أكاد أقول: أنا خجل من عروبتي!!.. وأخشى «إن رميت أن يصيبني سهمي»!!.. فهاهي أزمة المجتمعات العربية ( جاءت مناسبة مباراة رياضية عابرة، لتفضح لا رياضية كثير من السلوكات ومن المواقف ) التي وصلت حدا من الهاوية، يكاد يؤشر أننا بلغنا القاع. حيث إننا نكاد نمارس الحياة بذاكرة ملحوسة، جرداء، ونصدر عن ضغط انفعال لا مساحة للعقل فيه. متناسين أن الشمس ستشرق غدا على دنيا الأحياء أحببنا أم كرهنا، وأن قدرنا الأبدي والدائم، هو التعايش.. إن المرء ليخجل كثيرا من عناوين الكلام الذي يصدر في قنوات مصر الفضائية، وردود الفعل المتوالية عنه في صحف الجزائر.. والخطاب الساري ذاك، المطلوق على عواهنه، إنما هو عنوان خطاب أزمة، هي أزمة مجتمع.. بل أزمة مشروع مجتمعي، تتعاظم فداحة صورتها، حين تصدر عن التجمع البشري الأكبر عددا في دنيا العرب.. إن الإستسهال في رسم صورة مؤلمة تنسب للوعي المصري العام، أمام ملايين المشاهدين عبر العالم، والتي تسجن صورة بلد بكامله في ملامح خطاب منقوع في قاموس مؤسف من السباب المجاني ( من قبيل: «بلد المليون بلطجي»، و«بلد الكلاب»، و«بلد» ما يخجل المرء من ترديده من كلمات لا تشرف أحدا ) وأحكام القيمة ( من قبيل: «البربر في شمال إفريقيا، همج متوحشون ونحن الذين علمناهم العربية والحضارة و...و....و... ».)، والعديد الآخر من الأحكام الإطلاقية. كل ذلك، إنما يترجم عاليا درجة الأزمة المجتمعية التي يعانيها المشروع العربي، وضمنه المشروع المجتمعي المصري، بصفته مشروع أمة لم يقطر بها السقف، وتجر وراءها إرثا محترما من الأثر الطيب في ذاكرة الأيام والتاريخ. ولعل المقلق هنا، هو هذا النزوع السياسي، الموظف للإعلام العمومي والخاص، نحو الإجماع على القبح، الذي مرتكزه منطق الترهيب والتخوين ضد كل صوت عقل يحرص على أن لا يمسح الأثر الطيب للعلائق من الذاكرة، بممحاة من الغضب ورد الفعل العاطفي. إن الأزمة المجتمعية تلك، التي تعبر عن نفسها في الفضائيات وعبر باقي وسائط الإتصال والإعلام، إنما تترجم عاليا حجم أزمة النخب في عالمنا العربي. وأن من يوجه دفة الأمور سياسيا نحو ذلك الإسفاف والإستسهال في صناعة رأي عام متشنج وعنيف، إنما هو في خصومة مع المشروع الهائل الذي تمثله مصر كوعد في خريطة العرب. إن بلاد طيبة، وبلاد صلاح الدين الأيوبي. ومحمد علي، ورفاعة الطهطاوي، وقاسم أمين، وسعد زغلول، وسيد درويش، وجمال عبد الناصر، وأمل دنقل، والدكتور زويل،،، وصف طويل من عناوين الشرف هناك، ليست لا الأخ الأكبر ولا الأخ الأصغر للعرب. هي مصر فقط، بما منحها الله من موقع جيو - ستراتيجي، وبما تمنحه لنفسها ( عبر أبنائها ) من مكانة ودور، مثلها مثل باقي أمة العرب، بأعطابها ونقط قوتها. فهي ليست وصية على أحد، ولا أحد يملك الحق في أن يحملها فوق طاقتها. بالتالي، فإن المطلب المفتوح اليوم، هو أن يرحم إعلام مصر تاريخ بلده، من هذا السقوط اللفظي الذي تقاد إليه صورة بلد كبير مثل مصر. إنه في مكان ما، لم يخطئ الأديب والروائى المصري علاء الأسواني، في روايته «نيران صديقة»، حين نبه عبر أحد شخوصه، أن بلاده التي يحبها، تكاد تُقاد نحو تربية للنرجسية، التي هي وقود كل فكر شمولي يُخشى أن ينتهي إلى «الفاشية». ومحبة مصر، بتاريخها المديد، تفرض قول الحقيقة كاملة بلا مواربة. وحين يتأمل المرء، بعض الكلام الموجه ضد الفنان عادل إمام ( كمثال فقط )، كونه رفض الدخول في ذات التوجه الإعلامي العابر والآني. والحملة التي تستهدفه هنا وهناك، بدعوى « الخروج عن الإجماع » المبطن ب « تهمة التخوين »، يطرح الكثير من أسباب القلق. إن التحدي الذي يواجه الشعب المصري، هو الإنتصار على مكبلات الحياة الكريمة، من بطالة وصحة وتعليم وأمن. إن الخطر الذي يتهدد مصر، هو مستقبلها المائي، وزحف الصحراء، والقحولة التي تهدد دلتا النيل التي تعتبر رئة مصر الفلاحية والصناعية الكبرى.. إن المشروع الذي يتحدى الجميع هناك، هو خلق أسباب التوازن الإقليمي ( علميا، أمنيا وتكنولوجيا ) أمام عدو مصلحي مثل إسرائيل.. إن الكرامة هي أن يتقوى الجنيه المصري، وأن تكون القدرة الشرائية لأهل النيل من القوة ما يسمح بعودة وازنة ولازمة للطبقة المتوسطة، تلك التي أنتجت كل الألق الفني والإبداعي والسلوكي لمصر.. هذه هي عناوين الكرامة التي تشكل مشروع المجتمع الذي لابد أن تكسبه القاهرة، أما التقوقع في خطاب عاطفة زائل ولحظي وانفعالي، فإنه إنما يضرب كرامة البلد في أن تكون القوة الإقليمية الواجبة لنفسها ولباقي العرب.