يوم أمس، كانت الذكرى 52 لاندلاع ثورة آيت باعمران الشعبية التي لقن الباعمرانيون خلالها للإسبان دروسا في الوطنية والتضحية والفداء، تحت إشراف قيادة جيش التحرير ، ومساعدة المتعاطفين المشرفين على القيادات المجاورة أمثال المجاهد الكبير عبد العزيز الماسي ومقاومين آخرين... ففي هذا اليوم بعد 52 سنة، استولى 1500 رجل من رجال جيش التحرير الوطني بقيادة الكولونيل بن حمو وسكان قبيلة أيت باعمران على مواقع إسبانية وكذلك على مدينة إيفني . وفي نفس اليوم شن جيش التحرير بمنطقة الجنوب هجوما واسعا على مدن : طانطان والسمارة ووادي الذهب والداخلة والعيون والساقية ... وقبل هذا التاريخ بعشر سنوات وبالضبط سنة 1947، كانت انتفاضة شعبية عارمة، حيث قامت قيامة الباعمرانيين ، بسبب فرض المستعمر الإسباني بطاقة تعريف خاصة على جميع المواطنين، وقد كتب تحت الصورة التي على البطاقة (هذا إسباني) ، وعلى إثر هذه الانتفاضة تعرض عدد من المواطنين الباعمرانيين للمضايقات والاستفزازات والاضطهاد والتشرد وبيعت ممتلكاتهم بالمزاد العلني وأمضت جماعة منهم سنوات في سجن الداخلة، نتيجة مواقفهم الوطنية الصلبة. وفي نفس الفترة كانت هناك معارك وانتفاضات شعبية بكافة ربوع الوطن لمواجهة الاحتلال ومن هذه المعارك، معركة الهري وأنوال وبوغافر وجبل بادو وغيرها من المعارك التي لقن فيها المجاهدون والمقاومون المغاربة، قوات الاحتلال دروسا في الصمود والمقاومة والتضحية . ثم بعد نفي محمد الخامس سنة 1953، التحق الباعمرانيون بالعمل في صفوف المقاومة من أجل استقلال المغرب ، وساهموا في تأسيس المقاومة وجيش التحرير، واتخذوا مدينة إيفني ملجأ لهم وقد بلغ عددهم 140 لاجئا . وبعد رجوع محمد الخامس سنة 1955، منعتهم إسبانيا من المشاركة في إقامات الاحتفالات ، وألقي القبض على العديد من الوطنيين ورمي بهم في السجون من جديد يوم 18 نونبر 1955. وبعد زيارة محمد الخامس لإسبانيا سنة 1956 اعترفت هذه الأخيرة باستقلال المغرب، واتفق الحاكم الإسباني لمدينة إيفني مع ممثلي السكان على إلغاء الحدود المصطنعة بين الفرنسيين والإسبانيين، وإلغاء المكوس والضرائب التي ينتزعها الاستعمار من المواطنين ، وتم ترك تسيير شؤون المواطنين لممثليهم ريثما يأتي ممثل الحكومة المغربية . وبعد ذلك تكون وفد يمثل كل القبائل الباعمرانية وتوجه إلى مدينة الرباط لتقديم تهاني الباعمرانيين بالعودة والاستقلال. كما قدم الوفد ملتمسا يحث الحكومة المغربية على التعجيل بإرسال مبعوث يتسلم السلطة من الإسبان، غير أن المنطقة وقعت في إهمال حيث يقول المؤرخ المختار السوسي في «المعسول»: «مضى مامضى بعد رجوع الوفد ولم يظهر للملتمس أي تأثير». وقد طلب الحاكم الإسباني بإيفني من عامل مدينة أكادير أنذاك أن يأتي ليتسلم السلطة فاعتذر لأن الحكومة المغربية لم تأذن له بشئ، وبدا لإسبانيا أن تسترجع كل ما عرضته للتسليم، واستدعت الرؤساء الذين كانوا يتقاضون من يدها فأمرتهم بأن يراجعوا معها أعمالهم فثارت ثائرة الباعمرانيين . ثم تأزمت الأمور بين إسبانيا وآيت باعمران ونشطت حركة المقاومة ضد الإسبان ابتداء من أبريل 1956، وتم اغتيال جماعة من الضباط المغاربة العاملين في قسم الاستعلامات الإسبانية، وأقدمت إسبانيا على اعتقال جماعة من مسيري شؤون السكان ونفتهم إلى جزر الكناري ، ثم أعلن السكان عن إضراب عام لمدة ثلاثة أشهر. وفي تلك الفترة وقعت معركة «تفست» بأيت عبد الله، استشهد خلالها مجاهدان وقتل حوالي عشرين إسبانيا. فصرح الحاكم الإسباني أنذاك أن منطقة أيت باعمران جزء من إسبانيا، فمن رغب في العيش مع إسبانيا فيها مرحبا به ومن في رأسه غير ذلك فما عليه إلا الرحيل ... وهكذا بدأت الإستعدادات تجري في كل مكان للهجوم العام والقيام بثورة شاملة ضد إسبانيا الإستعمارية الغادرة، وكان ذلك يوم 23 نونبر 1957 ، وهو يوم مشهود خالد في تاريخ باعمران وفي تاريخ المغرب. لقد صمد سكان أيت باعمران أمام الجيوش الإسبانية الزاحفة وكبدوها خسائر فادحة في الأرواح والعتاد، وتمكنوا من تحرير جميع المراكز الإسبانية بأيت باعمران في ظرف أسابيع معدودة ، وبقيت إيفني وضواحيها تحت النفوذ الإسباني. ومن بين المعارك التي خاضها الباعمرانيون ضد إسبانيا : معركة «تابلكوكت» (مركز يقع بين الحدود الإسبانية والفرنسية )، معركة «بيزري» ( شارك فيها 180 مجاهدا ضد 4000 إسباني وأسفرت عن قتل 493 إسبانيا واستشهاد أربعة مجاهدين)، معركة «بورصاص» (استعمل فيها المجاهدون مدافع الهاون ونصبوا كمينا للجيوش الإسبانية البالغ عددها حوالي 2000 جندي وأسفرت عن قتل 530 إسبانيا) . ثم معركة «اصدار» (شارك فيها 200 مجاهد ضد حوالي 2000 إسباني وأسفرت عن مقتل 130 إسبانيا واستشهد 27 مجاهدا)، معركة «ثلاثاء اصبويا وتالوين» (شارك فيها 120 مجاهدا ضد 1870 إسبانيا)، ثم هناك معارك أخرى ك : «عركوب» و»املو» و «بيجاريفن» «إيفني» و»سيدي امحمد بن داوود» . لقد قدمت منطقة آيت باعمران كسائر مناطق المغرب الأمثلة الرائعة، حيث كان الباعمرانيون بالمرصاد منذ بداية الأطماع الأجنبية والغزو الإستعماري . واستطاع أبناء قبائل أيت باعمران تحقيق النصر وصناعة المعجزة رغم محدودية إمكانياتهم، ولقنوا المستعمر دروسا في التضحية والصبر ونكران الذات . كما تواصلت مسيرة استكمال الإستقلال، مع استرجاع منطقة طرفاية سنة 1958، واستطاع المغرب من جديد أن يحقق خطوة جبارة على درب استكمال التحرر باسترجاع مدينة سيدي إفني من قبضة الإسبان في 30 يونيو 1969.