(إن كان "تعريب" موافقة منظمة التحرير على تبادل الأراضي قد تم بالرغم من المنظمة فهذه مصيبة لكنه إن تم بموافقتها فإنها مصيبتان) بقلم نقولا ناصر* كشف اجتماع وفد لجنة متابعة مبادرة السلام العربية مع وزر الخارجية الأميركي في واشنطن يوم الاثنين الماضي عما يمكن وصفه ب"تعريب" موافقة مفاوض منظمة التحرير الفلسطينية على مبدأ "تبادل الأراضي" في أي تسوية سياسية بينه وبين دولة الاحتلال الإسرائيلي. وقد وصفت وزيرة "العدل" المكلفة بملف المفاوضات في حكومة دولة الاحتلال، تسيبي ليفني، هذا "التعريب" بأنه "بشرى مفرحة لكل إسرائيلي"، وتطور "ايجابي جدا"، و"رسالة هامة" من العرب بالموافقة على "إعادة ترسيم حدود" 1967، وبموافقتهم على اعتبار المستعمرات الاستيطانية "الواقعة في المناطق الحدودية جزء من إسرائيل"، وبأنهم "ملتزمون بالتطبيع" معها. وكانت ليفني تعلق على ما وصفه وزير الخارجية الأميركي جون كيري ب"النتائج الايجابية" و"البناءة جدا" للاجتماع الذي عقده كيري، وحضر نائب الرئيس الأميركي جو بايدن جزءا منه، في "دار بلير"، وهو بيت ضيافة رئيس الولاياتالمتحدة، وليس في وزارة الخارجية، واستضاف فيه وفدا عربيا برئاسة رئيس الوزراء ووزير الخارجية القطري الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني تألف بقرار من اجتماع القمة العربية الرابع والعشرين الذي انعقد في الدوحة في آذار / مارس الماضي، وضم الوفد وزراء خارجية مصر والأردن والبحرين وقطر ووزير خارجية سلطة الحكم الذاتي الفلسطينيبرام الله د. رياض المالكي والسفير السعودي في واشنطن العاصمة وأمين عام جامعة الدول العربية، نبيل العربي. وبدوره وصف رئيس الوفد الشيخ حمد النتائج بانها كانت "مثمرة جدا وجيدة" وتندرج في "الخيار الاستراتيجي" لمبادرة السلام العربية. وقد وصلت ليفني إلى العاصمة الأميركية الخميس الماضي برفقة مندوب رئيس الوزراء اسحق مولخو للبناء على هذه "البشرى" العربية لمعرفة مساحة ما وصفته ب"يهودا والسامرة" في الضفة الفلسطينيةالمحتلة لنهر الأردن التي يوجد استعداد لدى الرئيس الفلسطيني محمود عباس ل"مبادلتها" مع دولة الاحتلال. وللغرض ذاته يجري الحديث عن قمة رباعية تضم الرئيسين الأميركي والفلسطيني باراك أوباما وعباس والعاهل الأردني عبد الله الثاني ورئيس وزراء دولة الاحتلال بنيامين نتنياهو في العاصمة الأميركية، بدلا من العاصمة الأردنية كما ذكرت تقارير إعلامية سابقة، تطلق جولة جديدة من مفاوضات منظمة التحرير مع دولة الاحتلال، تذكر بقمة مماثلة في أنابوليس الأميركية عام 2007. والمفارقة أن هذه "النتائج الايجابية" للاجتماع لم تتطرق للشروط الثلاثة التي سبق للرئيس عباس أن كرر المطالبة بها كأساس لاستئناف المفاوضات وهي قبول دولة الاحتلال بحدود عام 1967 وتجميد الاستعمار الاستيطاني بالكامل وإطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال، ليصرح عباس بعد الاجتماع بعدم وجود أية شروط لديه لاستئنافها "مطلقا"، وليؤكد موافقته على "تبادل الأراضي" من حيث المبدأ لكنه أخضع هذا المبدأ للتفاوض بقوله: "عندما نجلس يمكن أن ندرس التعديلات المتبادلة (على حدود 1967)، لكن تعديلات طفيفة بالقيمة وبالمثل". غير أنه وغيره من الناطقين باسمه يلتزمون صمتا مطبقا حول ما إذا كانوا قد أعطوا، أو لم يعطوا، موافقتهم على "تعريب" موقفهم هذا، واكتفوا بالقول، مثلا، إن "بيان الشيخ حمد يعكس المواقف الفلسطينية (والأدق طبعا مواقف مفاوض منظمة التحرير) منذ فترة طويلة" وهو ليس "بالأمر الجديد" كما قال كبير مفاوضي المنظمة د. صائب عريقات الذي يعكس موقفه كذلك موقف حركة "فتح" كونه قياديا فيها وكونها تقود المنظمة، وإن "وزير خارجية قطر لم يتطوع بموقف تبادل الأراضي على مسؤوليته بل فعل ذلك مستندا إلى المواقف الفلسطينية الرسمية" كما قال القيادي في فتح نبيل عمرو، وإن ذلك "جزء من عملية تفاوضية (فلسطينية) سابقة" (عضو تنفيذية المنظمة د. احمد مجدلاني). وفي كل الأحوال فإن كان "تعريب" موافقة منظمة التحرير على تبادل الأراضي قد تم بالرغم من المنظمة فهذه مصيبة لكنه إن تم بموافقتها فإنها مصيبتان. إن ما رافق انعقاد قمة الدوحة العربية التي حضرها الرئيس عباس من تقارير إعلامية تم نفيها في حينه عن "تعديل" لمبادرة السلام العربية، وانعقاد اجتماع "تشاوري" للوفد العربي قبل يوم من اجتماعه مع كيري وبايدن شارك وزير الخارجية الفلسطيني د. المالكي في كليهما، هي قرائن يمكن أن تقود إلى الاستنتاج بأن "تعريب" موافقة مفاوض المنظمة على "تبادل الأراضي" كان بعلم الرئاسة الفلسطينية وموافقتها، غير أن الموقف الدبلوماسي الذي اتخذه عباس بالامتناع عن تأييد أو رفض بيان الشيخ حمد بعد اجتماع "دار بلير" يشير إلى موقف سلبي مما روج له رئيس الوفد العربي ومضيفه الأميركي عن "تعديل" مبادرة السلام العربية، وقد رجح ذلك أحمد مجدلاني، عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير ووزير العمل في رام الله المقرب من الرئيس عباس وابن مدينته المحتلة صفد، في مقابلة له مع قناة الميادين الفضائية مساء يوم الجمعة الماضي رفض فيها تعديل المبادرة وأكد أنه لا يحق للجنة المتابعة العربية ولا لوفدها تعديلها لأن ذلك من صلاحيات مؤتمر القمة العربية الذي أصدرها. وفي كلا الحالين النتيجة واحدة وهي إسقاط ورقة التفاوض الوحيدة التي كانت باقية في يد مفاوض المنظمة بعد إسقاط أوراق المقاومة والانتفاضة، ف"تعريب" موقف هذا المفاوض كان يطرح كثمن لاستجابة دولة الاحتلال لما كان يصفه المفاوض ب"استحقاقات السلام"، فالعكس يعني تنازلا مجانيا لا تكفي الوعود الأميركية للمنظمة ضمانا لأي مقابل له. وينطبق ذلك أيضا على اعتراف دولة الاحتلال بحدود عام 1967 كشرط مسبق ل"التفاوض" على أي "تبادل للأراضي"، "طفيفا" كان أم كبيرا، وهو ما أسقطته كذلك "النتائج الايجابية" لاجتماع الوفد العربي مع كيري – بايدن، لتكون خلاصة هذه النتائج من الناحية العملية قيدا عربيا ملزما للمفاوض باختياره يضيق مساحة المناورة التفاوضية الضيقة أصلا أمامه، فعلى ذمة "القدس العربي"، نقلا عن "مصادر فلسطينية"، "تعهد الوفد الوزاري العربي للإدارة الأميركية بمنع السلطة من الانضمام لوكالات الأممالمتحدة" أو "ملاحقة إسرائيل قضائيا في المحافل الدولية" إذا ما طرحت الولاياتالمتحدة "مبادرتها المنتظرة للسلام" وهو ما تم فعلا بانعقاد اجتماع "دار بلير"، وقد سبق للمالكي أن أكد وجود "تعهد" فلسطيني مماثل للإدارة الأميركية. *القدس في مركز التبادل لقد أدرك د. نبيل شعث، القيادي في "فتح" أهمية عكس هذه الأوليات، فحذر من أن أي تبادل للأراضي "يجب" أن يأتي بعد اعتراف دولة الاحتلال بحدود 1967، وأن "يتم في نهاية المفاوضات"، لكن تحذيره جاء بعد فوات الأوان وبعد أن لم يعد صانع أي قرار تفاوضي، غير أنه ليس من المتوقع أن يحظى تحذيره من أن مثل هذا التبادل يجب "ألا يشمل القدس والحدود الدولية مع الأردن" بما يستحقه من تغطية إعلامية وطنية. إذ سوف يحرص كل من شارك في اجتماع "دار بلير" على الأرجح على طمس حقيقة أن "تبادل الأراضي" سوف يجري في القدس أساسا وفي معظمه، وحقيقة أن مفاوض منظمة التحرير سبق له أن وافق على ضم مجمعات "غوش عتصيون" و"معاليه" أدوميم" و"جفعات زئيف" الاستيطانية في شرقي القدس، بالإضافة إلى مستعمرة "آرييل" الاستيطانية جنوبي نابلس، لدولة الاحتلال، وحقيقة أن أمين عام اللجنة التنفيذية للمنظمة، ياسر عبد ربه، في "مبادرة جنيف" قد وافق على مبادلتها بشريط من صحراء النقب يوسع قطاع غزة. وبالتالي فإن وصف مثل هذا التبادل ب"الطفيف" ينطوي على قدر كبير من التضليل الإعلامي يستحق المساءلة الوطنية، ليصبح تصوير المطالبة بتبادل "بالقيمة والمثل" منصفا في ظاهره لكنه في جوهره مفرط في الاجحاف، فكل شبر من بيت المقدس لا يمكن أن يعادل مثله في القيمة والمساحة في أي مكان آخر. إن "النتائج الايجابية" (كذا!) لاجتماع "دار بلير" تعني "نسخة جديدة" من مبادرة السلام العربية، كما وصفتها وكالة الأسوشيتدبرس، تفتح الباب لتعديلات أخطر لاحقة عليها مثل بندها المتعلق ب"حل متفق عليه" لقضية اللاجئين الفلسطينيين، بحيث "سيصبح من الصعب إغلاق" هذا الباب كما قال عضو مركزية حركة فتح د. محمد شتية، و"تعيد ترسيم حدود" 1967 كما قالت ليفني، بموافقة عربية وفلسطينية، وهي نسخة "تشرع" كذلك المستعمرات الاستيطانية التي أقامها الاحتلال بقوة السلاح القاهرة، في انتهاك للقانون الدولي والإنساني وميثاق الأممالمتحدة وقرارات مجلس أمنها، كما قالت الجبهة الديموقراطية، واتفق معها عضو تنفيذية المنظمة واصل أبو يوسف الذي وصف "مخرجات الوفد العربي" في واشنطن ب"الخطيرة" لأنها "تضفي "الشرعية" على هذه المستعمرات "تحت عنوان التبادلية". وهي "نسخة جديدة" ترقى الموافقة عليها إلى مصادقة فلسطينية وعربية على الرسالة التي بعثها الرئيس الأميركي السابق جورج دبليو. بوش لرئيس وزراء دولة الاحتلال الأسبق آرييل شارون في الشهر الرابع من عام 2004 والتي ضمن فيها عدم عودة دولة الاحتلال إلى حدود 1967 وعدم عودة اللاجئين الفلسطينيين وضم المستعمرات الاستيطانية اليهودية الكبرى في الضفة الغربيةالمحتلة إليها وبخاصة في القدس، وهو ما يرقى أيضا إلى مصادقة كذلك على ضم شرقي القدس حيث توجد هذه المستعمرات "الكبرى" لدولة الاحتلال. علما بأن هذه "النسخة الجديدة" قد استندت إلى رؤية أوباما التي أعلنها في أيار / مايو 2011 وهي الرؤية التي "تبناها" أوباما "كطريقة لتنفيذ" رسالة بوش لشارون، كما كتب ران داجوني في "غلوبس" العبرية آخر الشهر الماضي. وكل ذلك وغيره يرقى إلى تنازلات فلسطينية وعربية خطيرة مجانية من دون مقابل وحّدت في رفضها الفصائل الأعضاء وغير الأعضاء في منظمة التحرير الفلسطينية، متجاوزة الانقسام الفلسطيني. فحركة حماس في "تصريح صحفي" يوم الثلاثاء الماضي أعربت عن "القلق العميق... إزاء تصريحات وفد المبادرة العربية للسلام في واشنطن"، وهو الوفد الذي كانت "تأمل" منه "أن يطالب واشنطن بالضغط على الاحتلال لوقف الاستيطان"، ليعلن رئيس المكتب السياسي للحركة خالد مشعل، الذي يقيم في قطر التي ترأست الوفد العربي، رفضه للمبادرة ولتبادل الأراضي على حد سواء، وليفسر القيادي في حماس د. محمود الزهار هذا الرفض بقوله: "لن نتنازل عن أرضنا حتى نرضي قطر أو لبنان أو مصر او دولة أخرى"، وليعلن رئيس الوزراء في قطاع غزة اسماعيل هنية أن فلسطين ليست عقارات تباع وتشترى. وقادت هذه التنازلات كذلك إلى استنكار حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين ل"تحول الجامعة العربية إلى مركز أبحاث أميركي" يجدد "التزامه ب(وعد) بلفور عربي" لدولة الاحتلال. كما سوغت رفض الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين لهذا التطور الخطير وقولها في بيان أصدرته إن "الشعب الفلسطيني لا ينقصه من يقدم التنازلات باسمه" وإن "أحدا لم يكلف" الوفد العربي "للتبرع بالتنازل عن أراض فلسطينية وهو لا يمتلك الحق" في التنازل عنها. لا بل شمل الرفض الفلسطيني محمد دحلان المقيم في الإمارات العربية المتحدة، والملفوظ من منظمة التحرير وحركة حماس على حد سواء، والذي طالب في صفحته على "الفيسبوك" ب"رفض الإملاءات القطرية"، ودعا "القيادة الفلسطينية إلى سحب التفويض الفلسطيني للجنة المتابعة العربية"، واصفا ما أنجزته الرئاسة القطرية للوفد العربي في واشنطن ب"التنازل" و"المؤامرة"، لأنه كما كتب "موقف غير مسؤول يلحق أضرارا استراتيجية بالموقف السياسي الفلسطيني" عدّه "تجاوزا خطيرا لمهمة لجنة المتابعة العربية ولمبادرة السلام العربية ... فالمؤسسة الرسمية العربية لا يحق لها وليس من صلاحياتها التقدم بصيغ تفاوضية حول مضمون الحلول النهائية"، ولفت النظر وهو المفاوض المخضرم مع دولة الاحتلال والأميركيين إلى انه "عندما ناقشنا مبدأ تبادل الأراضي في الماضي كان في إطار صفقة شاملة ومرهونة بموافقة إسرائيل على قضايا الحل النهائي مثل القدس واللاجئين". وفي سابقة تاريخية "استنهض" دحلان "كل مناضلي حركة فتح من أجل الدفاع عن القرار الوطني المستقل" لأول مرة ربما في تاريخ منظمة التحرير و"فتح" في مواجهة قطر والجامعة العربية وليس في مواجهة سورية وإيران كم جرت عادتهما منذ أبرمتا اتفاق أوسلو االشهير مع دولة الاحتلال قبل عقدين من الزمن. * كاتب عربي من فلسطين * [email protected]