حسين رحيم.،كاتب له اساليب تعبير تفوق معانيه(المطروحة في الطرقات)هكذا رجح الجاحظ صياغة الشعر على معانيه، وارتقى بذلك الى ناصية الحداثة بامتياز،، في نصه(اعرف رجلا،،،)يجترح الكاتب لنفسه اسلوبا عبر-نصي،وعبر-زمني،،دفعا لاغتراب الشاعر وعذاباته وهو يرفع صخوره الى قمة ماساته في فعل عبثي يعاد تكراره دون جدوى،فهو يبدأ نصه بمقطع (اعرف رجلا) وينتهي به، ثمة نصين يتكاملان هما:(اخر شعراء المدينة)و(اعرف رجلا) رايتني وانا اقرأهما كمن يلوك حجرا وشوكا،بخلاف نصوص قرأتها للكاتب ،تضيع قيمتها بين كلمات مخملية يغازل بها قراءه وهو يلقي تحيات الصباح والمساء،، النص الاول وهو الاشد وقعا وقتامة يطرح عبر تفاعل تناصي مع نص شهير ل(بو) في التناص وجدت اختلافا فيه ابتكار وجده لما الفناه من تجارب تناصية لاعمال اخرى،بأحالته الرمز الى غيره ،ليحتفظ نص رحيم بفرادته ،فادغار الان بو،ينازع يأسه وحسراته التي طالت حسين رحيم بتمثل تناصي جعله يتماهى مع بو في عزلته وعشقه المكلوم مستعينا برعشة الشعر واسألته المحيرة،ف(بو) يختار غرابا وليس الها يبث اليه شكواه ولواعجه واشواقه،ورحيم يختار متنبئ تتعدد رموز وجوده ،، بو يسأل الغراب هل ستعود حبيبته لينور وهل سيعود زمن الحب الذي اختفى بموتها،وفي نص رحيم مفارقة جعلت الغراب نفسه يسأل (متى يموت الشاعر)وتكون الاجابة:(حين تطفو القصيدة على المعنى)وبهذا يفقد الشاعر وجوده في ذاته ،ولكن اصرار رحيم يراه خيالا مضمرا في زمن او مكان مجهول،فراح يتقصى وجوده في ذاته(ذات الشاعر حسين رحيم) واذا كان بو يرى ان موت امرأة جميله هو اكثر المواضيع شاعريه ،يعتقد رحيم ان الفقد الوجودي غير الارادي لوجود ضحكه بكاء ونومه موت،،مجاوزه لفعل الواقع وازمة حاده يكون معها الشعر انتزاع من المستحيل،، ولينتهي الشاعر الى حسرة وضياع في البحث عن تجربة حياة لم توجد بعد وقد لا توجد،،وان كان (بو)قد وجدها في الغراب ،فأن حسين رحيم يجدها في مجهول ينفي به نفسه:و(لا يظهر الا لحظة غياب القمر) وفي قصيدة (ديوجين) يلعب الشاعر رحيم دور العراف ليعثر على العمق الجمعي بمزج المادي بالحدس، ويكتب نصا يتصادى مع عصر بعيد بتأمل فلسفي متأثرا بحوارية باختين وهو يجمع زمنيين بأحالة كل منهما إلى الآخر، ليبدع أحدوثة بملامح زمنه وهو يستدعي حكمة فيلسوف قديم يطرح من خلالها أسئلة عصره، التي أورثت ديوجين اليأس بمرارة البحث عن الحقيقة دون جدوى، والشاعر يعيد تكرارها على مبدأ (العود الأبدي) ليعلو نداء الشاعر مستنجدا: ديوجين، أيها المصباح السائر في نهارات الأسئلة يا صاحب الكلبنة /هل ما زلت تبحث عن، أونستك... فالحقيقة التي افتقدها عصر ديوجين والتي ما فتأ يبحث عنها بمصباحه السائر في النهارات كالمسرج في الشمس، ولأن الشاعر محكوم بجدب وعقم زمنه كما ديوجين الذي رأى الشاعر تمرده وسخطه،فعل شعري التقطه ليحيله إلى تجربة انعكاسية لزمنه هو... ورحيم تماهى مع فعل ديوجين الذي تنكر للآخر بقوة متجاهلا وجوده لأنه لا ينتمي لعالم ديوجين الكلب... الرافض لكل القيم والتقاليد والأعراق باللجوء إلى التهكم والسخرية والإهمال الحاد للذات، وهو مع مصباحه يعاني عقدة البحث عبثا عن (الإنسان الكامل ) أونستك.... ذلك الذي أغرى شاعرنا (المصاب بمتلازمة ديوجين)باستدراجه إلى زمننا (خذ بيدي وتعال نجوب طرقات بلادي) وانتشله من برميل الحكمة ليلقي به في برميل زبالة هذا الزمن القاحل وصارا يبحثان كما يفعل جائعو هذا العصر (عن معلم لاولاد الشوارع /عن حاكم يستجير بالفضيلة /عن ام ثكلى)ولا ينسى اشباهه من (قافلة من شعراء حفاة) يتعالون عن فضيلة سقراط رافضين مملكته مثلهم مثل (قصاصون حليقو الرؤوس/ورسامون بعيون جاحظة /وموسيقيون بلا أصابع/وروائيون يتظرون ولا يبصرون).. ويختم بذات النداء العقيم (ديوجين ديوجين) استطاع الشاعر أن يغطي مآسي وأوجاع العصور بلغة ابيغرامية لم نعدم معها ظلالا دلالية على مستوى من الإيجاز والتكثيف ليستوي أمامنا نصا مركبا من شفرات خاض الشاعر أسرارها حد الغرق، ولكنه لم ينس أن (يرفع كفه المغموسة بحبر الوراقين وحتى كتب الوحي) ليعلن محمولاته الغروتسكية وهي تحتشد بكل صور الرعب والسخرية قبل أن يتوقف عن التنفس بإرادته كما فعل. لكننا نجده بأنعطافة مباغتة يتحول بنا الشاعر حسين رحيم من (نهار دائم كان كل شئ/يلأئم كل شئ) الى (ليل ضيق) يحشرنا واياه (في زاوية الخوف) وفي غياب (الجد) لألف عام ،يأتي حضوره مدويا، ليشق السديم (زيق الليل) ويهبط الى المجهول (السرداب) بكل محمولاته السرية وعماءه الكوني،فهو العمق من كل شي،الجذر،الاسرار،وكل ما يضمره من شر وامل،،يمتح منه الشاعر كل مكبوتاته ،لانه يعيش ذاكرة الفقد الوجودي الذي يدفعه الى التجرد يلغي معه الزمن ليتراوح بين ماض وحاضر،،، وزمن يمتد تقطعه فراغات تشي بتمرد ميتافيزيقي يقرن الشاعر به وجوده القلق،،وقدر يتمثل في جده (اللاشعور الجمعي)-يونغ- وهكذا يتلاعب بقصد او بدونه بين ظاهر هلامي وعمق مخبوء (الجد/السرداب) وبالمفهوم السيميولوجي الدال والمدلول،ليكون الصندوق الغامق هو (عامل الربط بينهما)اي الركيزة بتعبير (بيرس)،،فالقصيدة لا تصدر عن تجربة انفعالية عاشها الشاعر بذاته،،بقدر ما هي تجربة رؤية وتمثل ،،وما الام التي تبكي والاب الذي يجلس وحيدا يدخن كلما (تخرج الاسرار من مخابئها وتملأ البيت برائحة الاسرار لتحزن(حتى)عصافير شجرة التوت،،التي تذكر بخطيئة الوجود نفسه والتي تمتد منذ الخلق الاول وما اعقبه من هول الهبوط وقلق الحياة (وبعضكم لبعض عدو) ، كنت اتمنى على الشاعر الا يحدد افق قصيدته (بألف عام) ليطلق للقاري افق التأويل ،الا اذا كان يومئ بمن يهدد بفناء الكون ليعيد خلقه كل (الف عام) فللشاعر تهويماته التي تطير بنا الى ما وراء الجنون،،فهو برأي اليوت (لا يعبر عن شخصيته، بل يهرب منها) وبأشتغاله على فعل الارجاء ينقض اثرا بأثر مغاير بتجلياته وبقوة كشفه ،لتتوهج اشاراته وموحياته بمفارقة خادعة يموه بها متلقي شعره ،،وبأطلاق اسراره (كالفئران/تجوس فيها وتمرح )ليرخي هو خيوط دماه (السندباد،الزير سالم ،علي الزيبق)ليشدنا نحن بدلا منها ،مفاخرا بأنه(جرو مبرقش /بانواع الضحك) ولكن بحضور الجد بسطوته البطرياركية يفقد (الجرو) عالمه منفصلا عن ذاته منزويا كلما (يعاود حزننا العتيق تجواله بيننا)،،فأستحالت العيش بين روحين وجسدين وزمنين وبين (فئران تجوس بها وتمرح)بكل ترميزاتها المروعة يسوغ لها الشاعر ممارسة جنون،يسقطه ظلالا على جدار جده المتصدع الايل للسقوط يهدد (قدر العائلة)بأبعادها الكونية (بعد ان انفجر صندوق جدي الغامق /وتناثرت اسرار العائله في كل الدنيا /ونشروا وثائق طفولتي /واعلنوا موت ابطالها ) صندوق (باندورا)الاسطوري الان اطلق شروره في فضاء الكون (قمع ووحشيه ودمار ودماء ،،،،،)ولم يبق فيه حتى (الامل)الذي اودعه (جوبيتر) في قاع الصندوق ،،والذي لم يستطع رؤيته الا شاعر احاله الى (قصيدة وحيدة)يتوارثها الشعراء –