بعد إسدال الستار عن آخر المباريات الإقصائية المؤهلة لكأس العالم 2010 بجنوب إفريقيا، وعلى الإيقاع الجنوني بحرارة التنافس التي شهدتها بعض المباريات، بالأخص منها الصدام اللارياضي بين مصر والجزائر الذي أفرز الكثير من مظاهر التوتر ديبلوماسيا، وسياسيا، وفنيا، بل وشعبيا وجماهيريا كذلك، لا يمكن إلا أن تعود بنا الذاكرة أربعين سنة إلى الوراء لنستعيد حربا أليمة وعبثية شهدتها منطقة أمريكا الوسطى، وكان بطلاها بلدان صغيران هما السالفادور والهوندوراس. ففي سنة 1969، وفي غمار الإقصائيات المؤهلة لكأس العالم 1970 بالمكسيك، التي كان فيها للمغرب شرف انتزاع صفة أول ممثل لإفريقيا بالمونديال، نتج عن مباراة جمعت بين البلدين الجارين الهوندوراس والسالفادور، اشتعال حرب غير منتظرة. فعقب المباراة التي تحولت إلى قضية دولة بين الطرفين، ستقدم دولة السالفادور صبيحة يوم 14 يوليوز 1969 بتشغيل طيرانها الحربي وقصف بعض مناطق الهوندوراس المتاخمة لحدودها. وفي اليوم الموالي سترد دولة الهوندوراس بالمثل وتقوم بدورها بقصف العديد من بلدان الجارة السالفادور. وقد استمرت هذه الحرب حوالي مائة ساعة وأفرزت، كفاتورة، من الضحايا 5000 قتيل! وكادت الأمور بين الطرفين أن تؤول إلى ماهو أسوأ لولا تدخل منظمة البلدان الأمريكية والولايات المتحدةالأمريكية لدفع الطرفين لإيقاف حرب عبثية ومأساوية هي الأولى من نوعها التي تحدث بسبب كرة القدم. والمتتبع اليوم للحرب المفتوحة والمتشنجة، التي مازالت لحسن الحظ، مجرد حرب كلامية وخطابية غليظة بين الجزائر ومصر، لا يمكنه إلا أن يتذكر هذا الحدث المأساوي والطريف كذلك، الذي شهدته أمريكا الوسطى منذ 40 سنة خلت. كما لا يمكنه إلا أن يستحضر العواقب اللامحسوبة التي يمكنها أن تنتج عندما يتم الخروج بمباراة في كرة القدم، مجرد مباراة، عن نطاقها الرياضي، ليتم إطلاق العنان لكل أشكال التشنج والإنفعال إلى حد ينسى فيه رجال السياسة توازنهم وواجب تحفظهم، و يصبح الإعلام بدوره مجرد آلية شعبوية لإنتاج الهمجية والتعصب، ولقتل الروح الرياضية.. عندها تصبح كرة القدم مجرد مجال، يسمح للدول، كما للأفراد، بممارسة حروبها بوسائل أخرى، وهذا بالتأكيد، وللأسف، ما يجعل التنافس الرياضي يفرغ من حمولته الحضارية.