واشنطن،- استطلاعات الرأي الأميركية التي جرت حول من يمكن أن يصوّت له الأميركيون في انتخابات الرئاسة الوشيكة يوم 6 الشهر القادم، خاصة في الولايات المتأرجحة (راجع المقال حول هذه الولايات) التي تشتد فيها المنافسة، نتج عنها توقعات كثيرة بأن نتائج المنافسة بين الرئيس باراك أوباما وميت رومني، حاكم ولاية مساتشوستس السابق، ستكون متقاربة جدًا. ولأن الرؤساء الأميركيين يختارهم بالفعل 538 ناخبًا في الهيئة الانتخابية، وليس عن طريق التصويت المباشر بين المواطنين، فهل من الممكن ألا يحصل أي من المرشحين هذا العام على الغالبية المطلوبة للفوز وهي 270 صوتًا من بين أصوات الهيئة الانتخابية؟ أو هل من الجائز أن يكسب أحدهما غالبية أصوات الناخبين عامة وأن يخسر أصوات الهيئة الانتخابية؟ أو هل يمكن أن يتعادل المرشحان بحصول كل منهما على 269 صوتا؟ نظريًا، كل هذه السيناريوهات ممكنة، وبعضها حدث من قبل في تاريخ البلاد بسبب اتباع نظام الهيئة الانتخابية. في انتخابات العام 2000 الرئاسية بين جورج بوش ونائب الرئيس السابق آل غور، خسر غور الانتخابات بالرغم من إحرازه لغالبية الأصوات الشعبية. وكان كل منهما يحتاج للفوز بأصوات الهيئة الانتخابية لولاية فلوريدا وعددها 25 صوتًا، وقد بيّنت نتائج الانتخابات في الولاية تفوّق بوش على غور بهامش بسيط جدًا بحيث استلزم ذلك، قانونًا، إعادة فرز الأصوات. وفي نهاية المطاف صوّتت المحكمة العليا للبلاد بغالبية خمسة قضاة ضد أربعة بالتوقف عن الاستمرار في إعادة فرز الأصوات، وهو ما أتاح لفلوريدا اعتماد نتائجها وكانت لصالح بوش. وفي هذا السياق يقول طوماس نيل، الخبير في شؤون الحكم بمكتب الكونغرس للأبحاث، إنه لو سئل في نهاية العام 2000 عمّا إذا كان ينبغي على الكونغرس أن يقترح تعديلا دستوريًا يكون غرضه إما إصلاح نظام الهيئة الانتخابية أو استبدالها، لكان سيجيب بنعم وقتئذ، وذلك في ضوء الجدل الذي ثار بسبب نتائج الانتخابات الرئاسية. لكن الكونغرس لم يفعل ذلك، حسبما قال نيل لمستمعيه في مركز الصحافة الأجنبية بواشنطن يوم 24 الجاري، موضحًا مدى الصعوبة، والعمل الشاق المطلوب من أجل إقرار التعديلات الدستورية. وبدلا من ذلك، ركز الكونغرس اهتمامه على الصعوبات التي ظهرت خلال عملية إعادة فرز وعدّ الأصوات في فلوريدا وأوصى بتطبيق معايير تقنية حديثة في عملية الاقتراع بما في ذلك آليات وبرمجيات للتصويت إلكترونيًا. كما سمح الكونغرس بتقديم منح لمساعدة الولايات الأميركية على "تحديث نظم التصويت لديها كي يتسنى لنا أن نمضي قدمًا في ذلك المضمار وجعل تسجيل الأصوات أكثر اكتمالا وأكثر دقة وفي الوقت المناسب"- حسبما قال الخبير نيل. والدستور الأميركي هو أقدم دستور ما زال مستخدمًا في العالم، كما أن نظام الهيئة الانتخابية هو انعكاس لتفكير الأميركيين في القرن الثامن عشر حينما كان حق التصويت محصورًا في الذكور من البيض ممن كانوا يقتنون قدرًا معينًا من الأملاك، كما أفاد نيل، الذي أضاف: "كانت فكرة إجراء انتخابات مباشرة فكرة غير معتادة في العام 1787." وكان المؤسّسون لأميركا من مفضّلي ذلك النظام لأنهم كانوا يريدون أن تقرر نتيجة الانتخابات كل ولاية بمفردها بدلا من المجلس التشريعي الفدرالي. "وهم لم يكونوا راغبين في أن يكون الرئيس خاضعًا لسلطة الكونغرس أو محاسبته من أجل انتخابه أو إعادة انتخابه. بل كانوا يرغبون أن يكون الرئيس أكثر استقلالية." الهيئة الانتخابية عامل منشّط في توقعات نتائج انتخابات هذا العام رد بعض الأميركيين على المأزق بين حملتي بوش وغور طوال شهر كامل بروح من الدعابة في حين تظاهر آخرون احتجاجًا ضد نظام الانتخابات المتبع. وطبقًا لتوقعات انتخابات هذا العام للإحصائي نيت سيلفر في صحيفة نيويورك تايمز، فإنه حتى يوم 25 تشرين الأول/أكتوبر، بلغت نسبة احتمال أن يعاني ميت رومني مصير آل غور وأن يكسب غالبية أصوات الناخبين بينما يخسر غالبية أصوات الهيئة الانتخابية، 5.6 في المئة مقابل 1.8 في المئة لمنافسه، باراك أوباما. ويشير تحليل سيلفر لنتائج استطلاعه كذلك إلى أن من المرجح بنسبة 10 في المئة أن تكون نتيجة الانتخابات في ولاية متأرجحة وحاسمة تتضمن هامشًا للخطأ قدره نصف في المئة، وأن يقتضي ذلك من مسؤولي تلك الولاية أن يقوموا بإعادة فرز وعدّ الأصوات. لكن آخر بياناته تشير إلى أن ثمة احتمالا بنسبة 0.5 في المئة أن يحصل رومني أو أوباما على 269 صوتًا انتخابيًا من مجموع أصوات الهيئة الانتخابية، مما سيؤدي إلى تعادل. وفي سيناريو كهذا، فإن مجلس النواب هو الذي يقرر النتيجة على أن يُعطى وفد كل ولاية صوتًا واحدًا. يُذكر أن مجلس النواب الأميركي قرر الفائز في الانتخابات الرئاسية في حالتين فقط في التاريخ الأميركي. المرة الأولى في العام 1800، دُعي المجلس للفصل في التعادل في أصوات الهيئة الانتخابية بين طوماس جيفرسون وأرون بار. والمرة الثانية في العام 1824 لم يحصل أي من المرشحين على غالبية أصوات الهيئة وكان أن اختار المشرعون الأميركيون في نهاية الأمر جون كوينسي آدامز رئيسًا. وكما يحتاج مجلس النواب لتقرير من سيكون الرئيس الأميركي في حالات لا يحصل فيها أي من المرشحين على غالبية أصوات الهيئة الانتخابية، أو تتعادل فيها أصوات المرشحيْن الاثنين، يختار مجلس الشيوخ نائب الرئيس بمقتضى قوانين البلاد الدستورية. ويفترض معظم مستطلعي الآراء أنه بعد الانتخابات الوشيكة في الشهر القادم سيحتفظ الحزب الجمهوري بالسيطرة على مجلس النواب فيما سيحتفظ منافسه، الحزب الديمقراطي، بالسيطرة على مجلس الشيوخ. وإذا حصل تعادل في أصوات الهيئة الانتخابية لكل من رومني وأوباما، سيكون من المرجح، بالتالي، أن يختار مجلس النواب رومني رئيسًا لكن هناك احتمالا بالنسبة نفسها أن يختار مجلس الشيوخ الذي يتحكم فيه الحزب الديمقراطي جوزف بايدن نائبًا للرئيس بدلا من مرشح نائب الرئيس الجمهوري بول ريان. وفي كلمته في مركز الصحافة الأجنبية يوم 25 الشهر الحالي، سلم نيل بأن نظام الهيئة الانتخابية "ليس خاليًا من العيوب" لكن بعد 51 جولة انتخابات رئاسية، فإن في 47 جولة منها كان الفائز بأصوات الهيئة الانتخابية هو الفائز أيضًا بالأصوات الشعبية، وهذا سجل لا بأس به فعلا. ومن المحتمل جدًا أن تكون انتخابات هذا العام- التي ستكون الجولة ال52- جولة الانتخابات ال48 التي يفوز بها المرشح بغالبية أصوات الهيئة والأصوات الشعبية معًا، وهو ليس بالأمر السيء في المشهد الانتخابي الأرحب،" حسب كلام نيل.