يواجه العالم اليوم أكثر من أي وقت مضى، تحدي كبير وصعب ، يتعلق بالتغييرات المناخية ، حيث تعاني الطبيعة من التدهور بفعل النشاطات الإنسانية ، وتعاني الغالبية العظمى من السكان من صعوبات وعجز في تلبية احتياجاتهم الضرورية للحياة ، ومن تردي متزايد لمستوى معيشتهم. وذلك ناتج عن السلبيات التنمية المتبعة في المجالات الصناعية والزراعية والصيد البحري… التي تخلف تلوثا للتربة وللهواء والماء والتي أثرت وتؤثر بشكل كبير على صحة الإنسان وحياته ،وحياة الكائنات الحية الأخرى. فمن شأن تزايد استخدام الموارد الطبيعية والتلوث أن يضاعفا من ندرة المياه العذبة والتربة الخصبة ،وأن يسرّعا في فقدان التنوع الأحيائي وتغير المناخ على مستوى لا يطاق .كما ان الإفراط في استخدام الموارد الطبيعية، من قبيل الغابات والثروة السمكية والمياه النظيفة، وارتفاع معدلات التلوث، بما في ذلك انبعاثات غازات الدفيئة ( ثاني أكسيد الكربون )، كما ان لإفراط في البحت عن المواد الأولية يؤدي إلى استنزافٍ مكثّف للموارد الطبيعية وإلى تفاقم ظاهرة التلوث ذي المصدر البشري وإلى تكاثر الأزمات والكوارث الطبيعية الناتجة عن ذلك. فحسب تقرير للمنظمة العالمية للصحة، فإن التغيرات المناخية ستؤدي إلى تزايد الأوبئة التي سوف تخلف أزيد من 250.000 ضحية من بين الفقراء . وبسبب تراجع المحاصيل الزراعية قد يدفع 120 مليون شخص إلى الفقر المدقع، الى نهاية 2030 فإدراكا من المنظمة الديمقراطية للشغل لخطورة آثار الاضطراب المناخي على الموارد المائية، والأمن الغذائي، وعلى الصحة، والتنوع الحيوي البري والبحري، وعلى التفاوتات الاجتماعية والمجالية ، وعلى حقوق الإنسان. وان تواتر الخراب الناجم عن الكوارث الطبيعية المتكررة يمثل هموما خطيرة للمجتمع المدني وللنقابات، بما فيها انتشار الأسلحة النووية ومواصلة تخزينها ،وقضايا التخلص من النفايات المختلفة ، والمواد الكيماوية المشعة والصيدلانية والمضافات الغذائية ، تمثل تهديدا للأمن والصحة ولحق الإنسان في الحياة . فان تحقيق الاستدامة البيئية وتوفير العمل اللائق للجميع، أصبح يمثل تحديا ضخما ومسلسلا معقدا وصعبا المنال، في ظل السياسات العشوائية والارتجالية المتبعة ووفي ظل سوء تدبير عملية الانتقال حيث يظل الفقراء والمستضعفون هم من يؤدي الثمن الغالي للخراب الذي تقوم به الدول الكبرى والفئات الغنية في بيتنا وهم المستهدفون كذلك في عملية الانتقال. لدى فالعدالة المناخية والدفاع عن الحقوق والحماية الاجتماعية تعتبر ذات أهمية حاسمة بالنسبة للحركة النقابية العالمية . ومن الضروري بإلحاح اعتماد تغيير جذري والتخلي عن سيناريو أتباع سياسة العمل المعتاد وفق مقولة "النمو أولاً والتنظيف لاحقاً" وتوقيف استنزاف خيرات الدول الفقيرة وتدمير مواردها الطبيعية من طرف الشركات المتعددة الجنسية والدول الكبرى . ووعيا من المنظمة الديمقراطية للشغل ان حماية عناصر البيئة الخارجية مثل الهواء والماء والتربة من الفضلات الصناعية التي يمكن ان تطرحها الصناعات المختلفة ،هي نفسها الفضلات التي لها أضرار ومخاطر على صحة العاملات والعمال في أماكن العمل في المنشات الصناعية والورشات الزراعية والمعامل والإدارات … وتتطلب إجراءات صارمة وقائية، لتحقيق أكبر قدر من السلامة والأمان للعمال والعاملات على جميع المستويات وفي جميع وحدات العمل. ووعيا من المنظمة الديمقراطية للشغل أن المسالة البيئية هي أيضا قضية اجتماعية وإن مكافحة ظاهرة الاحتباس الحراري تستدعي بالضرورة حماية الأشخاص الأكثر هشاشة، لأن هؤلاء هم الذين يستنشقون الجسيمات أكثر خطورة ، وهي التي تعاني و تكافح من أجل تحمل الغذاء الصحي والجودة دون الكائنات المعدلة وراثيا أو المبيدات الحشرية، وهي التي تجد صعوبة كبيرة في ولوج العلاج و الرعاية التي لا تتوقف التدهور. هو الأكثر عرضة للخطر وهم الذين يدفعون التكاليف الاجتماعية للضرر الذي نتسبب فيه لبيئتنا وإدراكا من المنظمة الديمقراطية للشغل ان الانتقال من الاقتصاد العالمي الحالي النيوليبرالي المتوحش نحو نموذج أكثر استدامة بيئيا واكتر إنصافا وعدلا لجميع الفئات الاجتماعية يعتبر تجربة صعبة ومعقدة و طويلة وسوف يكون لها آثار عميقة على كل من الكوكب ومستقبل العمل مما يتطلب معه تعزيز آليات الحوار الاجتماعي الشامل بين النقابات وأرباب العمل والحكومات على جميع المستويات، وتوفير الشروط الضرورية للنقابات للمشاركة في وضع السياسات العمومية و تقييم الفرص ومواجهة التحديات التي تفرضها المرحلة الانتقالية. وينبغي أن تشمل جميع السياسات الاقتصادية تدابير لدعم التنمية المستدامة. كإصلاح الضرائب البيئية التي يمكن أن يساعد في تمويل التعويضات للمتضررين من عملية الانتقال و إبلاء اهتمام خاص للفئات الأكثر عرضة لآثار تغير المناخ خاصة العاملات والعمال واعتماد تدابير السلامة والصحة المهنية ومواجهة المخاطر التي تنطوي على الاستخدام السيئ للمزارعين وللأرض. فوعيا من المنظمة الديمقراطية للشغل أن مكافحة ظاهرة الاحتباس الحراري،و التعبئة من أجل مسايرة التحولات الصناعية والاقتصادية اللازمة كمشروع إنساني كبير، يقتضي ان لا يكون هذا المشروع ذريعة للإجهاز على الحقوق العمالية والإنسانية وعلى الشغل اللائق والحماية الاجتماعية كما أن التطور والتجهيز الصناعي اللازم لمكافحة التغييرات المناخية لا ينبغي أن يكون مرادفا لفقدان العمل والوظيفة، بل يضمن انتقال عادل يحفظ كرامة العمال وحقوقهم. وبالتالي فمحاربة الأزمة الايكولوجية وعدم المساواة الاجتماعية الناجمة عن النظام الاقتصادي الحالي، تتطلب مراجعة جذرية وهندسة ديمقراطية وعادلة لنظام العولمة المتوحش باستحضار خيارات التنمية الإنسانية عبر العدالة الاجتماعية وإشراك العاملات والعمال والسكان في بلورة السياسات العمومية ، وإشراك النقابات في إطار حوار اجتماعي مؤسساتي حقيقي يشمل شروط البيئية في الاتفاقات الإطارية وفقا لمعايير محددة لمنظمة العمل الدولية (ILO) والمنظمة العالمية للصحة .Who . وفي هذا السياق إذ تسجل المنظمة الجهود الهامة التي تقوم بها المملكة المغربية في مجال محاربة التغيرات المناخية، سواء على المستوى القانوني : القانون-الإطار رقم 99.12 بمثابة ميثاق وطني للبيئة والتنمية المستدامة الذي حدّد المبادئ والتوجيهات الضرورية لإدماج مفهومَيْ التنمية المستدامة والمخاطر المناخية في مجمل السياسات العمومية؛ والقانون 77/15 المتعلق بمنع استعمال الأكياس البلاستيكية المسمى "زيرو ميكا" , فضلا عن المشروع الوطني الضخم المتعلق بمشروع نور للطاقة الشمسية بورزازات الذي يعتبر اكبر مشروع لإنتاج الطاقة الشمسية عبر العالم . ورغم ذلك تبقى كل هذه الإجراءات غير كافية حيث يظل المغرب يعاني من هشاشة اجتماعية وبيئية، ويعتبر من أكثر بلدان العالم هشاشة أمام الاضطراب المناخي، حيث يصنَّف ضمن البلدان الأكثر تضرُّرا من التغيرات المناخية على المستوى العالمي؛ بسبب عدة عوامل أهمها ضعف السياسات العمومية وهزال الاعتمادات المالية المخصصة لتنفيذها ، واتساع فجوة الفوارق الاجتماعية وتزايد مظاهر الفقر والهشاشة ، وارتفاع معدلات البطالة. كما أن توالي الظواهر المناخية القصوى وتعاقُبها،و على وجه الخصوص ضعف التَّساقطات المطرية وعدمِ انتظامها من سنة لأخرى،التي أدت إلى سنوات الجفاف المتتالية، وتقلص الغطاء النباتي بسبب التصحُّر وتفاقم حجم الكوارث الطبيعية التي يتعرض لها المغرب، يتسبب في كوارث اجتماعية وخاصة الفيضانات التي تخلَّف خسائر مادية جسيمة. علاوة على ضعف الإجراءات والتدابير لمواجهة آثار التغيرات المناخية على المستوى المجالي في المدن والبوادي ، و تزايد ممارسات وأعمال الهذر وتدمير الموارد الطبيعية بشكل عشوائي ، وهي عوامل مجتمعة قد تَحُول دون تحقيق أهداف التنمية المستدامة لما بعد سنة 2030. فتنظيم مؤتمر الأطراف في الاتفاقية الإطار للأمم المتحدة بشأن التغييرات المناخية " كوب22 " للتغيرات المناخية بمراكش في دورته الثانية والعشرون بمراكش ما بين 7 و18 نونبر 2016 ، كحدث تاريخي كبير، سيكون مؤتمر لترجمة اتفاق باريس الرامي إلى تشجيع الدول على الالتزام باقتصاد منخفض للكربون… ويشكل هذا المؤتمر فرصة كبيرة للحركة النقابية المغربية للتعبئة لمكافحة الأزمة الاجتماعية والبيئية التي تتطلب نموذجا اقتصاديا جديدا ومشروعا مجتمعيا مختلفا ينبني على العدالة الاجتماعية والديمقراطية وتكافئ الفرص . فمن الضروري اتخاذ تدابير إضافية ومصاحبة لتقييم المخاطر وتنفيذ سياسية ووقائية متكاملة لمواجهة آثار التغيرات المناخية على الفئات الاجتماعية المعوزة من خلال تعزيز شبكات الأمن والحماية الاجتماعية بدءا بتحديث التشريعات الوطنية وفق الالتزامات والاتفاقيات الدولية وتعزيز العمل اللائق و الحماية الاجتماعية وفق ما نصت عليه اتفاقيات منظمة العمل الدولية وحماية صحة الناس من تأثير البيئة وفق توصيات المنظمة العالمية للصحة ، وتحسين فرص العمل والعدالة الاجتماعية والقضاء على الفقر ، وحماية الفئات الأكثر ضعفا وهشاشة والأكثر تضررا، واتخاذ الإجراءات الحكومية للحد من خطر ارتفاع معدلات البطالة، ودعم العمل اللائق.من خلال توفير الاستثمار المالي الكافي للإستراتيجية الوطنية لحماية البيئة وتشجيع مشاركة المجتمع المدني للمساهمة في بلورة التزامات المغرب في مجال المناخ والوفاء بها ، و إشراكه في إدارة وتدبير البيئية السليمة وتوعية وتثقيف السكان على المحافظة على البيئة ، وعلى تغيير أسلوب الاستهلاك، و تطبيق كل الإجراءات القانونية والاقتصادية والجبائية اللازمة لحماية البيئة وتشديد الرقابة والزجر على مختلف التجاوزات البيئة واتخاذ تدابير ملموسة من اجل إدماج البعد الاجتماعي والبيئي في السياسات العمومية، وأساسا تطوير مصادر الطاقات المتجددة (الطاقة الشمسية والطاقة الريحية والطاقة المائية) . من خلال المشاركة في تفعيل الاتفاقية العالمية والمُلزمة لمؤتمر باريس حول المناخ" كوب 21″ وتوصيات وقرارات التفعيل للدورة الثانية والعشرون لمؤتمر الأطراف " كوب 22″ بمراكش بالمغرب خاصة الدعم المالي ونقل التكنولوجيا للبلدان النامية .ويظل الالتزام السياسي والأخلاقي والأدبي الجماعي للدول وللحكومات عامل أساسي في تحقيق هذه الأهداف وتنفيذ قرارات مؤتمر مراكش التاريخي . عن المكتب التنفيذي : علي لطفي 21، شارع جزيرة العرب، باب الأحد، الرباط.