبح باسم الدين و كان هذا نتاج لإبعاد الشباب السلفي عن العلم الشرعي و متابعتهم من طرف المخابرات و الأجهزة القمعية في مختلف الدول، فتحالفوا مع تجار السلاح و شكلوا عصابات تبيد البلاد و العباد باسم السلفية، و تقودهم أجهزة مخابراتية و تجار أسلحة دوليين يلبسون عليهم دينهم، و بعد أن كان السلفيون يعادون الطرقيين و فكر "الشيخ و المريد" اتخذوا لأنفسهم شيوخا تفتي لهم و يرددون كلامهم أكثر مما يرددون القرآن أو الحديث النبوي ، فتجدهم يقدسون فهم هذا الشيخ كأنه منزه، و لن نستغرب إذا وجدنا كثيرا من شيوخهم هؤلاء صناعة مخابراتية صرفة توجههم حيث شاءت و أنى شاءت. إن الحديث عن السلفية اليوم حديث شائك يحتاج إلى دراسة أكاديمية علمية شاملة فليس من السديد أن نتحدث عنها كأنها كل أو إطار متلاحم، و تبقى السلفية النقية حاضرة و لا شك ليس بالضرورة في المنتسبين لهذا الفكر أو ذاك، لكنها في كل من يحمل القيم الإسلامية النقية التي تتجدد كل يوم كأنها نزلت اليوم على محمد صلى الله عليه و سلم و كأن و أصحابه يفسرون الوحي لنا الآن، سلفية تشعل شموعا لهذه الأوطان المعتمة و تلتمس العذر للعميان التائهين، بدل أن تنشر ظلاما و تسلخ العميان.