محمد عمراوي* يبدو الكتاب من خلال التصفح الخارجي مغريا بالقراءة، خاصة وأن العنوان يحيل مباشرة إلى المخبرين الذين يتعقبون المناضلين ويحررون عنهم التقارير في التنظيمات السياسية والنقابية والفصائل الطلابية. لست ناقدا أدبيا متخصصا، إلا أنني قاريء، يختار ما يقرأ بعناية، ويحاول أن ينتج من خلال تلك القراءة ما يمكن أن يفيد غيري من المهتمين. منذ قراءتي الأولى لرواية "تقارير مخبر" لميمون أم العيد، في يونيو 2016، عن دار نشر توسنا بالرباط، في 208 صفحة من الحجم المتوسط. منذ قراءتي الأولى لها وتجتاحني رغبة الكتابة عن هذه الرواية التي أتمنى أن يطلع عليها الطلبة وعموم القراء، لأنها قد تساعدهم على فهم أمور كثيرة، وإن كانت هذه ليست مهمة الأدب، لكنها على الأقل، سوف توسع لديهم دائرة الإلتباس وتحارب عندهم الكثير من اليقينيات كما تفعل الكثير من الأعمال الأدبية. وثائق سرية عن الفصائل الطلابية بأسلوب مشوق، يوضح الراوي منذ بداية الرواية إلى الصفحة 38، كيفية حصوله على وثائق سرية تتحدث عن شهيد تم اغتياله في الساحة الجامعية، تقارير كتبت بأسلوب روائي بديع، تصف عوالم الطلبة والمناضلين من خلال "قتيل حصل على لقب شهيد بإجماع كل الفصائل. إذ أن صدفة قادت الرواي ليلتقي بضابط مخابرات سخرته إدارته ليحرر التقارير عن الطلبة، فقدم للراوي ملفا يضم 160 صفحة مكتوبة بخط اليد، تصف الحرم الجامعي وكافة المتدخلين في الحلقيات الطلابية، وتقدم معلومات عن بعض ضحايا العنف الجامعي بالسنوات الأخيرة. وتفكيره في تقديم تلك الوثائق للسلطات الأمنية، بدل نشرها، إلا أن استمتاعه بقراءة تلك التقارير، وإحساسه بأن المخبر لم يكن شخصا عاديا يكتب تقارير رتيبة، جعله يجمعها وينشرها في قالب روائي كما كانت رغبة المخبر الذي انتحر لأسباب سوف تتوضح في نهاية الرواية. الشّهيد الذي تفرق دمه بين الفصائل يُعد بطل الرواية "الشهيد عبد النبي عتيريسة" شخصية غامضة، فكل فصيل يعتبره من رجاله المناضلين، وكل فصيل يقدمه في مجلته الحائطية، وفي وثائقه بأنه شهيده. بدءًا ب"حركة الأمازيغ الأحرار"؛ ف"فصيل اليساريين التقدميين"، ثم "فصيل الإسلاميين"، وصولا إلى "فصيل الإسلاميين المجددين". كل فصيل من هذه الفصائل المذكورة في الرواية يقدم سيرة ذاتية مغايرة لنفس الشخص؛ يضفي عليها ما يجعل الأتباع يثقون باعتناق الشهيد لمذاهب الفصيل ولأفكاره. هناك بعض الإختلافات في تسمية الرجل، إلا أن السير تتقاطع في نقط عديدة، وهو ما لمح إليه الراوي في الصفحة 55 بأن "هذه التيارات تتحدث عن نفس الشخص، وأن رغبتها في التفرد جعلتها تسبغ عليه لمستها الخاصة". الرواية بين التخيل والواقع قد يجد قارئ رواية "تقارير مخبر" أحداثا واقعية، خاصة إذا خبر الحياة الجامعية، ذلك أن الكاتب أقحم في روايته مجموعة من الأحداث التي وقعت بالفعل، مع تغيير بعض السياقات والتوسع في أحداثها وتخيل أحداث أخرى. إذ نجد بعض الأحداث المتقاربة مع شخصيات بصمت النضال الجامعي، يكون الكاتب اسلتهم منها بعض الأحداث التي تضمنتها روايته. هذا دون إغفال الجوانب المتقاربة بين فصائل الاسلاميين على مستوى الرواية والوقائع، حيث نجد معطيات قريبة من فصيل العدل والاحسان وفصيل (الحاص) الذي يتزعمه الشيخ زياد، هذا الأخير في مكانته على مستوى الرواية شبيه إلى حد كبير بالشيخ عبد السلام ياسين في الواقع، من حيث القداسة وقيمته بين مريديه، إلى جانب اعتماد تنظيم الشيخ زياد (الوشاج) والذي يطابقه (الرباط) لدى العدل والاحسان. وهو نفس الشيء بالنسبة ل"حركة الأمازيغ الأحرار" و"فصيل اليساريين" وغير ذلك مما جاء في الرواية. حادثة المؤخرة من سخرية الكاتب في رواية "تقارير مخبر"، نجد فصلا يتحدث عن حرب بيطلابية، نتج عنها اعتقالات بالجملة، وعقوبات تراوحت بين الشهر وخمسة عشرة سنة، أسر دمرت، وأمهات عانين لسنوات مع اعتقال أبنائهن، هشمت سيارات الدولة، وانقطع الطلبة عن الدراسة لشهور، ليتضح للمخبر الذي كان يعد التقارير عن تلك الأحداث، أن السبب في كل ذلك، لم يكن ملفا مطلبيا كبيرا، بل خلاف بسيط بين مناضلة وصديقها في ليلة جنسية. لتتطور الأمور إلى هجران، وانتقام بربط علاقة مع مناضل من فصيل آخر، ثم تبدأ الحروب ومعارك اعادة الإعتبار. انقطع الطلبة عن الدراسة، كسرت الأرجل والرؤوس وسجن الشبان دون أي سبب واضح، سمى فصيل تلك المعركة بمعركة " الكرامة" وسماها الفصيل الآخر "معركة النصر"؛ وسماها رجال الأمن في سجلاتهم "حادثة المؤخرة". المظلومية والحاجة إلى شهيد تتحدث الفصول الأخيرة من الرواية عن طالب يدعى وديع خيار، وهو الطالب رقم 8 بحسب الرواية الذي يلقى حتفه في صراعات الطلابية وعراكتهم الإيديولوجية، وخلال فصل كامل توضح الرواية كيف استغل فصيل موت شاب ليسجل النقط على الخصوم، من خلال الرسائل القوية التي بعتها ذات الفصيل للدولة، رغم أن الطالب المتوفي، والذي كان يدرس بسنته الأخيرة، قتل على أيد لصوص دخل معهم في مواجهة مفتوحة بعدما أرادوا أن يسلبوه ماله، وكيف استغل الفصيل وفاته ويلصقها بالمنافسين، ويعلن الحرب على الفصائل المناوئة. الشهادة بين الحقيقة والادعاء لا يمكن أن تحضر حلقية طلابية مهما كان الفصيل الذي يسيرها، دون أن يستمع لفظة شهيد لألف مرة، وهي كلمة تقرن بأي اسم، سواء كان يستحقها أو لا، ودون أن يتساءل الطلبة عن حقيقة بعض السير التي يتم نسبها لمجموعة من الأشخاص، يتم ترديد مجموعة من الأسماء مقرونة بلقب شهيد، لرغبة الفصائل في استمالة الأتباع بادعاء المظلومية، فالفصيل الذي يضم أكبر عدد من "البكائين" بتعبير الرواية، هو الفصيل الذي لديه أكبر عدد من الشهداء ولو تلفيقا. إن رواية "تقارير مخبر" للروائي والصحفي ميمون أم العيد، رواية تخلق لدى قارئها شعورا غريبا، لا ينصح بقراءتها، خاصة للذين يعتبرون بعض "الحقائق" كمُسَلمات نضالية لا تقبل التشكيك، إنها باختصار، دعوة لتقبل الآخر المختلف عنا، حتى وإن كان ما يعتقده هذا الآخر مناف تماما لما نعتبره الحقيقة المطلقة، فلا أحد يملكها. *أستاذ بثانوية أبي العباس السبتي. مراكش [email protected]