بقلم : ذ. محمد بدران. لم يكد يهدأ روع سكان مدينة فيرونا من هول محرقة المهاجر المغربي احمد افضيل داخل سيارته ،ويتيه المحققون في حلكة غموضها وينهي شهر دجنبر ما تبقى من أيامه ويطوي العام آخر صفحاته ويلبس الغرباء الأمل المجهول وتستعيد حياة الغربة أنفاسها الضائعة بنسيم غير عطر الوطن ونديم قطر عسل بلون الدم وطعم الحزن والشجن ، حتى وصلتنا باقة تهنئة ملفوفة في كفن شهيدة قدمت قربانا للسنة الجديدة بلا شموع مواساة ولا دموع مأساة كتبت بمداد البغض والكره والحسد على صفحة شهْد كلها تعنيف وتحريف وظلم ونكد ، رسالة شروق عام وليد أشد وطئا وآلاما واغتراب سعيد أفضع وجع وانتقاما نزل على قلوب الجالية كشهب الألعاب النارية الحقيقية كلها أوجاع وحرقة وإيلام حامية دامية. رسالة ليست كباقي الرسائل وجريمة ليست كغيرها من الجرائم حيرت العقول وخلفت الدهشة والذهول ،كلها غموض وتأويل وصوت اعلام إضافة إلى سبق الأحداث وضعف التحليل وكثرة الاشاعات وقيل وقال وتصديق كل ما يشاع من أي كلام، كادت ان تخرج القضية بغباء عن سياقها أو تغير مسار تحقيقاتها لولا فطنة المحققين ونزاهة القضاء. واليكم الحقيقة الكاملة لفك طلاسم وتحريات جريمة قتل بشعة على الطريقة الهوليودية: حقد البشر ووحشيته أدى إلى الانتقام من الانسانية التي خدمته وخنق النفس التي كرمته ودفن الحنان وروح ما تبقى له من أمل في ساعة غضب عن عجل ،انه الوحش الآدمي "أجيم أجدينايج" المهندس الألباني المتقاعد المتهم الوحيد بقتل الملك الحنون الذي خدمه يوم اعرض عنه الأحباب وسد عليه كل باب يعاني من مرض الباركنسون " الشّلل الرعاش"ويقاسي لوحده صروف الهوان ووحشة العذاب. انها الروح الطاهرة الحنونة والخادمة والعاملة الأمينة خديجة بن الشيخ ابنة السادسة والأربعين التي قاومت تقلبات الحياة بعد زواج سابق كان شاقا ومذاقا مرا يوم صار طلاقا ،عشرون عاما في حضن الغربة عانت فيها ما شاء الله من الهموم وتحملت سياط الشؤم وألسنة اللوم ولم تكن تعلم ما يخبئ لها قدر ذلك اليوم المشؤوم.
قدرها المحتوم وحظها البئيس أن تتعاقد مع ابليس المريض بعقد عمل اربعة وعشرين ساعة على أربعة وعشرين، خدمة توفر لها رغيفا وسقفا وأجرا نظيفا تضيف عليه أي مزيد محترم سليم. في لحظة غدر وخيانة يسطو الوحش ناكر الخير والأمانة على الحمل الوديع فيزهق روحها الأبية بلا شفاقة أو ندامة ويقسم جثتها الى عشرة اطراف ويضعها في أكياس قمامة ليرمي بها ليلا قرب سياج كهربائي بمساعدة صاحب او قريب في منطقة ريفية نائية فى فاليجيو سول مينسيو،جنوب مدينة فيرونا الإيطالية تحسبا أن هناك حيوانات مفترسة برية ستمحو أثر العملية الاجرامية. لكن الحيوان كان أشفق وأرفق وأحق بالاحترام لما يغضب حصان عشية ذلك السبت الأسود 30 من ديسمبر وهو يحرك رأسه باتجاه شريط الإسفلت المعشوشب الذي يتوسط حقول الكروم على امتداد طول الفضاء المغلق العذب المحادي للأسلاك الكهربائية حيث رميت أكياس بداخلها أشلاء تطل على الطريق كالورود المنسية. استغربت صاحبته التي اتت كعادتها لتطعمه فاستغربت لحركاته لأنه يغضب فقط لما تأتيه متأخرة وقد سقط عليه الظلام، لكن كيف يفعل ذلك والساعة ما تزال ظهيرة تساءلت في استغراب ولما استدارت الى جهة العشب حيث كان يدير برأسه في صمت بدون كلام شاهدت رأسا مقطوعة اعتقدتها بقايا من أقنعة هالوين الاصطناعية ،ولما اقتربت منها كانت لإنسان فأخبرت الدرك وشكر الجميع ذلك الحصان فسبحان الله من جعل الرحمة في الحيوان وسلّها سلّ الشعيرة من قلب الإنسان. الجثة كانت ما زالت كاملة مقطعة عارية إلا من لباس داخلية لم يسلم منها عدا الرأس واليدان ، تعرف المحققون عن اسمها ببصماتها وعن كيفية وفاتها وعن تبرير طليقها والاشتباه فقط في مشغلها "أجيم" الخمسيني وابن شقيقه الطالب "ليزاند روزديجا " ابن السابعة والعشرين. وتم اعتقال الأول بعد اعترافه وفضح تظاهره بالشلل والمرض وعدم الحركة في استنطاق 31 ديسمبر، بينما صورته كاميرا المراقبة قبل ذلك وهو يتحرك بسلاسة وخفة يحمل بعض أكياس التسوق الثقيلة من المبنى وحقيبة رياضية، في ثلاث أو أربع رحلات، حوالي الساعة الحادية عشر ليلا وفق المحققين، هذه هي نفس الحقائب التي كانت فيها أطراف الجثة.
وتم اطلاق سراح المتهم الثاني لتبريره وبقى على قيد التحقيق وتحت المراقبة وان كانت سيارته رصدتها احدى الكاميرات قريبة من مكان رمي الجثة ب 700 متر ومحو كل محتوى هاتفه ،وتأكيد فحص الخلايا الهاتفية أن الإشارة الخلوية لهاتف المتهمين اعطت الاشارة في المنطقة التي تم التخلي فيها عن جثة الضحية.
كما ساعدت هذه الكاميرا التحقيق بتصوير السيدة خديجة وهي تعود إلى المبنى بعد ظهر يوم 29 ديسمبر كباقي الناس، ثم لم تخرج منه إلا مقطعة في أكياس. ما هي إلا أياما معدودة مرت على هذه الحادثة حتى خيم السكوت عن الجريمة واقتربت القضية من اغلاقها لتنتعش من جديد بتدخل جمعية السعدية من فيرونا وحضور أخوين للمرحومة أتيا من خارج ايطاليا ليطرقا باب المكتب الدولي للمحاماة ويتم تكليف الأستاذة كوثر بدران وشريكتها الأستاذة بوكي بمتابعة الملف جنائيا مما أدخل القضية إلى المحكمة الجنائية وساعد في المطالبة بتعميق مسطرة البحث وظروف وملابسات عملية القتل وتشويه الجثة المروع وإخفائها والإذن بالتفتيش في مكان الجريمة باستعمال محلول مينول، لاكتشاف بقع الدم المتبقية. بالإضافة الى إعادة التشريح الطبي من طرف طبيب شرعي يختاره الدفاع لمعرفة تفاصيل العنف الذي تعرضت له المرحومة قبل السماح بإعادة الجثة لتدفن في المغرب وبناء الخطوات المفتاحية الرئيسية من جديد ووضع الأصبع على نقط البحث المتبقية في لغز هذه القضية .