سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
أسر 40 إسبانيا بالمغرب يعجل البحث في المشاكل العالقة بين المغرب وإسبانيا : جيش التحرير بأيت باعمران يفرج عن الأسرى دعما لخطوات محمد الخامس ولحكومة عبد الله إبراهيم
قرابة 50 سنة مرت على حادث له دلالات وتداعيات تاريخية وسياسية كبرى، الحادث الذي اكتسى وقته أهمية مغربية وإسبانية بالغة المغزى، وهي الأهمية التي عكستها كل وسائل الاعلام الإسبانية، وشكلت الحدث الأساس بالنسبة لجريدة »التحرير« المغربية (الناطقة بلسان الاتحاد الوطني للقوات الشعبية)، يتلخص في تحرير 40 أسيرا إسبانيا كانوا تحت قبضة مجاهدي قبائل آيت باعمران والصحراء، وهي العملية التي تمت بموازاة إطلاق سراح وطنيين من المغاربة. تسليم الأسرى الإسبان من طرف محمد الخامس يوم 6 ماي 1959 الى السفير الاسباني بالرباط، بحضور الاستاذ عبد الله إبراهيم الذي كان رئيسا للحكومة ووزيرا للخارجية، كانت له سياقات لاتخلو من دلالات أيضا، منها أن قبائل آيت باعمران بسيدي إفني والساقية الحمراء، خاضت حربا ضد القوات الاسبانية سنة 1958 بعد أن نقضت إسبانيا مختلف الاتفاقيات التي أبرمت بين المغرب والتي اعترفت ضمنها باستقلال المغرب ووحدة أراضيه التي كانت إسبانيا تمارس سلطتها الاستعمارية عليها، وأضحت تبعا لذلك تفرض الحصار من جديد على منطقة آيت باعمران، وعزلها عن باقي أنحاء المغرب. ولم تكتف بذلك فقط، بل إنها باتت تسلك سياسة الاضطهاد والعنف إزاء المواطنين المغاربة بهذه المنطقة، وهو الأمر الذي لم يستسغه الباعمرانيون، والنتيجة نشوب معارك بين المجاهدين الباعمرانيين والصحراويين من جهة والقوات الاسبانية في سيدي إفني والساقية الحمراء من جهة أخرى أسر خلاله ثوار آيت باعمران بمعركة سيدي إفني 40 أسيرا إسبانيا من الضباط والجنود. الملك محمد الخامس قال وقتها قبل تسليم الأسرى الى السفير الإسباني بالرباط، إن الاتفاقيات التي أبرمت بين المغرب وإسبانيا والتي اعترفت ضمنها الأخيرة باستقلال المغرب ووحدة أراضيه، تطبق على مجموع التراب المغربي الذي كانت إسبانيا تضع قبضتها عليه. وأضاف الملك في هذا الخصوص أن رحلة رئيس الحكومة الاستاذ عبد الله إبراهيم في أعقاب اندلاع المواجهات بين سكان أيت باعمران وقوات الاحتلال الاسبانية، أسفرت عن نتائج إيجابية، حيث تقرر استئناف المفاوضات مع الحكومة الاسبانية، وتم الاتفاق على تأسيس لجنة مختلطة مغربية إسبانية عهدت إليها عملية البحث في القضايا العالقة وتسويتها بصفة نهائية. وقد كان من التداعيات الايجابية لعمل الحكومة الوطنية أن ظهرت بوادر الانفراج في أوساط سكان آيت باعمران، والارتياح في أوساط الرأي العام الوطني، وهذا ما تؤكده مبادرة السكان بعيد تشكيل اللجنة المختلطة بين المغرب وإسبانيا، حيث »أخبروا الملك محمد الخامس أنهم مستعدون لتسليم الأسرى الإسبان الذين يوجدون في قبضتهم، ليستنى للجنة المذكورة العمل في جو من الانفراج والتفاهم.» وقداعتبر محمد الخامس مبادرة السكان هاته ذات مغزى ودلالة كبيرتين، وألح في المقابل على وجوب تسوية المشاكل المعلقة تسوية نهائية من طرف اللجنة. ثورة قبائل آيت باعمران التلقائية ذات »الصبغة الداخلية والتلقائية«، كما وصفها محمد الخامس والتي جاءت ردا على عدم وفاء المحتل بالاتفاقيات المبرمة معه، واحتجاجا على العديد من التصرفات، منها منع السكان من الاحتفال بعيد العرش لسنة 1957، كانت مليئة بالوقائع والمعطيات المستجدة، والدلالات والعبر. ومن بين الوقائع ذات الدلالة التي يمكن تسجيلها في هذا الإطار، هو أن اللجنة المختلطة المغربية الإسبانية عقدت اجتماعا في صباح اليوم الموالي لتدارس المشاكل والملفات العالقة، كما أن السفير الإسباني بالمغرب نظم مأدبة عشاء بمناسبة افتتاح أشغال اللجنة المختلطة حضرها عبد الله إبراهيم، رئيس الحكومة ووزير الخارجية، وعبد الرحيم بوعبيد نائب الرئيس ووزير الاقتصاد.. كما أن السفارة المغربية بإسبانيا قد أصدرت بلاغا أشارت فيه إلى أن إطلاق الأسرى الإسبان جاء نتيجة تدخل الملك محمد الخامس، مبرزة في هذا الصدد، أن هذا العمل أو اطلاق الأسرى الإسبان سيدعم بدون شك مهمة اللجنة المختلطة. إطلاق سراح الأسرى الإسبان الذي توج بالإفراج عن جميع المعتقلين المغاربة، كانت له ردود فعل قوية وايجابية في الأوساط الإسبانية وفي مقدمتها الصحافة الإسبانية، ذلك أن تحرير الأسرى الإسبان قد تصدرصفحات جل الصحف الإسبانية، مباشرة بعد الافراج عنهم من قبل مجاهدي آيت باعمران، وقد كتبت في هذا السياق جريدة »اربيا« قائلة: »لقد تحققت خطوة كبرى في طريق تصفية ما كان معلقا بين البلدين، اللذين يحكمهما باخلاص رؤساء شعبيون ومتمتعون بنفوذ قوي، يفتحون أمام بلديهما أفقا مليئا بالأمل ». أما صحيفة »يا« فنوهت بصدق العلاقات التي أراد الله أن يشع من خلالها النور، وينجلي الظلام بفضل ملك متبصر حكيم وعادل»، وفي إطار التداعيات، دائما، الناتجة عن حدث الإفراج عن الأسرى الإسبان من قبل سكان آيت باعمران، والذي لعب فيه الملك والحكومة الوطنية دورا بارزا، أعلنت وكالات الأنباء الإسبانية عن خبر إطلاق السلطات الإسبانية سراح جميع المعتقلين المغاربة الذين قررت الحكومة الإسبانية بدورها إطلاق سراحهم. وعلقت جريدة »إسبانيا« على حدث إفراج الإسبان قائلة: »إن يوم 6 ماي، سيظل يوما مرموقا في الطريق التي ستؤدي بشعبينا الي بلوغ الهدف المقدر لهما، وهو التفاهم المتبادل، إن هذه الالتفاتة الودية التي قام بها محمد الخامس وحكومته لتؤكد الرغبة الصادقة التي تخالج السلطات المغربية، وتنبئ بخاتمة مباركة للمباحثات التي تجري بالرباط«. ردود الفعل الناتجة عن إطلاق سراح الأسرى الإسبان لم تقتصر على الصحافة الإسبانية، بل إنها كانت محورا من المحاور الرئيسية للعديد من وسائل الإعلام الدولية.. من الأحداث المتولدة عن ثورة آيت باعمران ضد المحتل الإسباني والتي تكتسي دلالة وبعدا سياسيين كبيرين، حدث زيارة محمد الخامس يوم 26 ماي 1959 لمنطقة باعمران، أي بعد أيام من إفراج السكان عن الأسرى الإسبان وتسليمهم من قبل الملك إلى السفير الإسباني بالرباط، حيث تم استقبال ممثلي هذه المناطق وهو ما وصفه الملاحظون وقته بدعم الملك والحكومة الوطنية لقبائل آيت باعمران المجاهدة.